تعيش مصر في مرحلة حرجة من تاريخها الاقتصادي، حيث تتعرض حقوق الأجيال القادمة لمخاطر كبيرة نتيجة السياسات الاقتصادية الحالية التي تعتمدها حكومة الانقلاب. في سعيها للتعامل مع الأعباء المالية المتزايدة، قامت الحكومة بتقديم إغراءات للدائنين، من دول الخليج إلى دول أوروبية والصين، تتضمن التنازل عن أراضٍ وشركات في صناعات استراتيجية وشواطئ، في مقابل التخفيف من أعباء الديون أو استرداد الودائع المستحقة. إغراءات الحكومة للدائنين في خطوة مثيرة للجدل، تذللت حكومة الانقلاب للجانب السعودي عبر تقديم حلول فورية لأزمات مزمنة مع المستثمرين السعوديين، بهدف استعادة الوديعة الدولارية البالغة 5.3 مليار دولار. هذا التوجه لا يعد جديدًا، حيث تأتي هذه السياسة في إطار مساعي الحكومة المستمرة لسد العجز المالي عبر التنازل عن أصول البلاد. بعد زيارة رئيس مجلس الوزراء، مصطفى مدبولي، إلى الرياض، أكدت الحكومة السعودية أنها ستضخ استثمارات بقيمة 5 مليارات دولار، وهو ما يعكس نجاح الحكومة في تجنب سحب قيمة الوديعة، لكن السؤال يبقى: ماذا ستفعل الحكومة في المستقبل لاستدامة هذه الاستثمارات؟ التعاون مع الصين بعد عودته من السعودية، انتقل مدبولي إلى الصين، حيث أجرى مشاورات حول تحويل وديعة بقيمة 18 مليار يوان، تعادل 3.2 مليار دولار، إلى استثمارات. في هذه الحالة، تعهدت الحكومة بالتنازل عن حصتها في البرج الأيقوني بالعاصمة الإدارية وأبراج العلمين، وهو ما يشير إلى ارتفاع تكلفة الأصول الوطنية التي يتم التخلي عنها في مقابل سداد الديون. مفاوضات مع ألمانيا تسعى حكومة الانقلاب إلى بيع جزء من محطات الكهرباء التي أنشأتها شركة سيمنز الألمانية، بقيمة 14.5 مليار دولار، للقطاع الخاص، دون الحاجة إلى إعادة التفاوض حول شروط القروض التي حصلت عليها من الحكومة الألمانية. هذه الخطوة تشير إلى تنامي الاتجاه نحو الخصخصة في قطاع الطاقة، ولكن في الوقت نفسه تثير قلق المواطنين بشأن مستقبل هذه الأصول. الديون والمخاطر الاقتصادية في إطار سعي الحكومة لسداد الديون، أفاد صندوق النقد الدولي أن مدفوعات مصر ارتفعت بشكل كبير، حيث تمثل نحو 9% من الناتج المحلي الإجمالي. وهذا يعني أن نحو 51% من إجمالي الإنفاق في البلاد يتم توجيهه نحو خدمة الدين، مما يزيد من عبء الأجيال الحالية والمقبلة. تتجه الحكومة إلى تخصيص الإيرادات غير المتوقعة من بيع حقوق التنمية في مشروع رأس الحكمة لتقليل احتياجات التمويل، ولكن هل هذه التدابير كافية للتعامل مع الديون المتراكمة؟ أزمة الأجيال المقبلة وفقًا لتقرير "الموقف الخارجي للاقتصاد المصري" الصادر عن البنك المركزي، من المتوقع أن تسدد مصر آخر دفعة من الديون الخارجية المتوسطة والطويلة الأجل في النصف الثاني من عام 2071، إذا لم تحصل على قروض جديدة. وهذا يعني أن الأجيال القادمة ستجد نفسها مثقلة بأعباء الديون بسبب قرارات الحكومة الحالية. تواجه مصر استحقاقات خارجية ضخمة خلال السنوات الثلاث المقبلة، حيث يتوقع البنك المركزي سداد أكثر من 60 مليار دولار من الديون خلال الفترة من 2025 إلى 2027. هذا يعني أن الأجيال الحالية ستتحمل جزءًا من الفاتورة نتيجة القرارات السيئة التي اتخذتها الحكومة. النتائج المتوقعة في ظل هذه الظروف، يبدو أن الحكومة المصرية ليست فقط في موقف حرج، بل تعاني من أزمة استراتيجية بسبب الانهيار المتزايد في الاقتصاد الوطني. تشير البيانات إلى أن متوسط نصيب الفرد من الدين الخارجي في مصر بلغ نحو 1444 دولارًا، مما يعكس وضعًا اقتصاديًا متدهورًا. قد تؤدي القرارات الحالية إلى أزمة أجيال تعيش تحت ضغط الديون المتزايد وارتفاع أسعار السلع والخدمات. الحكومة مطالبة الآن بتحسين إدارتها المالية وتوجيه استثماراتها نحو قطاعات الإنتاج لخلق فرص عمل وتحسين مستوى المعيشة. خاتما ؛ تبدو الصورة قاتمة بالنسبة لمستقبل الاقتصاد المصري، حيث تسعى الحكومة إلى التعامل مع الأزمات المالية عبر تقديم تنازلات مقلقة للدائنين، مما يزيد من إفقار وإذلال المواطنين الحاليين ويعرض حقوق الأجيال القادمة للخطر. في الوقت الذي تتجه فيه الحكومة نحو الخصخصة وبيع الأصول الاستراتيجية، يتطلب الوضع استجابة فورية لتحسين الظروف الاقتصادية وتحقيق العدالة الاجتماعية، قبل فوات الأوان.

