في تطور أمني لافت يعكس عمق التسلل الاستخباراتي الإيراني وقدرته على تحديد الأهداف الحساسة، تعرّض معهد وايزمان للعلوم في مدينة رحوفوت جنوب تل أبيب لضربة مباشرة خلال الهجوم الإيراني الأخير على إسرائيل، ما أثار موجة تساؤلات حول مستوى تأمين المنشآت الحيوية في الدولة العبرية.
اللافت في هذا الاستهداف أنه طال منشأة علمية تُعدّ من بين أكثر المواقع سرية وحساسية، إذ إن معهد وايزمان، الذي يُوصف بأنه "العقل الأمني لإسرائيل"، محجوب بالكامل عن خرائط جوجل، إلى جانب المدينة التي يحتضنه، ما يعزز من الدلالات الاستخباراتية للضربة.
وأظهرت قناة الجزيرة، عبر خريطة تفاعلية، حجم الدقة في استهداف الموقع، مشيرة إلى أن هذا المعهد لا يُعد مجرد مؤسسة تعليمية أو أكاديمية، بل يمثل مركزًا استراتيجيًا تُطوَّر فيه أبرز المشاريع الأمنية والعلمية، التي تشكّل العمود الفقري للتفوق التكنولوجي الإسرائيلي.
تأسس معهد وايزمان في ثلاثينيات القرن العشرين، ومنذ ذلك الحين يُعد حاضنة للأبحاث فائقة الحساسية، خصوصًا في المجالات المتعلقة بالأمن والتكنولوجيا الحيوية والذكاء الاصطناعي. وتعتبره بعض التحليلات الغربية بمثابة "مخ الأمن الإسرائيلي"، حيث تُبلور فيه الأفكار والمشاريع التي تخدم المنظومة العسكرية والأمنية على المدى البعيد.
الضربة التي طالت المعهد أدت إلى اندلاع حرائق في عدد من مبانيه، وفق ما أظهرته مقاطع مصورة، فيما لم تُدلِ السلطات الإسرائيلية حتى الآن بتفاصيل دقيقة حول حجم الخسائر أو طبيعة الأضرار، الأمر الذي يفتح الباب أمام مزيد من التأويلات بشأن مدى فاعلية أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية ومدى اختراقها استخباراتيًا.
ويرى مراقبون أن اختيار هذا الهدف بالتحديد يعكس رسالة إيرانية مزدوجة: أولها تأكيد القدرة على تجاوز التحصينات الأمنية، وثانيها استهداف مركز يُنظر إليه كمصدر حيوي لاستراتيجية الأمن القومي الإسرائيلي.
الحدث يشكّل نقطة تحول في التصعيد بين طهران وتل أبيب، وقد يعيد رسم قواعد الاشتباك في ظل استهداف مباشر لمواقع تعتبرها إسرائيل محصنة ومخفية عن الأنظار، وهو ما يطرح تساؤلات حول اختراقات أمنية أو اختلالات في منظومة الردع الإسرائيلي أمام ما بات يُوصف بأنه "ذكاء الصواريخ الإيرانية".
تخصصات حساسة
ويتخصص معهد وايزمان في 5 مجالات بالغة الحساسية تفسر سبب استهدافه من قِبل الصواريخ الإيرانية:
- إجراء أبحاث بيولوجية وكيميائية ونووية تشكّل العمود الفقري للقدرات العلمية الإسرائيلية المتقدمة.
- تطوير تقنيات للحرب السيبرانية والاستخبارات، مما يجعله مركزا لتطوير أدوات الحرب الحديثة في العصر الرقمي.
- تطوير الذكاء الاصطناعي للجيش الإسرائيلي، بما في ذلك أنظمة ذكاء صناعي للعمليات القتالية وأنظمة ذكاء صناعي خاصة للجيش.
- تطوير تقنيات المسيرات والأنظمة الذاتية، وهي التقنيات التي تمثل مستقبل العمليات العسكرية الحديثة.
- تطوير أنظمة ملاحة بديلة عن نظام الـGPS، وهو أمر بالغ الأهمية للأمن القومي الإسرائيلي في حالة تعطيل أنظمة الملاحة التقليدية خلال النزاعات.
كما يضفي مستوى السرية الفائقة التي تحيط بمعهد وايزمان طابعا استثنائيا، فعلى عكس المواقع الأمنية الأخرى في إسرائيل، لا يظهر موقع المعهد في روحوفت على الخرائط المتوفرة على الإنترنت، ولا عبر خرائط الأقمار الصناعية.
ويتجاوز هذا المستوى من السرية مواقع مؤسسات إستراتيجية مثل وزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب أو مصافي النفط في حيفا، ويحصل معهد وايزمان على تمويله بشكل كبير من الجاليات اليهودية في الخارج، مما يعكس الطبيعة العالمية لشبكة الدعم التي يتمتع بها.
كما أن له مشاركات مع معاهد أميركية وأوروبية، مما يجعله جزءا من شبكة دولية معقدة من التعاون العلمي والأمني.
وحول دلالات الاستهداف الإيراني فإن استهداف معهد وايزمان تحديدا يحمل دلالات عميقة حول مستوى المعرفة الاستخباراتية الإيرانية بالمنظومة الأمنية الإسرائيلية.
ويعني هذا الاستهداف -كما أشار محللون- أن الإيرانيين يعرفون بالضبط ماذا يريدون استهدافه في إسرائيل، وأن هذا المستوى من الدقة في الاستهداف يكشف عن عمليات استخباراتية متقدمة ومعرفة تفصيلية بالمواقع الإستراتيجية الإسرائيلية.