تشهد الأسواق العالمية اضطرابات حادة نتيجة سياسة الرسوم الجمركية التي ينتهجها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بينما يظل الوضع في الشرق الأوسط بالغ التوتر. تواصل إسرائيل شن غارات على لبنان وغزة رغم اتفاقات وقف إطلاق النار، وتوسّع وجودها في سوريا، إلى جانب استمرارها في قمع وقتل الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة. في الوقت نفسه، تتصاعد حدة التوتر بين محور الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة، وإيران من جهة أخرى.

وترسل الولايات المتحدة إشارات متضاربة بشأن نيتها في الحوار مع إيران؛ فهي تعلن استعدادها لاستئناف المفاوضات النووية، وفي الوقت نفسه تدفع بتعزيزات عسكرية كبيرة إلى المنطقة، ما قد يشير إلى احتمال توجيه ضربات عسكرية ضد المنشآت النووية والصاروخية الإيرانية. ويبدو أن هذا التصعيد قد يكون وسيلة ضغط تهدف إلى جرّ طهران إلى طاولة التفاوض بأسلوب ترامب المعتاد.

من المقرر أن تبدأ محادثات أمريكية إيرانية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، يوم السبت المقبل في سلطنة عُمان. وتشير بعض التقارير إلى أن ترامب وجّه رسالة إلى المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، منح فيها إيران مهلة شهرين للتوصل إلى اتفاق نووي جديد، ملوحًا بأن رفض إيران لـ"يد السلام الممدودة" سيقابل برد سريع وحاسم من واشنطن.

رغم نبل هدف إعادة فتح قنوات الحوار مع إيران، إلا أن ترامب يتجاهل حقيقة أن انسحابه من الاتفاق النووي عام 2018 هو ما أوصل الأمور إلى هذه النقطة، حيث اقتربت إيران حاليًا من تطوير برنامج نووي عسكري، في حين كانت كميات اليورانيوم المخصب لديها قبل ذلك أقل بكثير.

أما في الميدان، فلا يملك ترامب الكثير من الإنجازات لعرضها، سوى هدنة هشة في لبنان وهدنة منهارة تمامًا في غزة. وحتى حديثه عن رغبته في إحلال السلام العالمي لم ينعكس على الواقع، بل زاده غموضًا مع إعلان ميزانية دفاعية غير مسبوقة بقيمة تريليون دولار.

الاتفاق المحتمل مع إيران يواجه عقبات ضخمة، نظرًا لانعدام الثقة المتبادل. فقد فقدت القيادة الإيرانية ما تبقى لديها من أمل في إمكانية التفاهم مع واشنطن بعد انسحاب ترامب من الاتفاق السابق. كما أن القبول بأي صفقة في ظل استمرار الضربات الإسرائيلية على لبنان وغزة، وتوسيع الاستيطان في سوريا، سيبدو مستحيلاً على الصعيد السياسي الداخلي في إيران.

ترامب قد يعتقد أن الوقت مناسب لعقد اتفاق، خاصة بعد الضربات الإسرائيلية التي استهدفت قيادة حزب الله، وسقوط نظام الأسد في سوريا، ما اعتبره البعض إضعافًا لمحور إيران الإقليمي. لكن من غير الواقعي الاعتقاد بأن طهران ستوافق الآن على وقف تخصيب اليورانيوم، أو تسليم مخزونها، أو تدمير منشآتها النووية، كما يطالب ترامب ونتنياهو. هذا المطلب يذكّر بالنموذج الليبي عام 2003، الذي تخلّى فيه القذافي عن برنامجه النووي، وانتهى مصيره إلى فوضى دامية، وهو ما يجعل هذا الخيار غير جذّاب لإيران.

ورغم الضربات التي تلقتها إيران وحلفاؤها مثل حزب الله والحوثيين، لا يمكن افتراض أنهم أصبحوا عاجزين أو انتهى دورهم. ومن المتوقع أن يشهد الوضع تطورات حاسمة بحلول أكتوبر المقبل، حين قد تعيد الأمم المتحدة فرض العقوبات على إيران إذا رأت الدول الموقعة على الاتفاق النووي أن طهران لا تلتزم بتعهداتها. في حال حدوث ذلك، ستتلقى إيران ضربة اقتصادية جديدة، ما قد يمنح ترامب ورقة ضغط إضافية.

وفي المقابل، أعلنت طهران أنها ستنسحب من معاهدة حظر الانتشار النووي إذا فُرضت العقوبات مجددًا، ما قد يشعل فتيل هجوم أمريكي إسرائيلي. هنا يبقى السؤال مطروحًا: هل ستقف روسيا أو الصين مكتوفتي الأيدي أمام ضربة تستهدف شريكًا استراتيجيًا لهما؟

في ظل هذا المشهد المتوتر والمتسارع، لم يعد هناك أي مجال للمزيد من سوء الحسابات.

https://www.middleeasteye.net/opinion/iran-us-tensions-theres-no-room-further-miscalculations