يشهد القطاع المصرفي المصري توسعًا متزايدًا للبنوك الإماراتية، في خطوة تثير تساؤلات حول أبعاد هذا التوسع وتأثيراته الاقتصادية والاستراتيجية.
فمنذ أعطى البنك المركزي المصري الضوء الأخضر لبنك الإمارات دبي الوطني لبدء الفحص النافي للجهالة تمهيدًا للاستحواذ على بنك القاهرة، اتجهت الأنظار إلى سلسلة الاستحواذات الإماراتية في السوق المصرفي المصري.
تاريخ الاستحواذات الإماراتية في القطاع المصرفي المصري
بدأت الإمارات تعزيز وجودها في القطاع المصرفي المصري منذ سنوات، حيث استحوذ بنك أبو ظبي الأول على بنك عودة مصر في عام 2021، وهي صفقة قُدرت أصولها بنحو 83 مليار جنيه، وبعد الدمج ارتفعت الأصول إلى 166 مليار جنيه بحلول 2022، ما جعل البنك يحتل المركز الرابع بين بنوك القطاع الخاص في السوق المصري.
وفي خطوة تكميلية، أسس بنك أبو ظبي الأول شركة متخصصة في التمويل الاستهلاكي، مما يعكس توجهه نحو التوسع في قطاع الخدمات المالية داخل مصر.
كما كان البنك قد أبدى اهتمامه في وقت سابق بالاستحواذ على المجموعة المالية إي إف جي هيرمس، إلا أن الصفقة لم تكتمل.
من أبرز الصفقات أيضًا استحواذ شركة أبو ظبي القابضة على 18٪ من البنك التجاري الدولي (CIB) في صفقة بلغت قيمتها نحو 911 مليون دولار، ما عزز الحضور الإماراتي في السوق المصرفي المصري.
أما بنك الإمارات دبي الوطني، الذي يسعى حاليًا للاستحواذ على بنك القاهرة، فقد دخل السوق المصري عام 2013 بشرائه بنك BNP Paribas مقابل 500 مليون دولار.
بذلك، تمتلك الإمارات حاليًا عدة بنوك رئيسية في مصر، منها بنك الإمارات دبي الوطني، بنك أبو ظبي الأول، بنك أبو ظبي الإسلامي، بنك أبو ظبي التجاري، وبنك المشرق، الذي يخطط للتحول الرقمي الكامل.
الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية للقطاع المصرفي
يعد القطاع المصرفي أحد أهم القطاعات الاستراتيجية في أي اقتصاد، وبالنسبة لمصر، تزداد أهميته نظرًا لارتفاع الدين العام الذي بلغ أكثر من 13 تريليون جنيه، ما يمثل 90٪ من الناتج المحلي الإجمالي، منها 3.8 تريليون جنيه كدين خارجي، والباقي دين محلي.
تمثل البنوك المصرية المصدر الرئيسي الذي تستدين منه حكومة السيسي، مما يحقق أرباحًا ضخمة للبنوك نتيجة ارتفاع فوائد الدين العام.
وبحسب تقارير البنك المركزي المصري، فإن أكبر 5 بنوك مصرية حققت أرباحًا بلغت 277 مليار جنيه بنهاية سبتمبر 2024، ما يعكس اعتماد الاقتصاد المصري بشكل كبير على القطاع المصرفي.
ومع توسع ملكية البنوك الأجنبية، لا تقتصر المكاسب الإماراتية على تحقيق أرباح من السوق المصري، بل تمتد إلى امتلاك حصة من الدين العام، وهو ما يمنحها نفوذًا ماليًا واستراتيجيًا داخل الاقتصاد المصري.
الأبعاد السياسية لتوسع الاستثمارات الإماراتية
العلاقات بين مصر والإمارات شهدت مراحل من التقارب والتباعد، حيث لعبت الإمارات دورًا بارزًا في دعم السيسي خلال السنوات الماضية.
لكن في المقابل، برزت اختلافات في عدد من الملفات الإقليمية، أبرزها الملف السوداني، حيث تدعم الإمارات قوات الدعم السريع بينما تساند مصر الجيش السوداني.
إضافة إلى ذلك، توجد خلافات حول العلاقة مع إثيوبيا، حيث تستثمر الإمارات بكثافة هناك، ما يتعارض مع المصالح المصرية المتعلقة بسد النهضة.
أما في القضية الفلسطينية، فبينما تتبنى الإمارات مواقف قريبة من الاحتلال الصهيوني، ترى مصر في السياسات الصهيونية تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، خاصة فيما يتعلق بإعادة إعمار قطاع غزة.

