لليوم الرابع عشر على  التوالي، تعيش مدينة نابلس أكبر المدن الفلسطينية بالضفة الغربية المحتلة ومخيماتها، تحت حصار  مطبقا وعقابا جماعيا مشدد فرضه جيش الاحتلال الصهيوني، عقب مقتل أحد جنوده، الأسبوع قبل الماضي، من خلال التضييق على المواطنين الفلسطينيين وإغلاق بعض الحواجز والطرقات، ما يجعلها سجن كبير، وذلك  بهدف القضاء على المقاومة الفلسطينية التي ازداد دعمها الشعبي واحتضان الجماهير لها، فيما وصفت الأمم المتحدة، العام الجاري، بأنه الأكثر دموية بالضفة، بما فيها القدس المحتلة، منذ عام 2006.

 

وعلى الرغم  من 14 يوما عجاف غير آبه الاحتلال بمعاناة حوالي نصف مليون فلسطيني يقطنون المحافظة أو تقطيع أوصالها عن بعضها وباقي مدن الضفة، إلا أن معنويات السكان عالية، كما زاد التحدي الشعبي لإجراءات الاحتلال التي تستهدف المقاومة وحصارها ومحاولة إحباطها.

 

حصار نابلس

تواصل قوات الاحتلال، حصارها العسكري المفروض على مدينة نابلس وبلداتها، لليوم الرابع عشر توالياً فيما نفذت عمليات اعتقال في مناطق متفرقة من الضفة الغربية والقدس.

واستمرت قوات الاحتلال، بوضع  الحواجز بالكامل على مدينة نابلس، وشددت إجراءاتها على حواجز أخرى، كما تواصل إغلاق مداخل بعض البلدات والقرى بالسواتر الترابية، فيما تسمح فقط للخارجين من نابلس باجتياز بعض الحواجز، مما أعاق حركة المرور بشكل كبير.

ويؤكد السكان أنهم يقضون أكثر من 3 ساعات للخروج من المدينة أو الدخول إليها، إذ يسلكون طرقات فرعية وترابية، كما تزيد معاناتهم وهم يجتازون مشيا ساترا ترابيا ضخما وُضع بعرض الشارع الممتد لنحو 20 مترا.

ولا يقل شرق مدينة نابلس عن غربها حصارا، وكذلك الشمال والجنوب، ولم يركن الاحتلال للحواجز القديمة فحسب، بل فعَّل نقاطا عسكرية أخرى في أكثر من مكان، وأغلق وعزل أحياء عن بعضها داخل قرى المدينة، وهو ما سهَّل اقتحام المستوطنين واعتداءاتهم لها كما في قريتي حوارة جنوب المدينة وبرقة شمالها.

ويعد حصار نابلس في هذه الأيام مشهدًا متكرر عاشته المدينة المناضلة قبل 20 عاما  إبان انتفاضة الأقصى عام 2000، ولم تزل شواهده حاضرة حتى اللحظة عند مخارج المدينة ومداخلها عبر أكثر من 10 حواجز ونقاط وبوابات عسكرية. فضلا عن "سدات ترابية" (إغلاقات) نصبها الاحتلال عقب عملية فدائية نفذها مقاومون فلسطينيون وقتلوا جنديا إسرائيليا قرب مستوطنة "شافي شمرون" شمال المدينة.

 

دعوات لكسر الحصار
وعلى الرغم من قتامة المشهد إلا إجرام الاحتلال يواجه عزيمة شعبية وإصرار لكسر الحسار، حيث تصاعدت مطالب محتجين في نابلس للمجتمع الدولي والمؤسسات الدولية والحقوقية، بضرورة وضع حد لممارسات الاحتلال الإسرائيلي ضد أبناء الشعب الفلسطيني والطلبة والمؤسسات التعليمية بالتوازي مع تزايد اعتداءات المستوطنين وقوات جيش الاحتلال مع دخول حصار مدينة نابلس يومه الـ14.

وأطلقت لجنة المؤسسات والفعاليات والقوى الوطنية في محافظة نابلس دعوات لمواجهة الحصار بكل الطرق حتى ينكسر.

وحذرت من أن الاحتلال يهدف من خلال الحصار لكسرنا وإنهاء وجودنا، مؤكدة أهمية مواجهة هذا الحصار بخطوات ثابتة ومتينة كأفراد وجماعات ومؤسسات وفصائل وقوى.

 

وقفة طلابية
وخلال وقفة بجامعة النجاح الوطنية بالحرم القديم، نظمتها إدارة الجامعة بالتعاون مع نقابة العاملين ومجلس اتحاد الطلبة في الجامعة، تحت عنوان “الحق في التعليم والتنقل بلا حواجز”، ضمن مبادرة “حاصر حصارك” التي أطلقها مركز الإعلام في الجامعة لكسر الحصار الظالم عن نابلس، قال نائب رئيس الجامعة للشؤون المجتمعية رائد الدبعي، إن على المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية ضرورة تحمل مسؤولياتهم فورا تجاه ما يتعرض له الطلبة من تقييد للحرية والاعتداءات اليومية عليهم.

وأضاف: “لليوم الـ14 على التوالي يستمر حصار الاحتلال على نابلس، الذي يحاول أن يكسر من إرادة شعبنا وينتهك حقوقه الأساسية بما فيها حرية تنقل المواطنين بأرضهم والطلاب بالوصول لمؤسساتهم التعليمية، ولذلك جاءت مبادرة “حاصر حصارك” التي تشكل إصرارا ليعبر شعبنا وطلابنا والأسرة الأكاديمية عن حقهم بالتعليم وحرية الحركة، وواجبهم الوطني والاجتماعي لكسر الحصار”.

وشدد الدبعي على أن الاحتلال ومستوطنيه لن يثنونا عن حقنا بالوصول للمؤسسات التعليمية، منوها إلى أن مبادرة “حاصر حصارك” ستستمر من داخل الجامعة، وأنها ستشمل مجموعة من الأنشطة بما في ذلك بازار خيري وأنشطة تؤكد حقنا بالعلم والوصول لجامعتنا.

وجاءت الدعوة بعد حملة أطلقها تجار المدينة وطلابها تحت شعار «حاصر حصارك»، لإعادة الحيوية للمدينة عبر تفعيل التعليم الوجاهي بجامعاتها ودعوة المحافظات الأخرى لمساندتها بكل الأشكال.


مساندة شعبية للمقاومة
كما أكدت الناشطة الفلسطينية المتخصصة في علم النفس، ميس الشافعي، وهي من سكان المدينة المحاصرة، أن "ثقة الناس في المقاومة وفي "عرين الأسود" حاليا تفوق أي فترة ماضية، والإيمان بتلك المجموعة أصبح يتفوق على الإيمان بالفصائل، وهذا ما نلاحظه في الشارع، ويؤكد فشل الاحتلال في تحقيق هدفه من حصار نابلس، المتمثل بالتضييق على المقاومة وإثارة الناس ضد الشبان (المقاوم)، علما بأن هتاف الجماهير خلال تشييع تامر الكيلاني، الذي استشهد في عملية اغتيال بتفجير عبوة ناسفة في البلدة القديمة في نابلس، أمس فجرا، كان: بالروح بالدم نجود لعيون عرين الأسود".

وعن توفر المواد الغذائية وغيرها من الاحتياجات الأساسية، أوضحت أن جميعها متوفرة، و"نابلس بلدة خير، ولا ينقطع فيها الخير؛ هناك من يتبرع لتغطية كاملة لبعض الحالات الطبية، كما أنه يتم توفير وجبات غذائية للعائلات المستورة بشكل يومي".

 

عرين الأسود تشكيل جديد ينضم للمقاومة

من جانبه أوضح الخبير في الأمن القومي الفلسطيني إبراهيم حبيب، أن "تشكيلات المقاومة الجديدة (مثل عرين الأسود) أربكت كل حسابات أجهزة مخابرات الاحتلال، وبات من ينتمي لهذه التشكيلات ربما لا يكون له أي ارتباط تنظيمي، وبالتالي فإنه يصعب التكهن بمن يعمل مع هذه التشكيلات".

وأكد حبيب، أن "أجهزة الاحتلال الأمنية تخشى بشكل أساسي من انتشار هذه الظاهرة في باقي مدن الضفة، سيما أنها وضعت 4 كتائب كبرى من جيش الاحتلال في محاولة لفرض الحالة الأمنية في الضفة الغربية"، منوها إلى أن التقديرات الأمنية لدى الاحتلال تشي بأن انتشار هذه التشكيلات "سيكون له انعكاس أمني خطير على الحالة الأمنية، وبالتالي فلا بد من مواجهتها بشكل كامل وبكل السبل والوسائل".

وخلص حبيب، إلى أن "روح المقاومة باتت حالة شعبية فلسطينية قد تنفجر في أي لحظة".

و"عرين الأسود"؛ هي مجموعة فلسطينية مسلحة تقاوم الاحتلال بأسلحة خفيفة، تنشط أساسا في مدينة نابلس، استشهد عدد من عناصرها أثناء اشتباكات مع جيش الاحتلال من أبرزهم الشهيد إبراهيم النابلسي، وفي مطلع سبتمبر 2022، وظهرت تلك المجموعة لأول مرة بشكل علني، تحمل بنادق أتوماتيكية تحمل في فوهتها راية حمراء صغيرة.


الجدير بالذكر إلى أنه يقطن في نابلس نحو 425 ألف فلسطيني داخل المدينة وقراها ومخيماتها، يحاصرهم الاحتلال لليوم 14 على التوالي، من خلال إغلاق الحواجز الرئيسية والفرعية ومنع المواطنين ومركباتهم من الخروج من المدينة.