غادرت رئيسة وزراء بنغلادش الشيخة حسينة العاصمة دكا، على متن مروحية عسكرية تزامنا مع تظاهرات حاشدة تطالب باستقالتها

واستقالت رئيسة الحكومة البنغالية "الشيخة حسينة واجد" (76 عامًا)، من منصبها، الاثنين، وغادرت البلاد مع شقيقتها "الشيخة ريحانة"، إلى ولاية البنغال الغربي، الواقعة في غربي الهند، في الوقت الذي اقتحم آلاف المتظاهرين المقرّ رئاسة الحكومة.

الأمر استلزم مقتل 300 متظاهرا وأعمال عنف شديد في بنغلادش قبل أن تقرر رئيسة الوزراء الشيخة حسينة واجد الاستقالة، والهروب إلى الهند عبر مروحية عسكرية.
وتولت حسينة منصب رئاسة الوزراء عن حزب رابطة عوامي لفترات طويلة ولكن متقطعة، وهي ابنة مؤسس بنغلاديش وأول رئيس وزراء بنغالي الشيخ مجيب الرحمن.


وتحكم الشيخة حسينة البلاد التي يبلغ عدد سكانها حوالي 170 مليون نسمة، منذ 20 عاما، بينها 15 عاما على التوالي منذ عام 2009، وآخر ولاية فازت بها كانت في كانون الثاني / يناير 2024، وسط اتهامات واسعة بالتزوير.

من جانبه أعلن قائد الجيش البنغالي، وقر الزمان، أنّه سيتم إجراء محادثات ولقاء الرئيس "محمد شهاب الدين"، من أجل تشكيل حكومة مؤقتة، مؤكداً أنّ ممثلين عن الأحزاب السياسية الرئيسة كانوا حاضرين في المناقشات مع الجيش.
وأشار وقر الزمان إلى إنه "إذا انتهت الاحتجاجات وأعمال العنف، فلن تكون هناك حاجة لإجراءات الطوارئ"، متعهدا كلمته بإجراء تحقيق في مقتل متظاهرين في أعمال العنف في البلاد.

نظام المحاصصة
واندلعت شرارة الاحتجاجات في بنغلاديش على خلفية قرار المحكمة العليا، في الخامس حزيران/ يونيو الماضي، إعادة العمل بنظام المحاصصة الذي يخصص 56% من الوظائف الحكومية لفئات ديموغرافية معينة، بينها عائلات قدماء المحاربين الذين شاركوا في حرب الاستقلال عام 1971، التي انفصلت بموجبها البلاد عن باكستان، وتصل حصة هذه الفئة من الوظائف الحكومية إلى 30%.

ويتنافس سنويا 400 ألف خريج على 3 آلاف وظيفة حكومية، وهناك 18 مليون شاب عاطل عن العمل.

وتأسس نظام الحصص "الكوتا" لأول مرة قبل أكثر من خمسة عقود على يد رئيس الوزراء آنذاك الشيخ مجيب الرحمن، والد الشيخة حسينة الذي يُجِلُّه البنغال باعتباره قائد مسيرة استقلال البلاد، بهدف ضمان فرص العمل لقدامى المحاربين في "حرب التحرير" وأُسرهم، لكنه فقد قيمته تدريجيا مع ظهور أجيال جديدة لم تشهد الحرب.

تسبب موجة الاحتجاجات الطلابية عام 2018 عن الكوتا التي حصرت 30% من الوظائف الحكومية الجديدة في أبناء وأحفاد مَن شاركوا في حرب استقلال بنغلاديش ضد باكستان، و26% من الوظائف للفئات المهمشة في نظر النظام مثل النساء وذوي الاحتياجات الخاصة وغيرهم، تاركة أقل من نصف الوظائف ليتنافس عليها باقي المؤهلين للعمل من سكان بنغلاديش البالغ عددهم 171 مليون شخص، خاصة ظل مواجهة البلاد معدلات عالية للبطالة بين الشباب، فضلا عن ارتفاع في التضخم.
بداية التظاهرات
انطلقت الاحتجاجات الطلابية في جامعة دكا المرموقة في الأول من تموز/ يوليو 2024، ،  اعتراضا على إعادة العمل بنظام المحاصصة وانتشرت لاحقا إلى جامعات أخرى ومدن أخرى في جميع أنحاء البلاد في تجمعات شوارع يومية تضمنت إغلاق السكك الحديدية والطرق.

وفي الـ15 من تموز/ يوليو تحولت المظاهرات إلى أعمال عنف عندما هاجم أعضاء رابطة شاترا البنغلاديشية (الجناح الطلابي لحزب رابطة عوامي الحاكم) الطلاب المحتجين داخل حرم جامعة دكا، لتصاعدت الاشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين وأنصار الحكومة، حيث نشرت بنغلاديش كتيبة العمل السريع شبه العسكرية، لمواجهة الطلاب.( كتيبة فرضت عليها الولايات المتحدة عقوبات عام 2021 بسبب "ارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان)
الشيخة حسينة تخاطب الأمة
في الأربعاء الـ 17 من تموز/ يوليو ألقت رئيسة الوزراء الشيخة حسينة كلمة عبر التلفزيون الرسمي توجهت فيها إلى الأمة في مسعى منها لتهدئة المواجهات، ودانت الشيخة حسينة في خطاب تلفزيوني الأربعاء "مقتل" المتظاهرين، متعهدة بمعاقبة المسؤولين بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية.

تفاقمت أعمال العنف في الشوارع على الرغم من دعوتها، حيث حاولت الشرطة مرة أخرى تفريق التظاهرات بالرصاص المطاطي والغاز المدمع.


إضرام النار في مقر التلفزيون
 وفي الـ 18 من تموز/ يوليو أضرم الطلاب المحتجون النار في مبنى الاستقبال التابع للتلفزيون الرسمي في بنغلاديش وعشرات السيارات المتوقفة في الخارج، مع تصاعد المظاهرات ضد قوانين التوظيف في القطاع العام.
وأطلقت الشرطة الرصاص المطاطي على مئات المتظاهرين الذين أجبروا شرطة مكافحة الشغب على التراجع والاحتماء في مقر تلفزيون الرسمي في العاصمة داكا، وارتفعت حصيلة قتلى الاحتجاجات إلى 32 على الأقل مع فرض حجب "شبه كامل" على خدمة الإنترنت.

وانقطعت شبكة الإنترنت على نطاق واسع، وقال موقع "نت بلوكس" لمراقبة انقطاع خدمة الانترنت إن بنغلاديش تشهد انقطاعا "شبه كامل" للإنترنت.
ونشر رسما بيانيا على الإنترنت يظهر انخفاض الاتصال في وقت متأخر من اليوم ذاته من نحو 90% إلى نحو 10%.

وقتل 25 شخصا على الأقل كما أصيب مئات آخرون، بحسب حصيلة أعدتها وكالة الصحافة برس، استنادا إلى بيانات المستشفيات.

وقال مسؤول إن نحو ألف آخرين خضعوا للعلاج في المستشفى من إصابات جراء المواجهات، مضيفا أن العديد منهم أصيبوا بالرصاص المطاطي.

اقتحام السجون
توسعت الاحتجاجات في الـ 19 تموز/ يوليو واقتحم متظاهرون سجنا في منطقة نارسينجدي بوسط بنجلاديش وأطلقوا سراح مئات السجناء قبل أن يضرموا النار في المبنى.
وقتلت الشرطة 115 من الطلاب، وأمرت المدارس والجامعات بإغلاق أبوابها، واخترقت مجموعة تسمى نفسها "ذا ريزيستنس" (المقاومة)، المواقع الإلكترونية الرسمية للبنك المركزي ومكتب رئيس الوزراء والشرطة، وبثت رسالة موحدة تقول "أوقفوا قتل الطلاب".