اتفق المركز المصري (القاهرة لدراسات حقوق الإنسان) والمركز الأمريكي "التحرير لسياسات الشرق الأوسط" في أن مصداقية مؤتمر المناخ أو (COP 27) على المحك وأن الفشل يلاحقه مع استمرار مصر كدولة مضيفة في "امتلاء سجونها بالناشطين والصحفيين والمحامين وغيرهم من سجناء الضمير".
وجددت ورقة بحثية نشرها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان (مستقل)، تحذير الدول المشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة الـ27 للمناخ في مصر، بعدم تجاهل الانتهاكات الحقوقية بهذا البلد، محذرة من أن مصداقية المؤتمر باتت على المحك، بسبب هذه الاستضافة.
مركز القاهرة لفت إلى تحذيرات نشطاء وخبراء حقوقيون من أن سجل السلطات في مجال حقوق الإنسان من المرجح أن يقوّض مصداقية المؤتمر، عقب الإعلان عن استضافة مصر لمؤتمر المناخ، مضيفا أن "التحذيرات ثبت صحتها؛ بعدما تعمدت السلطات المصرية "انتقاء" المنظمات غير الحكومية المصرية المسموح لها بالتسجيل للمشاركة في المؤتمر، مستبعدةً المنظمات التي تنتقد الحكومة، وذلك من خلال عملية تسجيل سرية ووفق معايير اختيار غير معلنة".
ومن جانبه، حمل مركز التحرير "المجموعة المسؤولة عنها بممارسة ضغوط كبيرة على الحكومة المصرية ، وكذلك حلفائها السياسيين في البلدان ذات الدخل المرتفع، لتحسينات جذرية بوضع حقوق الإنسان".
وطالب المركز، المجتمع الدولي والدول المشاركة في المؤتمر، بالتطرق إلى المخاوف الحقوقية الملحة التي تؤثر على الأمن المناخي، وتعكس أزمة حقوق الإنسان الأوسع في مصر. واعتبر أن عدم تحمل الدول المشاركة لهذه المسؤولية، من شأنه تقويض شرعية مؤتمر المناخ، والمخاطرة باعتبار مشاركتها موافقة على سجل حقوق الإنسان سيئ السمعة للسلطات المصرية.
أشد أزمات حقوق الإنسان
وقال "مركز القاهرة" إن مصر تشهد منذ قرابة عقد كامل، وبالتحديد منذ تولي "عبدالفتاح السيسي" واحدة من أشد أزمات حقوق الإنسان في تاريخها الحديث، وأنه منذ ذلك الحين؛ تم حظر الاحتجاجات فعليًا، سواء باستخدام القوة المميتة (إذ قُتل ما لا يقل عن 817 شخصًا في غضون بضع ساعات في أغسطس 2013)، أو من خلال سلسلة من القوانين الصارمة، إضافة إلى الممارسات القمعية.
وأوضح المركز في ورقته أنه على مدى 9 سنوات مضت، "قمعت السلطات الاحتجاجات السياسية والمظاهرات السلمية المدفوعة بمشاكل اقتصادية أو اجتماعية، بما في ذلك الاعتصامات والإضرابات العمالية، من خلال الاعتقال الجماعي والسجن والإخفاء القسري والترهيب.
وأضاف أن "..ظروف احتجاز غير إنسانية، ضاعفت سياسات الحبس الاحتياطي الممتد، والحرمان من الرعاية الصحية الواجبة، وممارسات التعذيب وسوء المعاملة، من معاناة عشرات الآلاف من المحتجزين، الأمر الذي سبق وأشار له تقرير لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب بشأن أماكن الاحتجاز في مصر.
سجناء الضمير
واتفق مركز القاهرة مع مركز التحرير الأمريكي مجددا في أن "آلاف المصريين من مختلف أطياف المجتمع، بمن في ذلك أعضاء الأحزاب السياسية والمحامون ونشطاء المجتمع المدني والأكاديميون، يتعرضون للسجن والإخفاء القسري لمجرد تعبيرهم عن اختلافهم مع سياسات الحكومة".
واعتبر ىالمركز أن "أزمة حقوق الإنسان في مصر هي نتيجة مباشرة لاستراتيجية واسعة، تهدف لإسكات جميع أصوات المعارضة السلمية، ففيما تسيطر شركات تابعة للأجهزة الأمنية على معظم وسائل الإعلام، تحجب السلطات المصرية أكثر من 600 موقع إلكتروني، بينها مواقع لوكالات أنباء ومنظمات غير حكومية معنية بحقوق الإنسان، كما تُوصف مصر بأنها "أحد أكبر السجون في العالم للصحفيين".
ولفتت ورقته إلى أن استهداف السلطات لمنظمات المجتمع المدني، فقالت إن القانون المصري المنظم لعمل المنظمات غير الحكومية يمنح السلطات التنفيذية "سلطة تقديرية واسعة لتنظيم وحل منظمات المجتمع المدني وبالتالي يقوض استقلاليتها".
استهداف الجميع
وقال مركز القاهرة إن السلطات تنتهك حقوق الفاعلين في المجتمع المدني؛ بمن فيهم المتعاونون مع الأمم المتحدة، من خلال الإخفاء القسري والتعذيب والسجن، كما تستخدم السلطات المصرية القضية 173، المعروفة إعلاميًا بـ "قضية التمويل الأجنبي"، والتي تضم عشرات المنظمات والمدافعين عن حقوق الإنسان والممتدة قبل أكثر من 10 سنوات، لمعاقبة وترهيب الحقوقيين، من خلال التحفظ على أموالهم وتجميد الأصول، ومنعهم من السفر، والتلويح باتهامات ملفقة بحقهم قد تصل عقوبتها للسجن مدى الحياة.
وواصل: بعد تقليص مشاركة المجتمع المدني بشكل مباشر أثناء مؤتمر المناخ أحد الأوجه المتعددة لكيفية تقويض السلطات المصرية لشرعية المؤتمر، فبسبب عدم تسامح السلطات المصرية مع الاحتجاجات بشكل عام، والتحذيرات المتكررة من احتمالية تنظيمها على هامش المؤتمر، أعلن وزير الخارجية المصري تخصيص "مرفق خاص" يتم إعداده وتطويره ليكون موقعا للاحتجاجات بجوار مركز المؤتمرات؛ إلا أن هذا لا يتوافق مع الاستخدام المعتاد للمجال العام في التجمع السلمي خارج "المنطقة الزرقاء"، وهو الحق الذي يضمنه الدستور المصري والتزامات مصر الدولية لحقوق الإنسان، بينما تنتهكه تشريعاتها وممارساتها الصارمة.
ضد البيئة
ونبه التقرير إلى أن ممارسات السلطات ضد البيئة في البلاد، مثل عدم تحركها الفاعل لمنع تصريف مياه الصرف الصحي والصناعي في نهر النيل، علاوة على اقتلاع 390 ألف متر مربع من المساحات الخضراء في المناطق الحضرية، دون أي مشاورات مجتمعية مسبقة، في إطار ما تعتبره السلطات خططا للتطوير.
واستبعدت حكومة السيسي جزيرة الوراق، إلى جانب جزر أخرى في النيل، من قائمة المحميات الطبيعية، وتم إجلاء السكان المحليين في الوراق قسرًا من منازلهم، واعتقال بعضهم لمجرد محاولتهم التشبيك لمواجهة قرارات الحكومة، وفي بعض المواجهات مع قوات الأمن سقط بينهم قتلى، بحسب الورقة.
ولفت المركز إلى أنه "على مدار العقد الماضي، تلقت مصر دعمًا ماليًا يزيد عن 100 مليار دولار أمريكي، وتقدر المساعدات المالية من دول الخليج وحدها بقيمة 114 مليار دولار أمريكي، هذا بالإضافة إلى الدعم من الدول الغربية والمؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية. ورغم ذلك، فإن مصر على حافة أزمة اقتصادية حادة".
واعتبرت الورقة، أن استضافة مصر لمؤتمر المناخ العالمي يمثل فرصة جيدة للسلطات المصرية لتبيض سجلها المخزي في مجال حقوق الإنسان أمام المجتمع الدولي.
واعتبر المركز أن الدعوة التي أعلنها "السيسي"، في أبريل/نيسان الماضي، للحوار الوطني، تهدف جزئيًا لاحتواء السخط الداخلي المحتمل الناجم عن الوضع الاقتصادي المتردي، فضلاً عن كونها محاولة جديدة لتحسين الصورة أمام المجتمع الدولي والدول المانحة،
وأن عدم وجود أي نتائج مهمة من هذا الحوار الوطني، خاصةً فيما يتعلق بمطالب الإفراج عن جميع سجناء الرأي، هو مؤشر على غياب الإرادة السياسية لمعالجة أزمة حقوق الإنسان.
مركز التحرير
طالب "مركز التحرير الأميركي لسياسات الشرق الأوسط" -في تقرير خطير عن حالة حقوق الإنسان في مصر وتزامنها مع مؤتمر المناخ "كوب 27"- حركة المناخ الدولية، والمجموعة المسؤولة عنها بممارسة ضغوط كبيرة على الحكومة المصرية ، وكذلك حلفائها السياسيين في البلدان ذات الدخل المرتفع، لتحسينات جذرية بوضع حقوق الإنسان.
وحذر المركز من أن دول المجموعة الدولية للمناخ "تخاطر COP 27 بالفشل في تحقيق ذلك طالما تمتلئ سجون مصر بالناشطين والصحفيين والمحامين وغيرهم من سجناء الضمير".
ولفت التقرير إلى أنه "لا يزال سيطرة الحكومات الغربية على السياسة الدولية للمناخ - وتزداد الشركات - التي تعرض الإجراءات والسياسات التي قد تحول الانتباه والمسؤولية بعيدا عن بلدانها ، مع الإشارة إلى الجنوب العالمي ، وغالبا التقدم في المناخ، مستدركة أنه بسبب ذلك تعرضت جهود المجتمع الدولي في معالجة تغير المناخ، وخاصة من خلال عمليات الأمم المتحدة ، لانتقادات متزايدة لإدامة العنصرية النظامية والظلم ضد الجنوب العالمي".
ونشرت الفصائل المختلفة من حركة المناخ العالمية، ومنها المنظمات الشعبية والمنظمات غير الحكومية الدولية وممثلي القطاع الخاص، التي ستصل المشاركة في COP 27 أن لا يساهموا في غسل القمع في مصر ، فيجب الانخراط علنا في رفع انتهاكات حقوق الإنسان، والدعوة إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن سجناء الضمير.
مصداقية الحلول البيئية
وحذرت من أنه "COP 27 يخاطر بفقد كل المصداقية في إثبات التزامها برفاهية المجتمعات الضعيفة في جميع أنحاء العالم، ترتبط حقوق الإنسان والعدالة البيئية ارتباطا وثيقا ، وإذا لم تكن حركة المناخ العالمية لتعبئة الدعم لحقوق الإنسان بشكل صحيح في مصر، فستكون العواقب الأخلاقية والسمعة جذرية ، مما يهدف إلى نجاح العمل المناخي المحلي إلى العظام في الجنوب العالمي للمضي قدما.
ولفت تقرير للمركز إلى أنه مع اقتراب مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ (COP 27) بسرعة ، هناك وعي متزايد وعدم الراحة من دور مصر كمضيف ورئاسة واردة للمؤتمر".
وأضاف أن "هناك مخاوفا متزايدة من أن مصر تستخدم COP 27 لتخفيف سجلها الشهير على حقوق الإنسان إلى جانب قمعها المستمر للمواطنين".
غسيل حقوق الإنسان
وقال التقرير إنه "مع عقد مؤتمر شرم (COP 27) الشيخ في نوفمبر المقبل، هناك مخاوف متزايدة من أن أهم عملية عالمية لمعالجة تغير المناخ قد تسهم عن غير قصد في غسل سجل وظروف حقوق الإنسان في مصر.
وأوضحت أن "Greenwashing" (الغسيل الأخضر) كان مصطلحا سائدا شائعا لوصف ممارسة تعزيز الممارسات الصديقة للبيئة لتحويل الانتباه من أنشطة المنظمة غير الودية أو غير المستدامة، قد يتطور غسيل الخضراء الآن ليشمل كيانات غير شجاعة ، مثل الحكومات الوطنية ، والدفاع عن عمليات السياسة البيئية لتحويل الانتباه من سجل حقوق الإنسان.
واعتبرت أن مؤتمرات تتمثل هذا المصطلح خلال الفترة الأخيرة رغم سجلاتهم الحقوقية السيئة من أن "نظرة فاحصة على مضيفي مؤتمرات الأطراف (COPS) للاتفاقيات البيئية للأمم المتحدة حول تغير المناخ والتنوع البيولوجي يضيء على البلدان ذات السجلات السيئة في حقوق الإنسان مثل الصين ومصر وتركيا والإمارات العربية المتحدة ".

