تجمّع عشرات من موظفي البنك الزراعي المصري المفصولين إداريًا، أمام الفرع الرئيسي للبنك في حي الدقي بالقاهرة، للمرة الرابعة خلال أسابيع، مطالبين بلقاء رئيسه التنفيذي محمد أبو السعود، للبت في قضيتهم التي تعود فصولها إلى عام 2020، حين بدأت إدارة البنك فصل ما يقرب من 2000 موظف من فروع وقطاعات مختلفة، دون سابق إنذار أو تحقيقات رسمية.

لكن المفاجأة هذه المرة لم تكن فقط في إلغاء الاجتماع المرتقب، بل في الطريقة التي تعاملت بها إدارة البنك مع ممثلي الموظفين، حيث تحدث عدد منهم عن تهديدات صريحة بالحبس، وتحقيقات فردية، وترهيب لفظي، في محاولة لإثنائهم عن مواصلة الاحتجاجات.

 

تفاصيل يوم التهديد
صباح أمس الأحد، 15 يونيو حضر العشرات من الموظفين إلى مقر البنك الرئيسي، بعد وعد سابق بلقاء الرئيس التنفيذي، كان قد أطلقه خلال وقفة احتجاجية في 26 مايو الماضي، بحسب ما أكده موظفون تحدثوا لـ"المنصة". لكن بدلاً من الاجتماع، فوجئ الموظفون بثلاثة مسؤولين من إدارات الموارد البشرية، والشؤون القانونية، وأمن البنك، يخبرونهم بأن "الرئيس مشغول جدًا"، وأنهم سيُستقبلون فرادى لعرض "مشكلة كل منهم على حدة".

بحسب ما رواه أحد الموظفين: "أصرّوا على مقابلات فردية رغم إننا ممثلين عن زملائنا، وفجأة بدأوا باختيار النساء أولًا، وهنا بدأت عملية الترهيب".

 

ترهيب النساء وتهديد الآباء
موظفة رفضت ذكر اسمها، روت أن ثلاثة مسؤولين واجهوها بحدة، وهددوها قائلين: "الطريق اللي ماشية فيه ده هيخليكي تتمني تسمعي صوت ولادك"، قبل أن يُطلب منها تسليم بطاقة هويتها وهاتفها، وتُجبر على مغادرة المقر تحت مرافقة أمنية.

موظف آخر، تلقى تهديدًا مباشرًا بالحبس: "قالولي إحنا مصورين الوقفات، ولو حبيتوا نبلغ الأمن الوطني هنعمل كده"، مؤكدًا أن التهديدات طالت معظم الحاضرين، وأن بعض النساء خرجن من المقابلات في حالة انهيار.

 

فصل بلا تحقيقات.. و"أخطاء جسيمة" مفبركة
بدأت إجراءات الفصل عقب تولي علاء فاروق رئاسة مجلس إدارة البنك في فبراير/شباط 2020، تحت بند "الخطأ الجسيم"، وهو الوصف الذي نفاه غالبية المفصولين، مشيرين إلى أن أغلب حالات الفصل لم تمر بأي مسار قانوني، ولم تشمل تحقيقات داخلية، بل جاءت بشكل مفاجئ حتى لمن تجاوزت خدمتهم 30 عامًا.

تحدث موظفون عن أسباب غير منطقية للفصل، مثل: منشورات على "فيسبوك"، المطالبة بضم العلاوات، أو أخطاء إدارية قديمة تم إحياؤها بعد أعوام، فيما رأى كثيرون أن القرار سياسي الهدف، لتقليص العمالة ضمن خطة "تطوير البنك".

 

قضية مستمرة منذ 4 سنوات
منذ 2020، لم يتوقف الموظفون المفصولون عن المطالبة بحقوقهم. قدموا شكاوى جماعية، وخاضوا معارك قانونية أمام المحاكم العمالية، حيث حصل بعضهم على أحكام بالتعويض، بينما رفضت محاكم أخرى دعاوى زملائهم. ولا تزال قضايا أخرى منظورة حتى اليوم.

في مايو الماضي وحده، نظّم المفصولون ثلاث وقفات أمام فرع البنك الرئيسي في الدقي، دون أن يتمكنوا من لقاء الإدارة العليا. وكانوا يأملون في أن يكون اجتماع الأحد نقطة تحوّل، لكنهم قوبلوا بمزيد من القمع.

 

ردود فعل نقابية وحقوقية
في وقت سابق، وتحديدًا في سبتمبر 2022، أصدرت دار الخدمات النقابية والعمالية، ولجنة الدفاع عن الحريات النقابية وحقوق العمل، بيانًا لدعم مفصولي البنك الزراعي، مطالبة الجهات الرسمية بوقف ما وصفته بـ"الانتهاكات الجسيمة" لحقوق العمال.

لكن منذ ذلك الحين، لم يحدث تغيير ملموس في موقف الإدارة أو الحكومة. بل على العكس، ازدادت الضغوط على الموظفين، سواء بالملاحقة القانونية أو التهديدات الأمنية.

 

تاريخ البنك.. وتحولاته القانونية
يُذكر أن البنك الزراعي المصري تأسس عام 2016 بقرار عبدالفتاح السيسي بتحويل "بنك التنمية والائتمان الزراعي" إلى كيان مملوك بالكامل للدولة، كشركة مساهمة مصرية، خاضعة لقوانين البنك المركزي والشركات المساهمة. ويُفترض أن يلتزم بأحكام تنظيم العمل وقوانين العمل المصري.

لكن قصة المفصولين تكشف عن ممارسة مخالفة لكل تلك القواعد، وسط غياب الشفافية، وانعدام الحماية النقابية، بحسب ما وصفه الموظفون.

 

وعود خاوية
رغم التهديدات، أبلغ مسؤولو البنك الموظفين بأن "الرئيس التنفيذي وعد بدراسة الحالات"، دون تحديد موعد أو ضمانات. ووسط تكرار الوعود دون نتائج، تتصاعد حالة الغضب، فيما يتمسّك الموظفون بمطلب واحد: "العودة إلى أعمالهم التي فقدوها ظلمًا، وإنهاء سنوات من الإقصاء والتهميش".

ويخشى الموظفون من تصعيد أمني جديد أو تصفية القضية إداريًا، وسط تجاهل حكومي ونقابي، ما يجعل قضيتهم مرشحة للاستمرار، كواحدة من أطول وأعقد قضايا الفصل التعسفي في القطاع المصرفي المصري.