في مشهد يعكس صراعاً بين تحقيق العدالة وحماية الحقوق الشخصية، أضحى قانون إنهاء خدمة الموظفين الذين يثبت تعاطيهم المخدرات كابوساً يطارد الآلاف من أصحاب الأمراض المزمنة في مصر، رغم النوايا الحسنة الكامنة وراء هذا التشريع، إلا أن تطبيقه دون مراعاة خصوصية الحالات المرضية أثار موجة من الغضب والاستياء.
قصص المعاناة: شهادات حية
يعبر أحد الموظفين المفصولين عن صدمته قائلاً: "كنت أعاني من آلام مزمنة في عظامي نتيجة كسر قدمي في حادث سير، ووصف لي الطبيب مسكناً قوياً، ولم أتوقع أن يتحول علاجي هذا إلى سبب لفقداني عملي." حالته ليست فريدة؛ إذ تكررت الشكاوى من موظفين واجهوا المصير نفسه بسبب أدوية موصوفة طبيًا.
علاء محمد، موظف حكومي سابق، يتحدث عن تجربته قائلاً: "فقدت عملي بسبب تحليل مخدرات موجب ناتج عن دواء لحساسية الصدر، أصبحت عاطلاً، وواجهت وصمة اجتماعية تصعب عليّ العثور على عمل جديد، هذه المعاناة دمرت حياتي وحياة أسرتي."
ناهد أحمد، معلمة سابقة، تضيف: "أعاني من صداع نصفي مزمن، وأتناول مسكنات تحتوي على مواد أثرت على نتيجة التحليل، تقدمت بتظلم، لكن لم يستمع أحد، كأنني مدانة دون حق في الدفاع عن نفسي."
إشكالية دقة التحاليل وأثرها
يثير قانون رقم 73 لسنة 2021 تساؤلات حول دقة التحاليل المستخدمة، يعتمد معظمها على تحليل العينة الأولية، التي قد تُظهر نتائج موجبة لبعض الأدوية العلاجية.
يقول الدكتور صلاح عيد، أخصائي الباطنة: "تحتوي بعض الأدوية، مثل مسكنات الألم وأدوية السعال، على مواد تؤدي إلى نتائج موجبة في التحاليل الأولية، ويجب اعتماد مراحل تحقق إضافية، مثل تحليل الدم أو الشعر، لضمان دقة النتائج."
الآثار النفسية والاجتماعية
يشير الدكتور عمرو عبد المقصود، أخصائي علم النفس، إلى أن الفصل المفاجئ يؤثر بشدة على الصحة النفسية للموظف، "يشعر المفصول بالوصمة الاجتماعية وفقدان الثقة بالنفس، هذه الأزمات قد تؤدي إلى الاكتئاب والعزلة،" ويضيف: "إذا كان الموظف العائل الوحيد، فإن الضغط النفسي والاقتصادي يزيد من تعقيد المشكلات."
مطالب برلمانية لتعديل القانون
وصل الجدل حول القانون إلى قبة البرلمان، النائب عاطف المغاوري، عضو اللجنة الدستورية والتشريعية، يوضح: "هناك مطالب برلمانية بتعديل القانون لضمان العدالة، رغم أهمية مكافحة الإدمان، إلا أن القانون بحاجة إلى آليات تحقق تضمن حقوق المرضى،" وأضاف: "يجب أن تُمنح فرصة للمتضررين لتقديم أدلة تثبت براءتهم، مع اعتماد تحاليل دقيقة."
حلول مقترحة
يقترح الصيدلي أحمد عبد العال إنشاء قاعدة بيانات وطنية للأدوية التي تؤثر على نتائج التحاليل، "يُمكن للموظفين والأطباء الرجوع إليها لتجنب اللبس، ما يقلل من وقوع ضحايا جدد."
كما دعا عبد العال إلى تدريب الكوادر المعنية على قراءة نتائج التحاليل بشكل أدق، وإعداد لجان مستقلة لمراجعة الحالات المثيرة للجدل، ويرى أن توفير خيارات علاجية وتأهيلية بدلاً من العقاب الفوري بالفصل قد يكون أكثر إنسانية.
إحصائيات وأرقام
وفق بيانات وزارة التضامن الاجتماعي، خضع أكثر من 136 ألف موظف حكومي للكشف عن المخدرات، كانت أعلى نسب الحالات الموجبة لمخدر الحشيش، يليه الترامادول والمخدرات التخليقية، لكن الوزارة لم تفصح عن عدد الحالات الناتجة عن أدوية طبية.

