في ظل الأزمات الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها مصر، تستمر الإمارات في تعزيز نفوذها الاقتصادي داخل البلاد، من خلال صفقات استثمارية ضخمة تُثير الجدل.
أحدث هذه التحركات كان إعلان شركة "إعمار" العقارية الإماراتية عن خططها لزيادة استثماراتها في مصر إلى 25 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة، بعد أن كانت 18 مليار دولار.
هذه الزيادة تأتي في سياق توسع إماراتي واضح في السوق المصرية، يُثير تساؤلات حول مستقبل الاقتصاد المصري والسيادة الوطنية.
"إعمار" وتوسعاتها في السوق المصرية
أعلن محمد العبار، مؤسس شركة "إعمار"، أن استثمارات الشركة لن تتأثر بالتوترات الجيوسياسية، مؤكدًا أن مصر بحاجة إلى مضاعفة عدد الغرف الفندقية لاستيعاب 170 مليون سائح سنويًا، وهو رقم يبدو مبالغًا فيه مقارنة بالواقع السياحي المصري.
كما كشف العبار عن تقديم "إعمار" عرضًا لحكومة السيسي لتطوير المباني الحكومية في وسط القاهرة، وهو ما يعزز السيطرة الإماراتية على مناطق استراتيجية داخل العاصمة القاهرة.
صفقة رأس الحكمة.. استثمار أم تفريط في السيادة؟
التوسع الإماراتي لا يقتصر على القطاع العقاري فقط، بل يمتد إلى صفقات استحواذ على أراضٍ شاسعة داخل مصر، كان آخرها ما يعرف بـ"صفقة رأس الحكمة"، التي نقلت ملكية منطقة ساحلية استراتيجية بالكامل إلى الإمارات.
هذه الصفقة، التي أُبرمت وسط تعتيم إعلامي، أثارت غضبًا واسعًا في الأوساط السياسية والاقتصادية، حيث يرى معارضون أنها تعكس نهجًا مستمرًا في التفريط بالأصول الوطنية لصالح قوى خارجية.
تشير التقارير إلى أن عبد الفتاح السيسي قد باع أكثر من 170 مليون متر مربع من الأراضي للإمارات خلال السنوات الأخيرة، ضمن اتفاقيات يلفها الغموض.
ورغم تبرير الحكومة لهذه الخطوات بأنها استثمارات تهدف لإنعاش الاقتصاد، إلا أن الواقع يشير إلى أن النظام يسعى إلى تأمين سيولة مالية عاجلة، حتى وإن كان ذلك على حساب مستقبل السيادة المصرية.
مشاريع "إعمار".. توسع اقتصادي أم احتلال ناعم؟
لم تكتفِ "إعمار" بمشروعاتها القائمة مثل "ميفيدا" و"أب تاون كايرو"، بل أبرمت مؤخرًا عقد شراكة مع شركة "ميدار للاستثمار والتنمية العمرانية" لتنفيذ مدينة متكاملة على مساحة 500 فدان باستثمارات تصل إلى 100 مليار جنيه مصري.
هذه المشاريع تكرس هيمنة الإمارات على قطاع العقارات في مصر، حيث تسيطر الشركات الإماراتية على عدد من أهم المناطق الاقتصادية الحيوية، من العاصمة الإدارية إلى الساحل الشمالي.
ويرى خبراء اقتصاديون أن هذا النفوذ ليس مجرد استثمار، بل استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تحويل مصر إلى تابع اقتصادي للإمارات، وهو ما قد يُضعف قدرة الدولة المصرية على التحكم في مواردها الحيوية مستقبلاً.
مشروع وسط القاهرة.. هل يُعيد تجربة "سوليدير" في لبنان؟
محمد العبار لم يخفِ طموحه في تنفيذ مشروع ضخم في وسط القاهرة على غرار "داون تاون دبي" أو مشروع "سوليدير" في لبنان.
مثل هذه المشاريع قد تبدو طموحة على الورق، لكنها في الواقع قد تعني تهجير آلاف المواطنين من أحيائهم لصالح الاستثمارات الأجنبية، كما حدث سابقًا في مشاريع مثل تطوير مثلث ماسبيرو.
التفريط في الأراضي.. استراتيجية اقتصادية أم سياسة خطرة؟
النهج الحالي للسيسي يعكس سياسة ممنهجة لبيع الأصول الوطنية لدول الخليج، لا سيما الإمارات والسعودية، مقابل دعم سياسي ومالي يساعد النظام على الاستمرار في السلطة.
بدلًا من تبني خطط تنموية طويلة الأمد، تعتمد الحكومة على بيع الأراضي والمشروعات العملاقة كحلول مؤقتة للأزمة الاقتصادية، وهو ما قد يضعف الموقف التفاوضي لمصر على المدى البعيد.

