هل بدأت العملية البرية من قبل الجيش الصهيوني في غزة؟ ولماذا لا تهاجم إسرائيل بعشرات الآلاف من الجنود ومئات الدبابات والمدرعات التي حشدتها منذ أكثر من ثلاثة أسابيع؟ وما أكثر ما تخشاه إسرائيل من اقتحام غزة بعملية برية كبيرة؟ وكيف صمدت كتائب القسام طوال 25 يومًا مع الفارق الضخم في التسليح والقدرات بينها وبين الجيش الصهيوني؟
أسئلة كثيرة تتردد على ألسنة الكثيرين من العامة والسياسيين وأصحاب الرأي والفكر، أجاب عنها بعض الخبراء العسكرين.
العملية البرية بدأت تتضح
قال المحلل العسكري الإسرائيلي عاموس هارئيل، إن طبيعة العملية البرية داخل غزة بدأت تتضح، مضيفًا أن الجيش بدأ تشديد قبضته في شمال القطاع من خلالها.
جاء ذلك في مقال تحليلي نشره في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، شرح فيه طبيعة العملية العسكرية داخل غزة، وفق المعطيات بما في ذلك نقاط القوة والضعف وحدود الدعم الغربي لإسرائيل في حربها ضد حركة "حماس" بشكل خاص.
والأحد، بدأ الجيش الإسرائيلي عمليات برية محدودة داخل قطاع غزة، وقال في بيان الاثنين: "تواصل قوات الجيش في الساعات الأخيرة الأعمال البرية داخل قطاع غزة".
وأضاف هارئيل: "هناك أشياء لم يعد ضباب المعركة يخفيها، إن الجيش الإسرائيلي يشدد قبضته على شمال قطاع غزة".
وتابع: "تجري العمليات بالفعل في الجزء الشمالي من مدينة غزة، وحركة القوات تذكرنا بالتوغّل البرّي أثناء حرب غزة عام 2009".
واستدرك: "لكن هناك اختلافان رئيسان بين العملية التي جرت قبل 14 عامًا والعملية الحالية".
أولًا، يقول هارئيل، "قامت حماس بتعزيز وتحسين أنظمتها الدفاعية منذ عام 2009، وخاصة شبكة الأنفاق لديها".
وثانيًا، يتابع، "حددت الحكومة هذه المرة هدفًا بعيد المدى للجيش الإسرائيلي: تدمير نظام حماس وقدراته العسكرية".
نقاط قوة وضعف
هارئيل ذكر أنه "في بداية العملية، ظل الاحتكاك العسكري منخفضًا نسبيًا، وربما كان ذلك مرتبطًا باختيار حماس عدم الدخول في مواجهات في الأماكن التي تنكشف فيها".
وأكمل: "طبيعة المناورة الإسرائيلية بدأت تتضح تدريجيًا، فوق الأرض، يتمتع الجيش الإسرائيلي بميزة كبيرة في القوة النارية والقدرة على تشغيل أجهزة المراقبة، عندما تتحرك خلايا حماس فوق الأرض فإنها تعرّض نفسها للأذى".
في المقابل، بحسب هارئيل، فإن الجانب الفلسطيني "يمكنه استغلال نقاط ضعف الجيش النظامي بالعبوات الناسفة وتفجير الأنفاق والصواريخ المضادة للدبابات".
وقال: "يمكن للقوات المناورة على الأرض في المناطق التي تحولت إلى أنقاض بسبب الغارات الجوية، أن تساعد في تحديد موقع الأنفاق الدفاعية".
ووفق هارئيل، فإن "سلاح الجو الإسرائيلي يهدف الآن، بمساعدة معلومات استخبارية دقيقة، ومن خلال العمليات البرية، إلى إحداث دمار هائل في الأنفاق وقتل المسلحين، وهذا ما يهدف إليه الجيش".
وأردف: "كما أشار الضباط الأمريكيون لنظرائهم الإسرائيليين، فإنه لا يزال من غير الواضح كيف تتماشى المناورات الحالية مع هذا الهدف والتوقعات العالية اللاحقة للجمهور الإسرائيلي".
وزاد هارئيل: "بالمناسبة، وعد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يوم الاثنين بهزيمة حماس. ومن الممكن أن نشهد اعتدالًا طفيفًا في الوعود".
مفاوضات تبادل الأسرى في الكواليس
وأشار هارئيل إلى أنه "في الكواليس، تجري مفاوضات بشأن صفقة الرهائن، وفرص التوصل إلى صفقة تؤدي إلى إطلاق سراح جميع الرهائن مقابل إطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين ليست عالية في هذه المرحلة".
ومضى قائلًا: "تعتقد حماس أن احتجاز بعض الرهائن على الأقل سيكون بمثابة رصيد لها قبل المرحلة التالية من الهجوم البري للجيش الإسرائيلي، وأن إطلاق سراح جميع الرهائن سيمكن من القيام بمناورة إسرائيلية أكثر عدوانية في القطاع".
وأضاف: "يبدو أن حماس مستعدة للتفاوض على إطلاق سراح النساء والأطفال والمسنين، لكنها تريد أن تستغرق أطول وقت ممكن للقيام بذلك من أجل تأخير استمرار العمليات البرية".
واستدرك: "في هذه الأثناء، فإنه في إسرائيل، تكثف عائلات الرهائن الضغط من أجل التوصل إلى اتفاق، وتظهر صور الإسرائيليين الذين تحتجزهم حماس في الملصقات واللوحات الإعلانية في جميع أنحاء المدن والبلدات".
عملية مفتوحة وفق "محاذير" دولية
وكشف هارئيل النقاب عن أن وزير الدفاع يوآف غالانت وكبار مسؤولي الجيش الإسرائيلي وجّهوا رسالة مفادها أن "القوات سيكون لديها وقت غير محدود للقيام بمهمتها".
وقال: "يرتكز هذا الفهم على الدعم الشعبي الواسع في إسرائيل في أعقاب فظائع 7 أكتوبر (تشرين الأول الجاري) والرسائل المشجعة التي تلقتها من الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية".
واستدرك: "مع ذلك، هناك محاذير لهذا الدعم الغربي، وهي مشروطة بالتزام إسرائيل بالقيود التي وضعها (الرئيس الأمريكي جو) بايدن: احترام القانون الدولي، والحفاظ على الممرات الإنسانية لحماية المدنيين الفلسطينيين وعدم احتلال إسرائيل للقطاع".
وزاد: "عند نقطة ما، سيتبدد صبر الغرب في ضوء الصور التي تظهر معاناة السكان المدنيين الفلسطينيين في غزة، ويبقى أن نرى من الناحية العملية ما إذا كان لدى إسرائيل أشهر أو أسابيع للعمل".
تحذير من حرب المدن
ومن جهته، حذر الخبير العسكري الأمريكي ونائب قائد العمليات الخاصة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط سابقًا، أندرو ملبورن، القوات البرية التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، من دخول قطاع غزة.
وأضاف ملبورن - في مقابلة مع المسائية عبر الجزيرة مباشر - “عند الحديث عن مواجهة برية في غزة، علينا أن نعلم أن هناك أهدافًا سياسية وأخرى عسكرية، وعلى قادة الجيش الإسرائيلي أن يعوا الفرق بين الأمرين”.
وتابع “حرب المدن من أصعب أنواع الحروب، ونحن في الجيش الأمريكي عندما واجهنا تنظيم القاعدة كان لدينا شح بالغ في المعلومات، وهذا أدى بلا شك إلى تعقيد الأمور وزيادة صعوبة الوضع العسكري”.
وأوضح “لاشك أن الهجوم الذي قامت به حماس يوم السابع من أكتوبر أظهر فشلًا استخباريًا كبيرًا لدى إسرائيل، وبالمناسبة هذا قد يحدث لأفضل الجيوش في العالم بما في ذلك الجيش الأمريكي”.
وأكد ملبورن أن القوات الإسرائيلية تعلم بأن حماس تستعد لهذه المواجهة منذ زمن طويل، كما تعرف بأن المقاومة لديها ترسانة كبيرة من الأسلحة المتطورة التي يمكنها إحداث أضرار كبيرة داخل إسرائيل.
"النار والمناورة"
وأكد الخبير العسكري، فايز الدويري، على أن ملامح العملية البرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة قد بدأت في الظهور، لافتًا إلى حصول تقدم محدود وبطيء للقوات الإسرائيلية، كما توقع نجاح المقاومة الفلسطينية في صدها وإيقافها.
وأعلنت المقاومة الفلسطينية أنها تخوض معارك عنيفة مع القوات الإسرائيلية المتوغلة شمال غزة وجنوبها، مؤكدة تدمير آليات وقتل جنود إسرائيليين.
ونقلت الجزيرة عن الدويري - في تحليل لمستجدات الحرب - أن قوات الاحتلال بدأت في التحول من عمليات الاختراق والتراجع التي كانت تقوم بها خلال الأيام الماضية، إلى عمليات “النار والمناورة” وهو المصطلح الذي أطلقه الجيش الإسرائيلي على المرحلة الجديدة من عمليته البرية، ويعززه ما يحدث على الأرض.
وأشار إلى أن التوغل الحاصل من ناحية شارع التوام الموازي لشارعي صلاح الدين والرشيد، يمكن أن يصل بالقوات الإسرائيلية لعمق مدينة غزة ويتيح له الوصول إلى مستشفى الشفاء، كما أنه يتيح لتلك القوات تجاوز مخيم الشاطئ.

حرب الأنفاق
لكنه لفت إلى أن الجيش الإسرائيلي إذا أراد السيطرة على مدينة غزة فعليه أن يقاتل في كل مبنى وطابق وغرفة حال توغله في المناطق السكنية المكتظة، مستبعدًا قدرته على ذلك إلا إذا قام بتدمير جميع المباني في المدينة، ومن ثم فهو يسعى لفصل القاطع الشمالي عن الجنوبي وهو يعمل على ذلك وقطع لأجله مسافة 4800 متر من أصل 6 آلاف متر.
وأشار إلى أن قدرته على الوصول إلى شارع الرشيد وفصل الشمال عن الجنوب أمر وارد، ولن يكون مفاجئًا، لكن البقاء والقدرة على الاستمرار أمر صعب، في ظل ما هو متوقع من إعداد كتائب القسام وباقي المقاومة من مفاجآت وعدت بها للتعامل مع القوات الإسرائيلية حتى بعد وصولها.
وأوضح الدويري أن الاجتياح الإسرائيلي الحاصل اليوم يتم بعدد آليات بين 97 و130 آلية، ويعتمد عمليات مخادعة وتضليل مختلفة، ويجري عبر عملية مختلطة، تستخدم فيها دبابات ومدرعات بأنواع مختلفة وجرافات، وإسناد جوي بصورة مكثفة يستخدم قذائف وقنابل موجهة تزيد من دائرة الخطورة على الأرض.
وأشار إلى أن نقطة التخوف الرئيسة لدى الجيش الإسرائيلي هي حرب الأنفاق، كما ستؤثر في المواجهة طريقة عمل المقاتلين، فالكفاءة الفردية والقدرة القتالية في مجموعات صغيرة هي لصالح أجنحة المقاومة الفلسطينية على حساب جيش الاحتلال الإسرائيلي.

