يشهد السوق العقاري في مصر تحديات كبرى في ظل ارتفاع الأسعار، وتراجع القدرة الشرائية، وازدياد المخاوف من حدوث فقاعة عقارية تهدد الاستقرار الاقتصادي.
 

أسباب الأزمة العقارية
   
يُرجع مطورون عقاريون الأزمة الحالية إلى التضخم الناتج عن تعويم الجنيه أمام الدولار وارتفاع أسعار الفائدة، مما أدى إلى زيادة تكلفة البناء وأسعار المواد الخام.
في المقابل، يرى محللون اقتصاديون أن كثيرًا من المطورين استغلوا مخاوف المواطنين من تراجع قيمة العملة، ورفعوا الأسعار بشكل مبالغ فيه لتحقيق أرباح خيالية، دون النظر إلى التداعيات السلبية المترتبة على تراجع الطلب وتعميق الركود العقاري.
 

المنصة العقارية الحكومية.. خطوة نحو التنظيم
   في منتصف فبراير الجاري، أطلقت الحكومة "منصة مصر العقارية" كإحدى أدواتها لتنظيم السوق.
ووفق وزير الإسكان شريف الشربيني، تهدف هذه المنصة إلى تسهيل عمليات البيع والشراء والتأجير، بالإضافة إلى توفير معلومات دقيقة وموثوقة للمستثمرين والمستهلكين.
وتشمل المنصة مجموعة واسعة من العقارات السكنية والتجارية، إلى جانب عرض الأراضي المتاحة للاستثمار.

وأشار الشربيني إلى أن هذه المبادرة مفتوحة لجميع الأطراف الفاعلة في السوق، بما في ذلك المطورين العقاريين، ووكلاء العقارات، والمؤسسات المالية، مما يخلق منظومة متكاملة لتنظيم عمليات السوق العقاري، وتعزيز جاذبية الاستثمار الأجنبي والمحلي.
 

التحذيرات الاقتصادية.. هل العقارات قاطرة التنمية؟
   رغم الترحيب بهذه الخطوة، أبدى بعض الاقتصاديين مخاوف من استمرار اعتماد الحكومة على القطاع العقاري كمحرك رئيسي للاقتصاد.
ويرى خبراء "مركز حلول للدراسات البديلة" بالجامعة الأمريكية في القاهرة أن العقارات لا يمكن أن تكون قاطرة التنمية بمفردها، مشيرين إلى أن التركيز على التوسع في المدن الجديدة والاستثمار العقاري لم يسهم بالشكل المطلوب في نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات الماضية.

وأوضحت دراسة اقتصادية حديثة أن تصدير العقارات لا يوفر تدفقات رأسمالية مستدامة، حيث يقتصر دور العقارات على كونها مخزنًا للثروة في أوقات التضخم والأزمات المالية، دون أن تضيف قيمة اقتصادية ملموسة.
كما أن سوق العقارات المصرية تعاني من غياب الشفافية، وصعوبات تتعلق بإجراءات التوثيق والتسجيل، مما يعيق جذب مستثمرين أجانب.
 

المشكلات الهيكلية في السوق العقاري المصري
   أشارت الدراسة إلى أن الحكومة توسعت في إنشاء 49 منطقة حضرية جديدة، بمساحة 2.2 مليون فدان، تتسع لنحو 27 مليون نسمة، إلا أن عدد السكان الفعليين بها لم يتجاوز 1.7 مليون نسمة حتى عام 2023.
هذا الفراغ السكني يعكس اختلالًا في التخطيط، حيث يتم ضخ استثمارات ضخمة في مشروعات لا تلقى إقبالًا كبيرًا بسبب ارتفاع الأسعار وضعف القدرة الشرائية.

كما يعاني السوق العقاري من ضعف جودة البناء، وارتفاع التكاليف، وتعقيدات إدارية تتعلق بإصدار التراخيص وتسجيل العقارات.
إضافة إلى ذلك، يفضل المطورون العقاريون بيع الوحدات أثناء مرحلة الإنشاء، مما يجعل المشترين هم الممولين الفعليين للمشروعات، في ظل تراجع تمويل البنوك للقطاع العقاري بسبب أسعار الفائدة المرتفعة التي تصل إلى 32% على القروض قصيرة الأجل.
 

آراء المطورين العقاريين.. الفرص والتحديات
   في المقابل، يرى المطورون العقاريون أن "منصة مصر العقارية" تمثل فرصة لتنظيم السوق وزيادة الشفافية، حيث سيتم إدراج جميع المطورين تحت نظام رسمي يكشف سجل كل شركة، ويحدد ملاءتها المالية، ويتيح للمشترين الاطلاع على جميع التفاصيل المتعلقة بالمشروعات.
وأوضح هاني العسال، نائب رئيس غرفة المطورين العقاريين، أن هذه المنصة ستقلل من الاعتماد على "السماسرة"، وتسمح للمشترين بالتعامل مع المطورين مباشرة وفقًا لمعايير قانونية واضحة.

أما فتح الله فوزي، رئيس لجنة التطوير العقاري في جمعية رجال الأعمال، فأكد أن نجاح المنصة يتوقف على مدى قدرتها على توفير قاعدة بيانات شاملة حول تراخيص البناء، وإجراءات التوثيق، ومستويات الأسعار الحقيقية في السوق، وهو ما سيسهم في كبح المضاربات غير المشروعة، ويجعل القطاع أكثر جذبًا للاستثمارات الخارجية.