تشهد مصر في السنوات الأخيرة موجة غير مسبوقة من بيع الأراضي والممتلكات العامة، تحت ذريعة جذب الاستثمارات الأجنبية ودعم الاقتصاد المتعثر. في هذا السياق، جاء الإعلان عن بيع منطقة رأس بناس الواقعة في جنوب شرق البلاد، لتسلط الضوء على استراتيجية الرئيس عبد الفتاح السيسي المستمرة في طرح الأصول الوطنية للبيع، وهي استراتيجية أثارت الكثير من الجدل والانتقادات. رأس بناس: موقع استراتيجي يباع بالمزاد منطقة رأس بناس ليست مجرد قطعة أرض عادية؛ فهي واحدة من المناطق الاستراتيجية الهامة على ساحل البحر الأحمر، حيث كانت تستخدم كقاعدة عسكرية لسنوات طويلة. تُعرف هذه المنطقة بمواردها الطبيعية، وموقعها الاستراتيجي الذي يتيح الوصول إلى الطرق البحرية الدولية. ومع ذلك، تم الإعلان مؤخرًا عن عرضها للبيع لمستثمرين أجانب، ضمن حملة تستهدف جذب رؤوس الأموال من الخارج. هذه الخطوة أثارت ردود فعل واسعة من مختلف الأطياف السياسية والاقتصادية في مصر، الذين يرون فيها تهديدًا للسيادة الوطنية وتفريطًا في الأصول الاستراتيجية للدولة. وأعرب العديد من الخبراء عن مخاوفهم من أن هذه السياسة ستؤدي إلى فقدان السيطرة على موارد البلاد ومقدراتها، خاصة إذا ما تم بيع هذه الأصول لمستثمرين أجانب قد تكون لهم مصالح متعارضة مع المصلحة الوطنية. بيع الأراضي: سياسة ممنهجة أم ضرورة اقتصادية؟ ليس بيع رأس بناس الحالة الوحيدة، بل يأتي ضمن سلسلة من الصفقات التي أبرمتها الحكومة المصرية خلال السنوات الأخيرة، شملت بيع أراضٍ وعقارات في مختلف المناطق، من العاصمة الإدارية الجديدة إلى الساحل الشمالي، وحتى الأراضي الزراعية الخصبة في دلتا النيل. وقد بررت الحكومة هذه الإجراءات بأنها ضرورية لجذب الاستثمارات وتوفير فرص عمل جديدة، ودعم الموازنة العامة التي تعاني من عجز مزمن. إلا أن هذه التبريرات لم تقنع الكثيرين، خاصة في ظل تزايد الفجوة بين الحكومة والمواطنين، الذين يشعرون أن هذه السياسات لا تستفيد منها سوى طبقة محدودة من رجال الأعمال والمستثمرين الأجانب، بينما يعاني المواطن العادي من ارتفاع الأسعار وتدهور الخدمات الأساسية. ويشير البعض إلى أن هذه السياسات تفتقر إلى الشفافية، حيث يتم إبرام الصفقات بعيدًا عن أعين الرقابة الشعبية والبرلمانية. المخاطر الاستراتيجية والأمنية لبيع الأراضي بيع الأراضي والممتلكات العامة بهذه الطريقة يثير العديد من التساؤلات حول التداعيات الاستراتيجية والأمنية لهذه السياسة. فمناطق مثل رأس بناس وسيناء ليست مجرد أراضٍ يمكن بيعها لمستثمرين بهدف تحقيق أرباح مالية، بل هي مناطق ذات أهمية استراتيجية بالغة لأمن مصر القومي. وفي هذا السياق، يحذر الخبراء من أن بيع هذه الأراضي قد يعرض البلاد لمخاطر أمنية كبيرة، خاصة في ظل التوترات الإقليمية المستمرة في منطقة البحر الأحمر، وتصاعد التنافس الدولي على النفوذ في هذه المنطقة الحيوية. إذ يمكن أن يؤدي بيع هذه الأراضي لمستثمرين أجانب إلى تقييد حرية الدولة في استخدامها لأغراض دفاعية أو استراتيجية، أو حتى إلى استخدامها كنقطة انطلاق لعمليات أجنبية تهدد الأمن القومي المصري. تأثير البيع على الاقتصاد والمجتمع من الناحية الاقتصادية، قد يبدو بيع الأراضي وسيلة سريعة لتوفير السيولة النقدية ودعم الموازنة، إلا أن هذا التأثير الإيجابي قد يكون قصير الأجل. فعلى المدى الطويل، قد يؤدي فقدان هذه الأصول إلى تراجع قدرة الدولة على تحقيق النمو المستدام، حيث ستفقد الحكومة مصادر دخل هامة من الممكن استخدامها في تطوير البنية التحتية ودعم المشروعات القومية. أما من الناحية الاجتماعية، فإن هذه السياسة قد تؤدي إلى مزيد من الاحتقان الشعبي، حيث يشعر المواطنون بأن دولتهم تفقد تدريجيا سيادتها على مقدراتها لصالح مستثمرين أجانب، وهو ما قد يؤدي إلى تفاقم حالة الإحباط وانعدام الثقة في النظام الحاكم. ردود الفعل المحلية والدولية في ظل هذه التطورات، بدأت بعض الأحزاب والشخصيات السياسية في مصر تعبر عن رفضها لهذه السياسات، داعية إلى إعادة النظر في استراتيجية بيع الأراضي والممتلكات العامة. وظهرت دعوات لمراجعة هذه القرارات في البرلمان، وإجراء تحقيقات حول طبيعة هذه الصفقات والأطراف المستفيدة منها. أما على الصعيد الدولي، فقد أثار بيع أراضٍ استراتيجية لمستثمرين أجانب اهتمام بعض الدول الكبرى التي تعتبر منطقة البحر الأحمر منطقة نفوذ تقليدية لها. ومن غير المستبعد أن تؤدي هذه السياسات إلى توترات دبلوماسية، خاصة إذا ما تبين أن هذه الاستثمارات قد تؤدي إلى تزايد نفوذ أطراف معينة في المنطقة على حساب أطراف أخرى. إلى أين تتجه مصر؟ إن بيع منطقة رأس بناس والمناطق الأخرى يعكس توجهاً واضحاً لدى الحكومة المصرية في الاعتماد على بيع الأصول العامة كوسيلة لحل الأزمات الاقتصادية. ورغم أن هذه السياسة قد توفر بعض السيولة على المدى القصير، إلا أنها قد تكون لها تداعيات خطيرة على الأمن القومي والسيادة الوطنية.
يبقى السؤال الأهم: هل ستستمر الحكومة في هذا النهج، أم ستعيد النظر في استراتيجيتها لتجنب المزيد من المخاطر والتداعيات السلبية على مصر ومستقبلها؟ وفي ظل تزايد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، يبقى على الحكومة أن تجد حلولًا أكثر استدامة تراعي مصالح الشعب وأمن البلاد على المدى البعيد.

