رغم أن مصر لم تكن طرفًا مباشرًا في الضربة العسكرية التي شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ فجر يوم الجمعة الماضية على أهداف حيوية داخل الأراضي الإيرانية، إلا أن تبعات هذا التصعيد الخطير لم تتأخر في الوصول إلى قلب القاهرة، لتصيب قطاعات حيوية بالشلل الجزئي، أبرزها: سوق الصرف، والنقل الجوي، والسياحة التي كانت تستعد لموسم صيفي مرتقب.
ارتفاع الدولار مجددًا.. السوق الموازية في حالة قلق
تسببت موجة القلق العالمي من التصعيد العسكري بين الاحتلال الإسرائيلي وإيران في زيادة الإقبال على الدولار الأميركي كملاذ آمن، وهو ما انعكس سريعًا على السوق المصرية، خاصة غير الرسمية، حيث قفز سعر صرف الدولار أمام الجنيه إلى ما يزيد عن 50.70 جنيهًا، في حين بقي السعر الرسمي مستقرًا نسبيًا عند 49.50 جنيهًا.
هذا التباين، بحسب محللين اقتصاديين، يعكس مخاوف المتعاملين من احتمال تراجع التدفقات الدولارية إلى مصر، سواء من السياحة أو الاستثمارات الأجنبية أو حتى تحويلات العاملين في الخارج، في حال امتد التصعيد إلى مناطق أكثر قربًا من مصر أو أدى إلى اضطرابات أوسع في الإقليم.
وتوقعت مصادر مصرفية أن تشهد السوق السوداء مزيدًا من التقلبات خلال الأيام المقبلة، ما لم تتضح مآلات المواجهة، مشيرة إلى أن البنك المركزي المصري يراقب التطورات عن كثب، لكنه يفضّل عدم التدخل حتى الآن لضبط السعر، مراهناً على عامل الوقت وهدوء التوترات نسبيًا.
الطيران.. إغلاق أجواء وارتباك في الرحلات
على صعيد الطيران المدني، لم تكن الضربة بلا تأثير. إذ تسببت حالة الاستنفار الجوي التي تبعت الهجوم الإسرائيلي في إغلاق أجواء إيران والعراق والأردن مؤقتًا، ما اضطر شركات الطيران إلى تغيير مسارات رحلاتها أو تعليق بعضها بشكل مؤقت.
وفي مصر، أعلنت شركة "مصر للطيران" تعليق رحلاتها إلى بغداد وبيروت وعمّان مؤقتًا، مشيرة إلى أن القرار اتخذ لدواعٍ أمنية بعد إغلاق أجواء الدول الثلاث.
من جهتها، أكدت وزارة الطيران المدني أن المجال الجوي المصري آمن تمامًا ويعمل بصورة طبيعية، مع استمرار جميع الرحلات الداخلية والدولية من وإلى المطارات المصرية، لكنها أوضحت أن بعض الرحلات تأثرت بالتغييرات المفروضة على الأجواء المجاورة.
السياحة على خط النار.. تباطؤ في الحجوزات وتجميد رحلات إيرانية
أما قطاع السياحة، الذي يمثل أحد شرايين الاقتصاد المصري، فقد بدأ بالفعل يشعر بنبض الأزمة. وبحسب عاملين في القطاع، شهدت الأيام الأخيرة تباطؤًا في الحجوزات الجديدة، خاصة من دول أوروبية وأسيوية كانت مرشحة لإرسال أفواج سياحية كبيرة هذا الصيف.
ويقول أحد مسؤولي شركات السياحة في القاهرة إن التغطية الإعلامية المكثفة للهجوم الإسرائيلي وردود الفعل الإيرانية خلقت حالة "نفور" نفسي لدى عدد من منظمي الرحلات، حتى لو لم تكن مصر طرفًا في التصعيد، مشيرًا إلى أن "السائح الأجنبي يتعامل مع المنطقة ككتلة جغرافية واحدة، ما يعني أن التوتر في طهران أو تل أبيب قد ينعكس سلبًا على شرم الشيخ أو الأقصر".
وكانت مصر قد علّقت آمالًا على موسم صيفي قوي هذا العام لتعويض خسائر السنوات الماضية، لا سيما مع تعافي القطاع نسبيًا بعد سنوات من الجائحة، وعودة أسواق رئيسية كإيطاليا وألمانيا وروسيا.
كما أن ملف السياحة الإيرانية إلى مصر، الذي كان قاب قوسين أو أدنى من التفعيل بعد تقارب دبلوماسي ملحوظ، أصبح مهددًا بالتجميد. إذ كانت هناك ترتيبات شبه مكتملة بين طهران والقاهرة لتسيير رحلات مباشرة وتسهيل منح التأشيرات، ضمن خطة لفتح السوق الإيرانية أمام السياحة المصرية، المعروفة بارتفاع متوسط إنفاقها. لكن التصعيد الأخير قد يؤجل المشروع لأجل غير مسمّى.
تأثيرات مستقبلية.. قلق من اشتعال إقليمي واسع
ويرى خبراء في الشؤون الاقتصادية أن القلق الأكبر يكمن في احتمالية اتساع رقعة التصعيد ليشمل مناطق جديدة في المنطقة العربية، بما يهدد استقرار سلاسل التوريد، وأسعار النفط، وكلفة الشحن والتأمين البحري، خصوصاً في البحر الأحمر وقناة السويس.
وفي هذا السياق، يُتوقع أن يتأثر الاقتصاد المصري أيضًا من خلال ارتفاع محتمل في أسعار الطاقة العالمية، ما قد يزيد من الضغوط على الموازنة العامة، ويرفع فاتورة دعم الوقود، فضلًا عن تآكل أي مكاسب محتملة من صادرات القناة أو تحسن السياحة.