الله أكبر فوق كيد المعتدي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أجمعين..
قال الله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ (الحج: 62).
الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.. الله أكبر كبيرًا… والحمد لله كثيرًا وسبحان الله بكرة أصيلًا..
الله أكبر من كل شيءٍ؛ ذاتًا وقُدرةً وقدرًا، وعزَّةً ومنعَةً وجلالاً، الله أكبر كلما لبَّى الحجيج وكبَّروا، الله أكبر حيثما علا صوت الأذان، الله أكبر كلما كبَّر المجاهدون في ساحات النزال حماية لدينهم وعرضهم وأوطانهم، واستشعروا عزة الله وقوته وكبرياءه ومعيته، واستمدوا منه القوة والثبات والإخلاص.
الله أكبر كلما احتسب الصامدون خلف الزنازين ثباتهم، وتمسكوا بمبدئهم وتشبثوا بحبل الله المتين لا يقيلون ولا يستقيلون، الله أكبر كلما حمت الصابرات المحتسبات حصون بيوتهن بعد تغييب أزواجهن، وقدمن أعظم التضحيات وبذلن كل البذل والعطاء.
الله أكبر كلما استمسك الدعاة إلى الله بدينهم وبشرعة نبيهم وأعلنوا بكل فخار حُسن انتمائهم لدعوتهم ودينهم ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ (فُصِّلت :33) الله أكبر؛ من قالها من قلبه اعتصم بالله وأحسن الظن به، فلا تعطل حياته العقبات، ولا يخاف من مستقبل، ولا يتحسر على ما فات، وتزداد عنده الخشية من ربه والرهبة والتعظيم والمحبة وحسن العبادة، فتقبل نفسه على طاعته ومحبته وحسن التوكل عليه.
لقد استنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لنا التكبيرَ ليكون شعارًا للعيد ومعلمًا للحج الأكبر؛ لتوقن قلوبنا بهذا الذكر الجليل، ولنستشعر معاني العزة والإباء بانتسابنا إلى الكبير العلي المتعال، وهو بحوله وطوله ناصرٌ عباده ومنجزٌ وعده، يقول رسول الله ﷺ في الحديث الذي رواه ابن عمر رضي الله عنهما، قال: “مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ؛ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ والتحميد” أخرجه أحمد في مسنده، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: “ما أَهَلَّ مُهِلٌّ قَطُّ، ولا كبَّرَ مُكَبِّرٌ قَطُّ، إلَّا بُشِّرَ”، قيل: يا رسول الله بالجنَّة؟ قال: ” نعم” أخرجه الطبراني، فليكن التكبير حقيقة ماثلة في قلوبنا تجري على ألسنتنا مستبشرين بفضل من الله ورضوان.
تحدياتٌ جسامٌ في واقع مضطرب
إن الناظر إلى تفاعلات الأحداث في المنطقة وخاصة في محيط مصر الجغرافي لا تخطئه المحاولات الدؤوبة لحصارها وإضعاف قوتها وتوهين إرادتها وتهديد أمنها القومي وخلخلة محيطها الإقليمي ودول الجوار من حولها.
ففي الغرب ترتفع وتيرة الصراعات المسلحة بين الفصائل المتناحرة في ليبيا في حرب شوارع يتلظى بنيرانها المدنيون، وترتفع وتيرة الخلافات بين مكونات الشعب الليبي سعيًا لتقسيم المقسَّم إلى مقاطعات وولاءات قبلية ومناطقية، مع استمرار في الانقسام بين الغرب والشرق الليبي الذي يئن الأخير تحت وطأة حكم استبدادي عسكري، ويفتح أبواب ليبيا على مصراعيها للتدخلات الأجنبية والقواعد العسكرية، ويرهن مستقبل ليبيا للمجهول في ظل حالة من التعاون والتناغم مع الحكم العسكري الاستبدادي في القاهرة.
وفي الجنوب تشتعل الأرض في السودان الحبيب من تحت أهلها وتتزايد التحديات وتضيق الأرض بما رحبت أمام السودانيين، فتتزايد وتيرة النزوح من مكان إلى مكان ومن ولاية لأخرى وسط حالة من الاستهداف المستمر من الميليشيات المدعومة من قوى إقليمية ودولية تسعى لتفتيت السودان وتقسيم جغرافيته وكسر إرادته.
وبالرغم من النجاح في استرداد العاصمة الخرطوم من يد الميلشيات، إلا أن بورتسودان ودارفور وكردفان باتت تحت قصف عنيف من مسيَّرات يتحكم فيها المتواطئون في الإقليم من خلال دعمهم للمليشيات، مع استهداف لكافة مقدرات الشعب السوداني وبنية الدولة التحتية.
إن أكثر من 24 مليون سوداني يعانون اليوم من انعدام الأمن الغذائي الحاد – وفقًا لتقارير دولية – بما يضع البلاد على حافة المجاعة، ناهيك بحصار القرى والمدن ومنع كافة مقومات الحياة عن السكان في غير مكان.
غزة والتوغُّل في عمقنا الاستراتيجي
وعلى الحدود الشرقية، حيث العدو الاستراتيجي لمصر والخطر المحدق على الأمة كلها، والخنجر المسموم الذي غرسه الاستعمار ومشروع الهيمنة الغربي في المنطقة لإضعاف شوكتها وإيهان عزيمتها وحرمانها من النهوض واستقلال الإرادة، هنا تتعاظم أخطار ذلك العدو، وتتوغل قواته في العمق الاستراتيجي إلى محور صلاح الدين الذي يقع على مرمى حجر من الحدود المصرية.
إن تصاعد العدوان الصهيوني على أهل غزة واستهداف مقدراتها وإحكام الحصار عليها وتجويع أهلها والسعي الدؤوب لتصفية القضية الفلسطينية؛ كل ذلك ليس شأنًا يخص أهل فلسطين وحدهم، ولكنه شأن مصري صميم تقابله سلطة الانقلاب العسكري بصمت القبور وتواطؤ مفضوح مع المخططات الغربية، بحيث يتوارى معه دور مصر الكبيرة من المشهد الإقليمي، ويتمكن الاحتلال؛ ليتفلت أمر غزة ويؤول إلى من يتقاذفها حيث شاء ويعصف بها إذا أراد، بعد أن كانت مصر رقمًا صعبًا ورئيسًا في القضية الفلسطينية بشكل عام وفي غزة بوجه خاص.
أما محاولات التهجير فهي خطر لم يتراجع، بل يسعى الاحتلال لتحريكه في فضاء الواقع وشبح المجاعة التي يتم فرضها على القطاع، ومحاولة اجتذاب السكان إلى مراكز التوزيع بهدف إبعادهم عن بيوتهم ومنعهم من العودة إليها من جديد.
إن واجب الدول العربية والإسلامية وفي مقدمتها مصر هو الدفع بكل قوة لفرض واقع حقيقي، والسعي لفرض إجراءات على الأرض بعيدًا عن التصريحات والشعارات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وذلك بممارسة كافة الضغوط لإدخال الإمدادات إلى أهل غزة بما يكفي سكانها بشكل كامل تحت حماية دبلوماسية إقليمية ودولية.
إن الشعوب العربية والإسلامية كذلك، وفي مقدمتها الشعب المصري، ليست معفية من الواجب ولا مستثناة من المسؤولية، ويجب أن تكون لها كلمتها التي تدفع أصحاب القرار إلى اتخاذ ما يلزم من واجب لإيقاف هذه الكارثة التي انتفضت لها شعوب العالم غير العربية أو المسلمة! فهل يُعقل أن يُذبح إخواننا أمام أعيننا على مدى ستمائة يوم، وترتكب بحقهم أبشع الجرائم؛ قتلًا وحرقًا وتجويعًا وحرمانًا من أدني حقوق الإنسان، ثم تنعقد ألسنتنا ونغمض أعيننا ونقهر ضمائرنا؟!
استعادة دور مصر مرهون بوحدة القوى الوطنية
إن المتغيرات الإقليمية والتفاعلات التي تعج بها المنطقة ما كان لها أن تصل إلى ما وصلت إليه إلا بعد تراجع دور مصر الإقليمي التي طالما كانت منارة للأمة ودرعًا لحماية أمنها القومي، وذلك منذ انقلاب يوليو 2013، وما أعقبه من سياسات تسببت في تآكل مستمر لمكانة مصر التاريخية ودورها الريادي في المنطقة.
لقد أهملت سلطة يوليو المستبدة امتدادات الأمن القومي المصري بشكل مخزٍ؛ فتنازلت عن جزر تيران وصنافير، وفرطت في حقوق مصر التاريخية في مياه النيل من خلال اتفاقية إعلان المبادئ مع إثيوبيا، وسمحت للعدو الصهيوني بتوسيع نفوذه في المنطقة.
إن التفريط في الدور المصري كان نتيجة طبيعية لسلطة فاقدة لشرعيتها من اللحظة الأولى، تستمد بقاءها من رضا القوى الخارجية، بعد أن أهدرت إرادة الشعب وقمعته واعتقلت أبناءه وكممت أفواههم وصادرت حرياتهم.
إن تغيير حال الأمة يبدأ من استعادة إرادتها وحريتها واستقلال قرارها، يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ..﴾ (الرعد: 11)، فمصر التي عرفها التاريخ قائدة وملهمة للأمة، لا يمكن أن تستعيد دورها إلا بنظام وطني يستمد شرعيته من إرادة الشعب، ويعبر عن هويته وثقافته وتاريخه، ويحمي مصالحه ويدافع عن أمنه القومي.
إن جماعة “الإخوان المسلمون”، وهي جزءٌ أصيلٌ من نسيج هذا الوطن، تؤكد أن استعادة مصر لدورها الريادي يتطلب إنهاء حالة الانقلاب، والعودة إلى المسار الديمقراطي، وإطلاق سراح المعتقلين، وإشراك كل القوى الوطنية في بناء مستقبل مصر، فالوطن للجميع، والمسؤولية مشتركة، والتحديات التي تواجه مصر اليوم تتطلب وحدة الصف وتكاتف جهود كل أبنائها المخلصين.
إننا في جماعة “الإخوان المسلمون” نؤمن بأن مصر أكبر من أي نظام، وأن مستقبلها رهن بإرادة شعبها وليس مرهونًا بإملاءات خارجية، وهو ما يحتاج إلى تضافر كل القوى الوطنية للعمل معًا من أجل استعادة مصر لدورها الريادي، وحماية أمنها القومي، وصون كرامة شعبها، وتحقيق نهضتها وتقدمها، لتظل مصر بإذن الله عصية على كل المؤامرات، صامدة في وجه كل التحديات، طالما ظل شعبها متمسكًا بهويته، مؤمنًا بقدرته على التغيير، متطلعًا إلى مستقبل أفضل؛ لينزوي حينها كل من حاول حرفه عن طريقه وإضعاف قوته وتفريق وحدته ﴿ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ﴾(الشعراء: 227).
رؤية الجماعة 2025–2030
إن جماعة “الإخوان المسلمون” وهي تستقبل مئويتها الجديدة ومن منطلق اضطلاعها بدورها ومسئوليتها الشرعية والدعوية للدفاع عن الأمة وقضاياها المصيرية، وفي ظل متغيرات كثيرة على كافة المستويات سواء داخل الجماعة أو على المستوى المصري أو الإقليمي والعالمي وفي إطار تمسكها بمنطلقاتها الرئيسة وأهدافها النهائية التي سعت وما زالت تسعى لها منذ تأسيسها واﻷخذ باﻹسلام بشموله؛ فقد استشرفت رؤية الجماعة 2025–2030 “صورة النجاح” الذي تأمل تحقيقه بعون من الله تعالى؛ من خلال التركيز على تحصين البناء الداخلي وتقويته، مع التطوير والتحسين المستمر في الأداء وأنظمة الجماعة، وبناء الشراكات مع القوى الفاعلة والهيئات والمؤسسات والنخب المؤثرة؛ من أجل استمرار دورها لبناء مجتمع قيمي واعٍ، يستعيد حقوقه وحريته، نحو نهضة حضارية شاملة.
إن الجماعة تدرك أننا أمام طريق شاقة مليئة بالتحديات والعقبات ومحفوفة بالمكاره، ولكنها سنة الله في الدعوات، ولن تبلغ أمة أهدافها وتحقق مرادها إلا إذا بذلت وقدمت التضحيات من خلال صف متماسك وبنيان مرصوص، وحينها سنكون قريبًا من بلوغ الأهداف وتحقيق الغايات: ﴿إِنَّ اللَّـهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّـهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾ (الطلاق: 3 (،﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: 21).
واللهُ أكبرُ وللهِ الحمد
أ. د. محمود حسين
القائم بأعمال فضيلة المرشد العام لجماعة ” الإخوان المسلمون “
الثلاثاء 29 ذو القعدة 1446 هجرية – الموافق 27 مايو 2025م