تشهد مصر تحولًا ديموغرافيًا ملحوظًا، أثار جدلًا واسعًا بين الخبراء والمسؤولين، حول ما إذا كان الانخفاض الحاد في معدلات الإنجاب إنجازًا حكوميًا أو انعكاسًا للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية.
فوفقًا لما أعلنه رئيس حكومة السيسي، مصطفى مدبولي، فإن عدد المواليد في عام 2024 انخفض إلى 1.968 مليون مولود، مقارنة بـ2.045 مليون في 2023، أي بتراجع قدره 77 ألف مولود بنسبة 3.8%، وهو أدنى معدل شهدته البلاد منذ عام 2007.
بين الإنجاز الحكومي والواقع الاجتماعي
يرى المسؤولون أن هذا التراجع نتيجة للاستراتيجيات السكانية الناجحة التي تبنتها الحكومة للحد من النمو السكاني المتسارع، إلا أن خبراء السكان يشيرون إلى أسباب أخرى أكثر تعقيدًا، أبرزها:
- التدهور الاقتصادي: ارتفاع تكلفة المعيشة وتراجع القدرة الشرائية جعل الأسر تعيد النظر في عدد الأطفال الذين يمكنها إعالتهم.
- ارتفاع معدلات تعليم الفتيات: أدى إلى تأخير سن الزواج وزيادة الوعي بأهمية تنظيم الأسرة.
- تغير المفاهيم الاجتماعية: بات الزواج المتأخر والاعتماد على الأسرة الصغيرة خيارًا مفضلًا للكثيرين.
- عزوف الشباب عن الزواج: بسبب ارتفاع التكاليف وعدم الاستقرار الوظيفي.
تراجع الولادات وتأثيره على المجتمع
بحسب بيانات وزارة الصحة والسكان، فإن معدل الإنجاب الكلي تراجع إلى 2.41 مولود لكل سيدة في 2024، مقارنة بـ2.54 في 2023، مما يعكس تحولًا نحو التخطيط الأسري الواعي.
كما أن انخفاض عقود الزواج بمقدار 65 ألف حالة خلال السنوات الماضية ساهم في تقليل عدد المواليد، بينما ارتفعت معدلات الطلاق بنسبة 14.7% وفقًا لإحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
مصر أمام تغير ديموغرافي حاد
يتوقع الخبراء أن استمرار هذا الاتجاه قد يؤدي إلى انكماش سكاني بحلول عام 2040، وهو ما ظهر مبكرًا في تراجع أعداد الطلاب في المدارس.
فقد انخفض عدد طلاب المرحلة الابتدائية إلى 13.37 مليون طالب عام 2024 مقارنة بـ13.63 مليون في 2023، وهو مؤشر على أن مصر قد لا تحتاج إلى بناء المزيد من الفصول الدراسية مستقبلاً.
كما أن انخفاض معدلات الوفيات وارتفاع نسبة كبار السن إلى 10% من إجمالي السكان، مقابل تراجع نسبة الأطفال (0-14 عامًا) إلى 33% بعد أن كانت 43% قبل 65 عامًا.
بين السياسات الحكومية والأزمة المجتمعية
رغم جهود الحكومة في إدراج قضية الإنجاب ضمن المناهج التعليمية، وتكثيف حملات التوعية عبر مبادرة "حياة كريمة"، يرى البعض أن القرارات العقابية مثل حرمان الطفل الثالث من الدعم التمويني، لم تؤثر فعليًا في الفئات الفقيرة، التي ما زالت تحتفظ بمعدلات إنجاب مرتفعة تصل إلى 4 أو 5 أطفال للأسرة الواحدة.
إضافة إلى ذلك، فإن ضعف حماية المرأة في سوق العمل، والتحايل على قوانين إجازات الوضع، يزيد من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي تدفع بعض النساء لتأجيل الإنجاب أو التخلي عنه تمامًا.

