يتفنن نظام العسكر الانقلابي القمعي في التنكيل والنيل من المعتقلين باستخدام أحدث طرق التعذيب المعتمدة في السجون الصهيونية، لكسر إرادتهم وقتلهم سواء بالإهمال الطبي أو دفعهم إلى التخلص من حياتهم عبر إدخالهم في نوبات من التوتر والاكتئاب، ومؤخرًا وثقت عددًا من المنظمات الحقوقية ممارسات أمنية تعسفية وقاسية تمارس بحق محتجزي مركز الإصلاح والتأهيل في سجن بدر الجديد،أبرزها التعرض لأضواء الكشافات العالية طوال الوقت، واستمرار عمل الشفاطات مما يتسبب في شعور المعتقل ببرد شديد، في ظل حرمانه من الملابس والأغطية الكافية للتدفئة.
فيما أشار أستاذة الطب النفسي أن أخطر تلك الممارسات هي استمرار الأضاءة داخل الغرف على مدار الـ 24 ساعة، ما ينتج عنه هياج ذهني ربما يؤدي للانتحار أو للانهيار العصبي، وخصوصاً السجناء القادمين من سجن العقرب الذين لم يتعرضوا للشمس ولا للضوء لفترات طويلة ما يجعل السجناء غير قادرين على النوم.
الوضع القاتل
تتعالي شكاوى المعتقلين في مجمع بدر المفتتح حديثا من انتهاكات وتجاوزات لا تنتهي بحقهم، حيث رصدت منظمات حقوقية استمرار الشكاوى والاستغاثات التى أطلقها عدد من معتقلي سجني بدر 1 وبدر 3، واشتكى فيها المعتقلون من تعرضهم للإضاءة المباشرة والمستمرة داخل الزنازين على مدار 24 ساعة، إذ وصف المرشح السابق لرئاسة الجمهورية عبدالمنعم أبوالفتوح الوضع في سجن بدر بالوضع القاتل، إذ قال نجله أحمد وضع السجن الجديد -حسب ما نقله عن آخر زيارة لوالده- بأنه بلا تجهيزات، ومراقب بالكاميرات طوال اليوم، ويفتقد لأبسط مقومات الحياة الكريمة والرعاية الطبية، بالإضافة إلى أن الإضاءة لا تنطفيئ ليلا أو نهارا، والشفاطات أيضا تعمل بلا توقف.
وتابع نجل أبوالفتوح: والدي يعيش في زنزانة انفرادية بمرتبة (فراش) على الأرض بلا أي تجهيزات. بدون سرير ولا حتى كرسي ولا ثلاجة، ولا كانتين. فقط أكل التعيين- وجبات السجن. زنزانة مراقبة بالكاميرا 24 ساعة أبسط مقومات الحياة الكريمة لأي إنسان غير متوفرة.
كما اشتكى المعتقل الشاب أنس البلتاجي، والمحتجز فى مركز بدر 3 خلال جلسة محاكمته الأخيرة، التي جرت عبر الفيديو من شدة الإضاءة في الزنزانة، وهي ذات الشكوى التي رفعها المعتقل علاء عبد الفتاح، الذي يتأذى من نفس الأمر داخل محبسه بسجن مجمع وادى النطرون الجديد، وموخرا اشتكى المحامي والبرلماني السابق زياد العليمي المعتقل بمركز بدر 1 من نفس السياسة التي يتبعها السلطات الامنية بالسجون المصرية والذى وصل الى حد العقاب والتعذيب النفسى.
كما شارك رجل الأعمال وصاحب شركة جهينة صفوان ثابت، نفس الشكوى، حيث قالت مريم صفوان ثابت،: "في أول زيارة لبابا (أبي) بعد نقله لسجن بدر. أنا مصدومة وخائفة على حياة أبويا، أحواله النفسيه والصحية إلى تدهور! هذا كله بخلاف الحبس الانفرادي والعزلة التامة ومنعه من التريض. المروحة شغالة 24 ساعة. وبابا بردان (يشعر بالبرد) حتى بالملابس الشتوية! النور النيون مفتوح 24 ساعة، لا يعرف الليل من النهار ولا يستطيع النوم. كاميرا المراقبة تعمل 24 ساعة! شيء غير آدمي".
تحت المجهر بين الاكتئاب والانتحار
في تقرير حمل عنوان "تحت المجهر بين الاكتئاب والانتحار"رصدت الشبكة المصرية أهم المخاطر والمشكلات الصحية التي قد يتعرض لها المعتقلون بسبب الإضاءة المستمرة طوال اليوم.
وأكدت الشبكة أنه بعد استطلاع رأي اثنين من الأطباء والأخصائيين النفسيين، فإنه من المحتمل تعرض المعتقلين للإيذاء والأمراض النفسية والعصبية، وخاصة إذا ما أخذ في الاعتبار أن هناك الكثير من الضغوط النفسية والعصبية موجودة بالفعل لدى المعتقل بوجوده داخل السجن.
وأشارت الشبكة إلى تقرير سابق لصحيفة الجارديان رصد المخاطر والمشاكل الصحية الجسيمة التي يمكن أن تحدث للإنسان عند تعرضه للإضاءة المباشرة على مدار اليوم، حيث جاء في تقرير الجارديان: “في مؤتمر الضوء الدولي بجامعة ريدينج ببريطانيا والذي عقد في 1999 ، تحدث السيدة آن سيلك عن قلة الظلام والذي يسبب مشاكل طبية خطيرة لأنه يتعارض مع قدرة الجسم على تصنيع المواد الكيميائية الحيوية في الدماغ. ولتوضيح حديثها، عرضت صورة لزنزانة سجن مضاءة خلال الليل بإضاءة الأمن المحيط”.
وقالت إنها استمعت إلى بعض العلماء الذين يؤكدون ارتباط الإضاءة بالاكتئاب، والعجز، واضطرابات النوم، وسرطان الجلد”.اكتئاب وانتحار
“ووفقًا لبعض الدراسات، تتسرب أنواع معينة من الإشعاع من لمبات الفلورسنت، وقد يؤدي بعضها إلى استنفاد المواد الكيميائية في الدماغ مثل مادة السيروتونين، والميلاتونين، وهذا يمكن أن يتسبب في نوع من الاكتئاب الذي يؤدي في المواقف المتطرفة إلى الانتحار”.
وفي فقرة أخرى من التقرير، فإن “الإضاءة المستمرة قد تؤدي إلى الإصابة بأمراض الصداع وإجهاد العين، والاكتئاب، واضطرابات النوم،، ومن ثم الانتحار”.
مشكلات بالصحة العقلية
وفي تقرير آخر رصد إحدى فرق البحث إصابة قرابة 37% من نزلاء السجون في الولايات المتحدة الأمريكية بمشاكل في الصحة العقلية، مؤكدا أن تعرض النزلاء للإضاءة المباشرة سوف يزيد من حدة هذه المشاكل، التي قد تتفاقم إلى ما لا يحمد عقباه.
وطالب الشبكة وفي إطار حرصها على سلامة المعتقلين وصحتهم الجسدية والنفسية، سلطات الانقلاب بأخذ الاحتياطات اللازمة لتجنيب المعتقلين ونزلاء السجون المخاطر الجسيمة والمحتملة، التي قد تهدد حياة الآلاف منهم.
وطالبت الإقلاع عن سياسة انتهاك خصوصية المحتجزين داخل سجون مصر المختلفة، ومنحهم جميع حقوقهم التي كفلها الدستور والقانون، كما تعيد الشبكة دق ناقوس الخطر لما يجري بالسجون المصرية من ممارسات تتراوح بين الإهمال وتعمد إلحاق الأذى بالمعتقلين، وهي حالات تتطلب فتح تحقيق لمحاسبة المخطئين والمتورطين فيها.
أضرار جسمانية بالغة
وأثبتت الدراسات العلمية، أن التعرض المستمر للإضاءة الصناعية وحدها، وما قد يترتب عليها من حرمان من النوم، يتسبب في اضطرابات نفسية جسيمة مثل التوتر والقلق والاكتئاب، فضلاً عن عدم قدرة الإنسان على التركيز، مستشهدة بما يحدث في سجون دولة الاحتلال بشأن تعذيب الأسرى الفلسطينيين، عن طريق تعريضهم للإضاءة لفترات طويلة، والذي يصنف حالياً ضمن وسائل التعذيب النفسي في السجون.
ووفق تقرير نشره فريق أبحاث هولندي من المركز الطبي لجامعة لايدن، فإن التعرض المستمر للضوء أثناء النوم قد يكون له تأثيرات سلبية على الصحة، حيث عرض الباحثين مائة فأر للضوء المستمر لمدة 24 أسبوعاً، وأظهرت قياسات نشاط الدماغ عبر أقطاب كهربائية ربطت على رؤوس الفئران "وجود تغيير في أنماط الموصلات العصبية لها، بالإضافة إلى وجود تغييرات في الساعة البيولوجية".
كما جاء في التقرير أن "الدراسة أظهرت وجود علامات للالتهابات في جسم الفئران، علاوة على ضعف عام، وهرم في الجسم، وهشاشة في العظام"، مبينة أن "النوم العميق له تأثيرات على تكوين مناعة قوية للجسم، بينما تضعف قلة النوم أو تقطعه الجسم، وتساعد على ظهور علامات هرم مبكر".
دعوى قضائية لوقف الإضاءة بسجن بدر
ومن أجل وقف هذه الانتهاكات أقام لمحامي الحقوقي خالد علي، مطلع هذا الأسبوع، دعوى ضدّ رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، ووزير الداخلية محمود توفيق، ومساعده لقطاع مصلحة السجون اللواء طارق مرزوق، بالإضافة إلى مأمور سجن بدر (تأهيل 1)، على خلفية تعرّض مجموعة من السجناء السياسيين للإضاءة والتصوير على مدار 24 ساعة في اليوم.
وطالب علي في دعواه التي أقامها أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، موكلاً عن النائب السابق في البرلمان المعتقل زياد العليمي، بجعل مفاتيح التحكم في إضاءة الزنزانة المودع فيها موكله وآخرون بسجن بدر (1) من داخل الزنزانة، حتى يتمكن المحتجزون من التحكم في الإضاءة على النحو الذى يتوافقوا عليه، بدلاً من تشغيلها على مدار 24 ساعة، بما يؤثر بالسلب على صحتهم.
وطالبت الدعوى بوقف تنفيذ وإلغاء قرار المطعون ضدهم السلبي، بالامتناع عن إصدار قرار يقضي بأن يكون تشغيل الإضاءة في الزنزانة المودع فيها الطاعن من الخامسة عصراً، وإغلاقها في تمام الثانية عشرة ليلاً، حتى يتمكن النزلاء من النوم، بما ترتب على ذلك من آثار.
وأضافت الدعوى أن "العليمي ورفاقه في الحجز يعانون من تشغيل الإضاءة طوال الوقت، داخل زنزانة لا يتواجد بها أسرّة للنوم، وبها كاميرات مراقبة تعمل على مدار اليوم"، موضحة أن "الإضاءة داخل الزنزانة شديدة السطوع، وتعمل طوال الليل والنهار، ولا تغلق أبداً، وهو ما يمنع النزلاء فيها من الحصول على قدر كاف من النوم، وبالتالي التأثير على أعصابهم، والإضرار بصحتهم النفسية والبدنية".
وتابعت أن "نزلاء الزنزانة طلبوا من إدارة السجن إغلاق الإضاءة حتى يتمكنوا من النوم، وحاولوا التفاوض معها على تلك المواعيد، إلا أن الإدارة رفضت مطالبهم، على نحو يخالف المادة 56 من الدستور، والتي تنص على أن: السجن دار إصلاح وتأهيل، وتخضع السجون وأماكن الاحتجاز للإشراف القضائي، ويحظر فيها كل ما ينافي كرامة الإنسان، أو يعرّض صحته للخطر".

