تواجه مدينة دمياط، المعروفة بـ"قلعة الموبيليا" في مصر، تحديات غير مسبوقة تهدد مستقبلها كأكبر منطقة متخصصة في صناعة الأثاث في الشرق الأوسط.
إذ تشهد المدينة غزوًا مكثفًا للأثاث الصيني، الذي يجتاح الأسواق المحلية بأسعار منخفضة وجودة متوسطة، ما يضع الصناع المحليين في مواجهة منافسة شديدة قد تؤدي إلى تراجع الصناعة التقليدية التي اشتهرت بها دمياط لعقود.
 

الأثاث الصيني.. غزو اقتصادي واستراتيجي
   انتشرت منتجات الأثاث الصينية في مصر عبر تحالفات بين موزعين محليين وشركاء صينيين، حيث يجري استيراد منتجات جاهزة بأسعار زهيدة، ثم تجميعها في مراكز فنية بمناطق مختلفة قبل ترويجها على نطاق واسع.
يعتمد هذا الغزو الاقتصادي على التكنولوجيا الحديثة، والماكينات المتقدمة، وخامات منخفضة التكلفة، ما يجعل المنتجات الصينية جاذبة للمستهلكين الذين يبحثون عن أسعار معقولة، بغض النظر عن مستوى الجودة.

يؤكد علاء نصر الدين، عضو مجلس إدارة غرفة صناعة الأخشاب، أن الأثاث الصيني أصبح العقبة الأكبر أمام تطور الصناعة المحلية، مشيرًا إلى أن المنتجات الصينية تعتمد على التصنيع الكثيف، مما يقلل من تكلفة التشغيل والإنتاج.
وبهذا أصبحت المنافسة غير عادلة، حيث يصعب على الصناع المحليين مجاراة هذا التدفق الكبير للمنتجات الصينية.
 

تحديات الصناعة المحلية في دمياط
يواجه قطاع صناعة الأثاث في دمياط تحديات كبيرة تفاقمت مع انتشار الأثاث الصيني. من أبرز هذه التحديات:

  • ارتفاع أسعار المواد الخام: مما يزيد من تكاليف الإنتاج.
  • زيادة أجور العمالة: مما يؤثر على قدرة المصانع الصغيرة على الاستمرار.
  • تراجع الطلب المحلي: بسبب الركود الاقتصادي وانخفاض القدرة الشرائية للمستهلكين.
  • ضعف استراتيجيات التسويق: التي يغلب عليها العشوائية.
  • عدم مواكبة التطور التكنولوجي: حيث لا تزال بعض الورش تعتمد على الأساليب التقليدية في التصنيع.
     

مطالب بإنقاذ الصناعة المحلية
في محاولة لإنقاذ صناعة الأثاث المحلية، طالب نصر الدين الحكومة بتوفير دعم تكنولوجي للمنتجين المحليين، من خلال:

  • توفير ماكينات حديثة مثل ماكينات الليزر بأسعار معقولة.
  • تأسيس شركات متخصصة لدراسة الأسواق الخارجية لفتح آفاق جديدة للتصدير.
  • تعديل معايير الاستفادة من مبادرة البنك المركزي لتمويل المشروعات الصناعية، بما يتناسب مع إمكانيات المصانع الصغيرة.

كما شدد على ضرورة منح صغار الحرفيين نسبة من أسهم هذه الشركات لضمان مشاركتهم في اتخاذ القرارات المرتبطة بأعمالهم، مما يعزز من قدرتهم على المنافسة.
 

هجرة الحرفيين وتغير المشهد الصناعي
تعاني مدينة دمياط من هجرة الحرفيين بسبب القيود الحكومية على تشغيل الورش في المناطق السكنية.
فعلى الرغم من بناء مدينة صناعية جديدة في دمياط الجديدة، إلا أن عدم دراسة احتياجات الحرفيين بشكل كافٍ وفرض الضرائب الباهظة والقيود البيروقراطية، دفع العديد منهم للهجرة أو تقليص أنشطتهم.
 

شراكات مع المستثمرين الصينيين وتأثيرها على الجودة
   لجأ بعض المصنعين في دمياط إلى الشراكة مع ممولين صينيين لتوسيع أعمالهم، مستفيدين من إدخال الماكينات الحديثة في عمليات الإنتاج.
إلا أن هذه الشراكة أدت إلى تراجع الجودة وعدد العمالة الماهرة التي اشتهرت بها دمياط، خاصة في تصنيع الأثاث على الطرازين الأوروبي والإسلامي.
 

الأثاث الصيني.. من دمياط إلى الأسواق العالمية
   كشف أحد كبار الموزعين أن المنتجات الخشبية غير تامة الصنع تُجمّع لصالح شركات صينية، ليتم طلاؤها وتشطيبها في مدن جنوب غرب الصين، ثم تُصدّر إلى الخليج وغرب أفريقيا على أنها منتجات صينية.
ويبرر الموزع مشاركته في هذه الصفقات بالطلب المتزايد والدفع الفوري من الشركات الصينية، بالإضافة إلى قدراتها التسويقية الهائلة.
 

ارتفاع الأسعار وتداعياته على السوق المحلي
   تشير الإحصائيات إلى ارتفاع أسعار الأثاث والتجهيزات المنزلية بنسبة 21.5% في يناير الماضي، مقارنة بالعام السابق، ما زاد من معاناة المستهلكين ودفعهم للبحث عن المنتجات الأرخص، الأمر الذي يصب في مصلحة المنتجات الصينية.