في تحول دراماتيكي للوضع الاقتصادي في إسرائيل، بدأت تبعات الضربات الصاروخية الإيرانية بالظهور سريعاً على المشهد المالي والاقتصادي، مسببة ما يشبه "الزلزال المالي"، بحسب وصف اقتصاديين، وسط مؤشرات متصاعدة على احتمالات الركود واهتزاز الثقة الدولية في استقرار الاقتصاد الإسرائيلي.
 

البورصة تنزف.. هبوط جماعي للأسهم
مع افتتاح جلسات التداول يوم الأحد 15 يونيو 2025، سجّلت مؤشرات بورصة تل أبيب تراجعاً كبيراً، في أول رد فعل مباشر على التصعيد العسكري المتبادل بين إيران والاحتلال الإسرائيلي.
فقد هبط مؤشر "تل أبيب 35" للأسهم القيادية بنسبة 1.5%، فيما خسر مؤشر "تل أبيب 125" الأوسع نطاقاً نحو 1.4%، بحسب وكالة "رويترز"، وسط موجة ذعر في أوساط المستثمرين المحليين والأجانب من توسع النزاع وتحوله إلى مواجهة إقليمية شاملة.

وتكبدت الأسواق الإسرائيلية خسائر حادة بنهاية تعاملات الأسبوع، حيث فقدت البورصة نحو 3.64% من قيمتها في تداولات يوم الجمعة، عقب الضربات الإسرائيلية التي استهدفت مواقع إيرانية، وهو ما تسبب أيضاً في تراجع سعر صرف الشيكل بنسبة تجاوزت 5%، مسجلاً 3.66 مقابل الدولار مقارنة بـ3.48 قبل التصعيد.
 

تكنولوجيا وعقارات وطيران.. القطاعات الأكثر تضرراً
   سُجّلت خسائر واضحة في قطاعات التكنولوجيا والعقارات، الأكثر حساسية تجاه الأزمات السياسية.
شركات كبرى مثل "إلبيت سيستمز" و"تشيك بوينت" تراجعت بنسبة تتراوح بين 2% و2.7%، فيما خسرت شركات تطوير عقاري بارزة مثل "عزرائيلي غروب" و"أفكا كابيتال" جزءاً من قيمتها السوقية، وسط مخاوف من تعليق مشاريع وتراجع الطلب.

كما شمل التراجع أسهم قطاع الطيران والنقل، بعد إغلاق جزئي للمجال الجوي الإسرائيلي تحسباً لهجمات جديدة.
 

ضربة للبنية التحتية الحيوية.. حيفا تحت القصف
   أكدت تقارير رسمية إسرائيلية وأخرى إعلامية أن الضربات الصاروخية الإيرانية استهدفت منشآت نفطية حيوية في مدينة حيفا، بينها خطوط نقل وقود ومرافق تكرير، ما تسبب بأضرار مادية واشتعالات محدودة.

وتعد حيفا المركز الأهم لقطاع الطاقة في إسرائيل، حيث تنتج مصافيها أكثر من 65% من الوقود المكرر المستخدم محلياً. وقد أُوقفت عمليات ضخ الوقود مؤقتاً، فيما فُعّلت مخزونات الطوارئ لتأمين الإمدادات، وسط مخاوف من موجة غلاء جديدة في أسعار الوقود.
 

الشيكل يتهاوى والثقة تهتز
   أظهرت بيانات "بلومبيرغ" أن الشيكل خسر نحو 1.1% من قيمته في 48 ساعة فقط، وسط سحب أموال من صناديق استثمارية أجنبية وتوجه نحو عملات الملاذ الآمن.
ويخشى خبراء من أن يؤدي استمرار التصعيد إلى توسع عجز الحساب الجاري وتراجع التصنيف الائتماني، مما يضرب مركز إسرائيل المالي ويهدد استقرارها النقدي.
 

المستثمرون يعيدون الحسابات
   قالت فاينانشال تايمز إن مؤسسات مالية وصناديق استثمارية أوروبية بدأت بإعادة تقييم محافظها المرتبطة بالشركات الإسرائيلية.
كما أُعلن عن تجميد تمويلات جديدة للسوق الإسرائيلي من جانب بعض الصناديق الكبرى، في انتظار ما ستؤول إليه الأوضاع الأمنية.

وتوقعت شركة أكسفورد إيكونوميكس أن يؤدي استمرار التصعيد لأكثر من أسبوعين إلى انكماش اقتصادي رُبعي بنسبة تصل إلى 1.1%، مع تراجع إنفاق المستهلكين، وتأثر السياحة، وارتفاع كلفة التأمين على الشحنات.
 

الأسواق الإقليمية تترقب والنفط يرتفع
   على الجانب الآخر، اتسمت ردود فعل أسواق الخليج بالحذر. فرغم تسجيل مؤشرات البورصة في السعودية والإمارات وقطر استقراراً نسبياً، إلا أن هناك تراجعاً طفيفاً في أسهم شركات الطيران والنقل، إلى جانب قفزة في أسعار النفط بنسبة 2.3% بسبب المخاوف من تعطل الملاحة في شرق المتوسط.
 

ذعر شعبي واكتظاظ الأسواق
   انعكست حالة القلق الشعبي في الداخل الإسرائيلي على المتاجر وسلاسل البيع الكبرى، حيث اصطفت الطوابير وارتفعت وتيرة التسوق بنسبة تُقدّر بـ300%، وفق تقارير إعلامية محلية. وشهدت محلات بيع الغذاء والماء والبطاريات والمولدات طلباً قياسياً، وسط تقارير عن نقص السلع الأساسية.
 

من الترويج للاستقرار إلى واقع الأزمة
   لطالما حاولت إسرائيل الترويج لنفسها كمركز استثماري آمن وسط بيئة مضطربة، إلا أن الضربات الإيرانية الأخيرة هزت هذه الصورة، ما دفع مراقبين للتحذير من أن تستدعي شركات التكنولوجيا الكبرى نقل مقارها أو مراكزها الإنتاجية إلى دول أكثر استقراراً.

ويأتي هذا التصعيد وسط أزمة تضخم متزايدة، حيث بلغ معدل التضخم السنوي 3.6% في إبريل بالتوازي مع نمو اقتصادي ضعيف لم يتجاوز 0.9% في عام 2024، بفعل استمرار الحرب على غزة.