بقلم: محسن أبو رمضان
يتّضح من ممارسات حكومة الاحتلال الإسرائيلي الىمينية والفاشية والعنصرية أنها تسير بتسارع باتجاة تطبيق خطّة حسم الصراع بحقّ الشعب الفلسطيني. هناك عمليات إبادة جماعية في قطاع غزّة منذ حوإلى 20 شهراً، وهي تسير باتجاه الإعداد للمرحلة الأخيرة، قبل تنفيذ عمليات التهجير، وفق ما يسمّيها نتنياهو "رؤية ترامب"، المبنية على نقل السكّان وترحيلهم خارج إطار جغرافيا فلسطين، وتحويل غزّة منتجعاً للاستثمارات، وفق منظور رجل العقارات. مرحلة الإعداد لعملية التهجير، سمّيت "تهجيراً طوعيّاً" أو قسرياً"، تجري الىوم في غزّة على قدم وساق. بدأت العملية من خلال نسف المباني في مدينة رفح وفي الشمال، وبالطلب من السكّان تحت تهديد الآلة العسكرية الغاشمة الانتقال إلى الغرب، وينفّذ التكتيك ذاته في خانيونس لدفع المواطنين إلى الذهاب إلى منطقة المواصي، وذلك في سياق العملية العسكرية الواسعة ("عربات جدعون") بهدف احتلال حوالى 75% من مساحة القطاع.
تستخدم حكومة الاحتلال وجيشها آلية المساعدات الجديدة من خلال مؤسّسة غزّة الإنسانية، وهي مؤسّسة أميركية ذات طبيعة أمنية، بغرض إجبار المواطنين على تلقّي المساعدات من ثلاث نقاط للتوزيع، في محور موراج بين رفح وخانيونس، وفي جنوب مستوطنة نيتساريم وسط القطاع. تهدف الآلية إلى تقويض منظومة المساعدات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة بالشراكة مع المنظّمات الدولية والأهلية الفلسطينية، كما تهدف إلى إجبار المواطنين على الذهاب قسراً إلى هذة النقاط، بهدف حشرهم في معتقلات جماعية تمهيداً لتهجيرهم. كان ذلك بعد تجويع وحصار لأكثر من تسعين يوماً.
أثبتت الآلية الجديدة أنها وسيلة لإذلال المواطنين، وتحوّلت مصائدَ للموت، كما ترمي إلى تفكيك وحدة النسيج الاجتماعي الداخلي، وبثّ الفوضى بين صفوف المجتمع، خاصّةً إذا أدركنا أن جيش الاحتلال يستخدم العصابات وسرقة المساعدات واحدةً من أدوات تقويض السلم الأهلي.
وفي الوقت الذي تستمرّ حكومة الاحتلال بمخطّطها الإبادي في غزّة، وترمي إلى تخفيف الكتلة الديموغرافية، والتمهيد لعمليات من التطهير العرقي، فإنها تقوم بإجراءات شبيهة في الضفة الغربية، من خلال إعلان بناء 22 مستوطنة جديدة، وزيادة الهجمات على المسجد الأقصى، ودفع آلاف للنزوح إلى شمال الضفة، وتقطيعها عبر الحواجز وفق منظومة من البانتوستانات والمعازل العنصرية. وعليه، وأمام كثافة الهجمة الاحتلالية، التي ترمي إلى استكمال ما كان في 1948، من خلال واحدة من أكبر عمليات التطهير العرقي في القرن العشرين. واضح أن حكومة الاحتلال، اليمينية والعنصرية، تعتقد أن اللحظة التاريخية مهيأة لاستكمال تنفيذ مخطّطها الاستعماري المبني على مقولة إن "فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض". الدعم الأميركي اللامحدود، والتقاعس الدولي، وغياب مبدأَي المساءلة والمحاسبة، شجّع هذا كله هذه الحكومة للاستمرار في ارتكاب المجازر بحقّ الفلسطينيين في القطاع، ومحاولة سحب هذا النموذج على الضفة الغربية، وإنْ بوتائر مختلفة.
صحيحٌ أن هناك صحوة أوروبية وعالمية يجب عدم الاستخفاف بها، وأن هناك مسارا سياسيا متصاعدا يرمي إلى الاعتراف بدولة فلسطين وفق القانون الدولي، من خلال المؤتمر الدولي المزمع عقده في الأمم المتحدة برعاية فرنسية سعودية مشتركة، إلا أن هذه الخطوات والمسارات يجب أن تترافق مع خطوات عملية ترمي إلى فرض المقاطعة الشاملة على دولة الاحتلال، وفق نموذج جنوب أفريقيا، إذ عملت هذه الآلية في تفكيك نظام الأبارتهايد العنصري.
أمام ما تقدّم، يجب أن يكون تعزيز مقوّمات الصمود الوطني عنوان المرحلة. بقاء الشعب الفلسطيني في أرضه، وإفشال مخطّط التطهير العرقي، هو الحلقة المركزية في الصراع المحتدم في هذه الأوقات. البقاء وتعزيز الصمود يتطلّبان تحقيق التماسك الاجتماعي، وقيم التكافل والتضامن الداخلي، كما يتطلّبان تشكيل لجان من المكوّنات السياسية والمجتمعية على اختلاف مشاربها لإسناد شعب فلسطين، ومناهضة المظاهر السلبية، وتحقيق التوزيع العادل للموارد، حتى لو كانت شحيحةً. وحتى يكون الصمود ذا معنى إيجابي، يجب أن يكون فاعلاً وحيوياً ومؤثّراً وبعيداً من السلبية، ما يتطلّب تفعيل المقاومة الشعبية وسيلةً كفاحيةً رئيسةً، والتمسّك بالرواية الفلسطينية التاريخية، وتفنيد الرواية الصهيونية، التي بدأت تتفكّك وتنهار على المستوى العالمي.