في مقال رأي لكاتبة العمود "نسرين مالك"، تشير صحيفة "الجارديان" إلى أنه "بغض النظر عن مدى المظالم الخاملة، فإنه لا يزال من الممكن أن تعود للحياة تحت الضغط".

 وتوضح الصحيفة قائلة إن "الربيع العربي كان بمثابة انتفاضة للمظالم التي اعتقد العديد من الرجال الأقوياء والدول العميقة أنها قد خملت إلى الأبد. ولكن حتى مع إعادة تجميع قوى الوضع الراهن وإيداع الربيع العربي في الملف التاريخي المأساوي، فإن التذمر في أماكن مثل مصر يظهر أنه بغض النظر عن مدى قوة القمع، فإن خطر الانفجار لا يزال قائمًا".

وتابعت: "قضية فلسطين قضية ثابتة. ويمكن نسيانها لسنوات، بل وحتى إغلاقها، كما حدث مع معاهدات السلام والتطبيع المتعاقبة الموقعة بين إسرائيل والدول العربية. لكن الأمر لا يتطلب الكثير لفتحها مرة أخرى". 

الأجيال التي عاشت الحروب مع إسرائيل تمضي الآن وتذهب معها التجربة المعاشة التي أثبتت أن الحرب مع إسرائيل كانت دائما قضية خاسرة. وبدلاً من ذلك، لم تعرف الأجيال الجديدة فلسطين إلا باعتبارها ظلمًا لا هوادة فيه وعليهم أن يقبلوها باعتبارها إرثًا مريرًا من أسلافهم.

ولفتت "الجارديان" إلى أن جزء كبير من هذا الاضطراب في الدول العربية - الغضب الذي من شأنه أن يزيل حكوماتهم أو يبقيها - يعود إلى رد الفعل على الرد الإسرائيلي الحتمي. 

 

شعوب عربية غاضبة وحكومات تميل للتطبيع

وبعد أسبوعين فقط، تجسد ذلك بشكل متوقع  في الدول العربية التي قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل - الموقعون على اتفاقيات أبراهام لعام 2020، ومصر والأردن. 

وأضافت "الجارديان": "اشتبكت الشرطة الأردنية مع محتجين كانوا في طريقهم لاقتحام السفارة الإسرائيلية في عمان. وفي بيروت، وقع اشتباك آخر بين المتظاهرين والشرطة، هذه المرة في السفارة الأميركية. وفي الجمعة الماضية، مثل الجمعة السابقة، احتج المصريون ضد استراتيجية إسرائيل "لإعادة توطين وتهجير" الفلسطينيين في بلادهم. وتظاهر الآلاف في المغرب وهم يهتفون: "الشعب يريد تجريم التطبيع". وأُغلق مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط وأُعيد موظفوه إلى وطنهم. بينما قامت الشرطة في البحرين بتفريق المتظاهرين الذين كانوا يسيرون نحو السفارة الإسرائيلية. ولو لم يكن السودان في خضم حربه الخاصة، لكانت اندلعت بالتأكيد احتجاجات مثل تلك التي نشأت عندما قامت الحكومة بتطبيع العلاقات مع إسرائيل في عام 2020".

ورأت "الجارديان" أن هذه ليست مجرد نوبات غضب، وليست مجرد تشنج في الذاكرة العضلية للاحتجاجات المنتظمة التي تشتعل وتهدأ في كل مرة تصبح فيها القضية الفلسطينية حية. بل هي تحولات كبيرة تهدد استقرار الأنظمة العربية نفسها. 

وأردفت الصحيفة: "هناك شيء ما في الغضب المؤيد لفلسطين يتعلق بما تمثله دولة فلسطين بأكملها؛ حيث أصبحت الاحتجاجات بمثابة حالة حداد غامرة على كل الخسائر التي يتعين على الكثيرين أن يتصالحوا معها، والتي نتجت عن الضعف وانعدام التضامن والاتفاق بين كتلة كبيرة من الدول التي اختارت تحقيق المصلحة الذاتية بدلاً من الوحدة العربية وندرة الديمقراطية في المنطقة، وما يصاحب ذلك من انعدام الكرامة وحقوق الإنسان". 

هذه المساحة المتقلصة للاحتجاج والتعبير المدني تجعل المظاهرات الفلسطينية مساحة مسموح بها لتوجيه الإحباط الوطني، الذي لن يؤدي فقط إلى صد من قوات الأمن، بل سيؤدي إلى الاعتقال والاختفاء والموت والذبح كما هو معروف في حالة "جمال خاشقجي".

لقد امتدت بالفعل الاحتجاجات من أجل فلسطين إلى تلك المنطقة المحرمة. يوم الجمعة، جاءت محاولة "عبد الفتاح السيسي"، لتوجيه الغضب لدعمه – من خلال السماح بيوم من المظاهرات المؤيدة لفلسطين – بنتائج عكسية، حيث خرج المتظاهرون من الأماكن المخصصة وشقوا طريقهم إلى ميدان التحرير. وهتفوا من أجل "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"، وهو شعار من احتجاجات عام 2011 تم التعبير عنه في نقطة محورية أيقونية كان من شأنه أن يصيب الحكومة بالقشعريرة.

 

العالم العربي يضعف بمرور الزمن

لقد تغير العالم العربي منذ الحرب الأخيرة في غزة قبل ما يقرب من عقد؛ حيث تواجه مصر أزمة اقتصادية في ظل حكومة متوترة. وكذلك الأردن. وهي كالسعودية، حيث نظام ملكي يوازن باستمرار بين طغيان السلطة المطلقة وغير الخاضعة للمساءلة وبين الاسترضاء والإعانات والرعاية والقمع الذي بني عليه هذا النمط من الحكم. 

وقطر، التي تستضيف المكتب السياسي لحماس، قوية وصاعدة بعد أن أصبحت أكبر مصدر للغاز الطبيعي في العالم في العقد الماضي، وتتنافس الآن مع الولايات المتحدة لتحل محل إمدادات روسيا إلى أوروبا. 

ولم تعد الولايات المتحدة - نقطة النفوذ الإسرائيلية في المنطقة - مؤثرة كما كانت من قبل، بل تمارس مزيجًا من السياسة المتصلبة في الشرق الأوسط مع رفع أسعار الطاقة. كما أن هناك توترات داخل وبين الدول العربية نفسها، مما يقلل من الحاجة إلى الملف الأمني ​​للولايات المتحدة في المنطقة. 

ليس من الصعب أن نرى تراجعًا عن التقارب الذي تم تحقيقه بشق الأنفس؛ فالتطبيع مع السعودية، وهو رصيد كبير للإسرائيليين لو تم تحقيقه، قد توقف مؤقتًا، وربما مات في المستقبل المنظور. وبدلاً من ذلك، تحدث ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" مع الرئيس الإيراني "إبراهيم رئيسي" في أول مكالمة هاتفية بينهما منذ استعادة العلاقات في مارس. وهذا من شأنه أن يترك إسرائيل في موقف سيئ، وهو الوضع الذي يجعل ردها في غزة ليس وحشياً فحسب بل وأيضًا أحمق.

قصف غزة وعزلها والهجوم عليها لم يثر غضب "الشارع العربي" فحسب، الذي يتم تجاهله بسهولة باعتباره مكاناً للغضب العقيم، بل أثار أيضًا غضب منظمات حقوق الإنسان العالمية في نيويورك ولندن والآن يتهمون إسرائيل بارتكاب جرائم حرب.

وختمت الصحيفة: "لن تخوض الدول العربية حربًا مع إسرائيل. لكن ليس عليهم فعل ذلك حتى يضعف موقف إسرائيل بشكل كبير، أو لينسحب الوسطاء الإقليميون - كما فعلوا عندما ألغيت قمة مع "جو بايدن" في عمان - أو حتى ليتم دفع الجهات الفاعلة غير الحكومية إلى الحرب بشكل أكبر؛ لأن المظالم الفلسطينية تعود إلى الحياة من جديد بأسوأ طريقة ممكنة ــ مع عدم وجود حل أو سلام للفلسطينيين وضعف إسرائيل الدائم واضطرابات المنطقة التي لم تهدأ منذ عام 2011".

https://www.theguardian.com/commentisfree/2023/oct/22/gaza-bombed-starved-arab-world-watching-angry