في خطوة أثارت جدلًا واسعًا بين الأوساط السياسية والاقتصادية في مصر، أعلنت الحكومة عن نقل تبعية "الصندوق السيادي المصري" من وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية إلى مجلس الوزراء، تحت إشراف مباشر من الرئيس عبد الفتاح السيسي. هذه الخطوة تُعتبر جزءًا من استراتيجيات السيسي لإحكام قبضته على المؤسسات الاقتصادية الحيوية، وهي خطوة تثير مخاوف عديدة حول مستقبل الأصول الاستراتيجية للدولة ومدى استقلالية هذا الصندوق. تاريخ الصندوق السيادي ودوره تم تأسيس الصندوق السيادي المصري عام 2018 بهدف إدارة الأصول الحكومية غير المستغلة وتعظيم قيمتها، وقد أُعطي صلاحيات واسعة في التعامل مع الأصول العامة للدولة، بما في ذلك الأراضي والمباني الحكومية والشركات الكبرى. الصندوق أصبح أداة مركزية في السياسات الاقتصادية التي اتبعتها الدولة منذ تأسيسه، حيث نُقلت إليه العديد من الأصول الحيوية، من بينها مبانٍ حكومية بارزة مثل وزارة الداخلية ومجمع التحرير في القاهرة. لكنّ نقل تبعية الصندوق مؤخرًا لمجلس الوزراء، وبالأخص لرئاسة السيسي بشكل مباشر، يثير تساؤلات حول الأهداف الحقيقية وراء هذه الخطوة. في حين يُفترض أن الصندوق يعمل على تعزيز الاستثمارات وتعظيم قيمة الأصول، يخشى العديد من المراقبين أن يصبح الصندوق أداة لتحقيق مصالح سياسية أو شخصية، أو أنه قد يُستخدم في بيع الأصول العامة إلى مستثمرين أجانب بشكل سريع وغير مدروس. غياب الشفافية والمساءلة لطالما كانت قضية الشفافية محور انتقادات المعارضة المصرية لصندوق مصر السيادي. وفقًا لتقارير متعددة، يُعتبر الصندوق من "الصناديق السوداء" في إدارة الدولة المصرية، حيث لا تُنشر تفاصيل أعماله ولا نتائجه بشفافية. ويُمنح الصندوق حصانة قانونية عبر تعديلات في قانون تأسيسه تمنع الطعن على العقود التي يبرمها الصندوق إلا من طرفي التعاقد. هذه الحصانة تعمّق المخاوف المتعلقة بالفساد وسوء الإدارة، خصوصًا أن الرئيس السيسي كان يسيطر بشكل مباشر على أموال الصندوق، كما صرّح في أكثر من مناسبة. في هذا السياق، يرى مراقبون أن نقل تبعية الصندوق لمجلس الوزراء قد لا يغيّر من هذه الديناميكية، بل قد يُستخدم كستار لتبرير قرارات بيع أو إدارة الأصول العامة بعيدًا عن الرقابة الشعبية أو البرلمانية. تداعيات اقتصادية وأمنية من أبرز المخاوف التي تُثار بشأن الصندوق السيادي هي إمكانية بيع الأصول الاستراتيجية للدولة، وخصوصًا في ظل الضغوط الاقتصادية التي تواجهها البلاد. في ظل العلاقات الوثيقة التي تربط مصر بدول الخليج، وخصوصًا الإمارات والسعودية، تزداد المخاوف من أن يؤدي النقل الأخير للصندوق إلى تسهيل عمليات بيع الأصول المصرية لتلك الدول بأسعار أقل من قيمتها الحقيقية. أحد الأمثلة البارزة هو الحديث عن احتمال بيع أصول استراتيجية على غرار أراضٍ في منطقة قناة السويس، والتي تُعد أحد أهم الممرات البحرية في العالم. بيع مثل هذه الأصول قد يمثل خطرًا على الأمن القومي المصري، ويضع البلاد في موقف ضعيف في مفاوضاتها الاقتصادية والسياسية على المستوى الدولي. فيما يعاني الاقتصاد المصري من أزمة متفاقمة، قد يكون التوجه نحو بيع الأصول العامة إحدى الوسائل التي تلجأ إليها الحكومة لتغطية العجز المالي وسداد ديونها. إلا أن هذا التوجه يضع مستقبل الأصول الوطنية في خطر، حيث يمكن أن يؤدي إلى فقدان السيطرة المصرية على مواردها الحيوية. استقالة أيمن سليمان: مؤشر على الخلافات الداخلية؟ إحدى التطورات اللافتة في ملف الصندوق السيادي كانت استقالة أيمن سليمان، الرئيس التنفيذي للصندوق، في أغسطس الماضي. هذه الاستقالة فجّرت التساؤلات حول مدى وجود خلافات داخلية بشأن إدارة الصندوق والسياسات الاقتصادية المرتبطة به. سليمان كان يُعد من الشخصيات الأساسية التي عملت على إدارة الصندوق، واستقالته في هذا التوقيت الحساس قد تكون إشارة إلى وجود ضغوط أو خلافات بين قيادات الصندوق والحكومة حول السياسات المستقبلية للصندوق. تداعيات القرار على الساحة السياسية في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة المصرية لتجميل الصورة الاقتصادية عبر نقل تبعية الصندوق إلى مجلس الوزراء، يرى البعض أن هذا القرار ما هو إلا محاولة لتجنب الانتقادات الداخلية والخارجية المتعلقة بسوء إدارة الأصول العامة. المعارضة تعتبر هذا التحرك بمثابة التفاف على المطالب الشعبية بزيادة الشفافية والمساءلة، إذ أن الصندوق السيادي سيظل تحت سيطرة السلطة التنفيذية دون رقابة حقيقية من البرلمان أو المؤسسات المستقلة. على الصعيد الدولي، قد يسعى النظام المصري إلى تقديم هذه الخطوة كإشارة إلى "الإصلاح الاقتصادي" أمام صندوق النقد الدولي والدائنين الدوليين. لكن واقع الحال يشير إلى أن التغييرات قد تكون سطحية، وتهدف إلى تأجيل الضغوط الخارجية دون معالجة الجذور الحقيقية للأزمة الاقتصادية. تحالفات إقليمية واستثمارات مشبوهة نقل إدارة الصندوق السيادي لمجلس الوزراء يفتح الباب أمام مزيد من التدخلات الأجنبية في الاقتصاد المصري، خاصة من الدول التي تشترك مع السيسي في تحالفات استراتيجية مثل السعودية والإمارات. هذه الدول لها تاريخ في شراء أو الاستثمار في الأصول المصرية الاستراتيجية، ما يثير قلق المعارضين من أن هذه الخطوة ستسهل على هذه القوى الأجنبية الوصول إلى أصول مصرية حساسة بأسعار زهيدة أو بشروط غير عادلة. التاريخ الحديث يظهر أن النظام المصري قد أبرم صفقات مع دول الخليج التي تضمنت نقل أصول استراتيجية أو استثمارات كبيرة، ولكن تلك الصفقات غالبًا ما تفتقر إلى الشفافية والمشاركة العامة. هذا النمط من العلاقات الاقتصادية غير المتوازنة يزيد من اعتماد مصر على التمويل الخارجي ويضعف سيادتها الاقتصادية. تهديد الاستقرار الاجتماعي على الرغم من أن الحكومة تروج لنقل تبعية الصندوق السيادي كخطوة لزيادة الكفاءة وتحفيز الاستثمار، إلا أن المعارضة ترى أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى تفاقم الفجوة الاجتماعية والاقتصادية داخل مصر. مع زيادة بيع أو خصخصة الأصول الحكومية، قد يجد المصريون العاديون أنفسهم خارج المعادلة الاقتصادية، حيث تذهب العائدات لصالح النخبة الحاكمة والمستثمرين الأجانب. هذا التحول يمكن أن يؤدي إلى استياء شعبي واسع، خاصة في ظل تدهور الأوضاع المعيشية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة. يشعر المصريون بالغضب والإحباط من سياسات الحكومة التي تبدو وكأنها تفيد القلة على حساب الأغلبية. ختاما ؛ يمثل نقل تبعية الصندوق السيادي إلى مجلس الوزراء وإخضاعه للرئيس السيسي خطوة جديدة في إطار تعزيز السيطرة الرئاسية على موارد الدولة المصرية. بينما يمكن النظر إلى هذه الخطوة كجزء من محاولات تعزيز كفاءة إدارة الأصول، فإن المخاوف حول الشفافية والمساءلة تظل حاضرة. المعارضة تعتبر أن هذه الخطوة قد تفتح الباب أمام بيع الأصول الاستراتيجية بأسعار غير عادلة، وهو ما قد يعمق الأزمة الاقتصادية في مصر ويفاقم التوترات السياسية والاجتماعية على المدى الطويل.

