أعلنت حكومة السيسي، أمس السبت، صرف مبلغ 300 جنيه مساعدة إضافية لإجمالي 4.7 ملايين أسرة مستفيدة من برنامج "تكافل وكرامة" المخصّص للفقراء خلال شهر رمضان، بتكلفة إجمالية 1.5 مليار جنيه أتاحتها الخزانة العامة للدولة لصالح وزارة التضامن الاجتماعي، في إطار العمل على تحسين الأحوال المعيشية للفئات الأقل دخلًا بالدعم النقدي المباشر.

وقال وزير المالية أحمد كجوك، ووزيرة التضامن الاجتماعي مايا مرسي، في بيان مشترك، إنه تقرّر زيادة قيمة الدعم النقدي للمستفيدين من البرنامج بنسبة 25% اعتبارًا من إبريل المقبل، بتكلفة إجمالية تبلغ نحو 13 مليار جنيه حتى يونيو 2026، وأضافا أن برنامج "تكافل وكرامة" يتسم بالمرونة، ويسمح بضم أسر جديدة، واستبعاد أخرى على ضوء توفر الشروط المقررة.

وبذلك، ترتفع قيمة المبالغ التي تصرفها إلى 1032 جنيهًا بدلًا من 826 جنيهًا شهريًا للأسر الفقيرة، بزيادة 206 جنيهات، ومن 743 جنيهًا إلى 928 جنيهًا للمسنين والأشخاص من ذوي الإعاقة، ومن 578 جنيهًا إلى 722 جنيهًا للأيتام، ويرى خبراء أن هذه المبالغ لا تكفي لتوفير الطعام اليومي للفقراء، في ظل تزايد معدلات التضخم، وتراجع قيمة الجنيه مقابل الدولار من نحو 31 جنيهًا إلى 50.70 جنيهًا في غضون عام.

واعتمد مجلس النواب اتفاقًا بالتوسع في برنامج "تكافل وكرامة" مع البنك الدولي بقيمة 500 مليون دولار، يقضي بتقديم تحويلات نقدية مشروطة وغير مشروطة لدعم الفئات الأقل دخلًا، علمًا بأن عدد الأسر المشمولة في البرنامج قليل، مقارنة بإجمالي عدد الأسر الواقعة تحت خط الفقر في مصر، ويقدر عدد المصريين الذين يعانون من الفقر المدقع بنحو 40% من إجمالي تعداد السكان البالغ نحو 108 ملايين نسمة.

 

الغلاء والتضخم

ويعاني المواطنون من موجة غلاء معيشة وتضخم مستمرة، بسبب تداعيات برنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي، الذي يلزم الحكومة بتحرير أسعار السلع والخدمات الأساسية، وتطبيق سعر صرف مرن للعملة، من أجل الحصول على قرض قيمته الإجمالية 8 مليارات دولار.

ونص قانون الضمان الاجتماعي والدعم النقدي بأن "يوقف صرف الدعم النقدي المشروط عند حدوث تغير في مستوى معيشة الأفراد أو الأسر المستفيدة، بما يخرجها عن حدود المعادلة الاختبارية للاستحقاق، أو التدليس أو التزوير في البيانات التي أدلوا بها عند التسجيل للحصول على الدعم، أو إذا صدر حكم قضائي ضد الأفراد أو الأسر المستفيدة في جرائم: التسول، والاتجار بالبشر، وتعريض الطفل للخطر، وختان الإناث، والزواج المبكر، والتحرش، والتعدي على الأراضي الزراعية".

وشملت حالات وقف الدعم أيضًا: "رفض الأفراد أو الأسر المستفيدة، من القادرين على العمل، فرص التوظيف أو كسب العيش التي توفرها لهم الجهة الإدارية، من دون عذر مقبول لثلاث مرات، وتبين لائحة القانون طرق وإجراءات وآليات عرض فرص العمل، أو إقامة المشروعات، وحالات الرفض بعذر غير مقبول".

وتلتزم وحدة إجراء المتابعة الميدانية بسحب عينة عشوائية، بنسبة لا تقل عن 30% من الحالات المستفيدة من الدعم النقدي، خلال أشهر مارس وإبريل ومايو من كل عام، في ضوء البيان السنوي المقدم من المستفيد لتحديد مدى توافر شروط الاستحقاق لاستمرار صرف المساعدة، أو تعديلها، أو إيقافها.

ومنذ مارس 2024، هبطت قيمة صرف الجنيه المصري بنسبة 62%، بينما بلغت معدلات التضخم السنوي حوالي 24% بنهاية يناير 2025، ما يعني أن الزيادة في الأجور لم تعوض حتى التآكل في القدرة الشرائية. ويواجه المواطنون معدلات تضخم مرتفعة منذ أوائل 2022 في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، والذي أدى إلى سحب مستثمرين أجانب مليارات الدولارات من أذون الخزانة المصرية.

في مايو الماضي، أقرّ مجلس صندوق النقد الدولي صرف الشريحة الثالثة من برنامج دعم مصر بقيمة 820 مليون دولار، واعتمد مجلس الصندوق في نهاية مارس الماضي المراجعتين الأولى والثانية في إطار تسهيل الصندوق الممدد لمصر، ووافق على زيادة قيمة البرنامج الأصلي بنحو 5 مليارات دولار، ليصل إلى 8 مليارات دولار.

ومنذ مارس من 2024 هبطت قيمة صرف الجنيه المصري بـ 62 في المئة، بينما بلغت معدلات التضخم السنوي حوالي 24 في المئة بنهاية يناير 2025، ما يعني أن الزيادة في الأجور أو المعاشات لم تعوض حتى التآكل في القدرة الشرائية.

 

السياسة وأعداد الفقراء

ووفقًا للخبير الاقتصادي ممدوح الولي، فنسبة الفقر الرسمية المعلنة هي 29.7%، ولكن كثيرين لا يعرفون أن هذه النسبة تعبر عن الفترة من النصف الثاني من 2019 وحتى نهاية فبراير 2020، قبل ظهور فيروس كورونا بتداعياته السلبية التي أدخلت كثيرًا من الأسر المصرية إلى دائرة الفقر.

ويضيف ملحوظة أخرى وثقتها إحدى الصحف الاقتصادية نقلًا عن أستاذة جامعية شاركت في مسح الفقر الأخير، إذ قالت إنه عند تأهبهم لإعلان نتائج المسح اعترض مندوب لإحدى (الجهات السيادية) على نسبة الفقر التي كشف عنها التقرير، وطلب تحسينها حتى لا تسيء للإنجازات الحكومية؛ فعدلت النسبة، لكنه اعترض مجددًا حتى انتهت الحال إلى النسبة المعلنة (29.7%).

وأضاف أن الفترة التي أعقبت ظهور فيروس كورونا صاحبتها موجة غلاء عالمي، ضاعفتها الحرب الروسية الأوكرانية التي أعقبت انتهاء خطر الفيروس، وما تواكب مع ذلك من تراجع قيمة الجنيه المصري أمام الدولار، وأثر كل ذلك على الارتفاع المذهل لأسعار السلع في البلاد خلال العامين الماضي والحالي، فإننا نستطيع التأكيد بثقة أن نسبة الفقر المعلنة رسميا لم تعد تعبر عن الواقع، كما أن حد الفقر المعلن رسميا (857 جنيها) ليس صالحا للاستخدام حاليا.

ويؤكد الولي أنه عند مقارنة الأرقام الرسمية بنفسها، فإننا أمام واقع مؤسف؛ فالمستفيدون من معاشات "تكافل وكرامة" حتى منتصف 2021 بلغوا إجمالًا نحو 14 مليون شخص، في حين يبلغ عدد الفقراء -وفق النسبة الرسمية المُحسنة- نحو 30.3 مليون شخص، أي أن المعاشات لا تغطي إلا نحو 46% من فقراء البلاد المسجلين (آنذاك).

ويشير إلى أن هذه التغطية لا تخرجهم من الفقر، ولا تحقق لهم الكفاية بحدها الأدنى، بما قد يدفع بعضهم إلى التسول أو الجريمة أو الانحراف الأخلاقي لاستكمال احتياجاته الأساسية من الطعام، فضلا عن احتياجاته الأخرى لتدبير نفقات إيجار المسكن وفواتير مياه الشرب والغاز الطبيعي والكهرباء، وكلها ارتفعت أسعارها.