تتميز دولة الانقلاب بأنه لا صوت فيها إلا صدى صوت خطابات المسؤول الكبير، ولا عزف منفرد بعيدا عن جوقة المطبلين وبطانة المادحين و"نوتة" المصفقين لكل خطوة يخطوها القائد الذي وعدهم بأطنان العسل ولم يجنوا سوى "العلقم".

 

قبل ساعات استيقظ المصريون على أنباء متفرقة تفيد باحتمالية اعتقال الصحفية بمجلة الإذاعة والتليفزيون صفاء الكوربيجي، لأنها تجرأت وانتقدت قائد الانقلاب وبطانته، ورفضت مسلسل الاختيار، ودعت المصريين إلى الخروج للتكبير في صلاة العيد طوال اليوم تعبيرا عن رفض السياسات التي يسير عليها قائد الانقلاب دون دراسات جدوى أو استشارة مختصين أو الاستناد على إحصاءات دقيقة وأرقام علمية موثقة.

لم يعرف عن "الكوربيجي" أنها ناشطة سياسية أو لها رأي في الأحداث العامة في مصر قبل أن يتم فصلها من عملها بمجلة "الإذاعة والتليفزيون" وانتشار فيديوهات لها على مواقع التواصل الاجتماعي تزامنت مع موجة من الفيديوهات التي كان أبطالها مصريون بسطاء ضاقت عليهم مصر بما رحبت بسبب الغلاء الفاحش الذي يسيطر على الأسواق ويتصاعد يوميا دون تدخل من قيادة الانقلاب سوى الدعوة إلى "عدم شراء ما يرتفع ثمنه"!

 

هل تأخر اعتقالها؟

ربما تأخر اعتقال "الكوربيجي" بمقاييس البطش التي تعتبر أن بقاء أي منتقد للنظام في بيته لمدة شهر غير مسموح به، وأنه من الأنسب أن يبقى بجوار الذين سبق أن عبروا عن رأيهم منذ 2011 حتى الآن سواء في تأييد الثورة على مبارك أو دعم الرئيس المنتخب الديمقراطي الوحيد أو رفض الانقلاب العسكري الذي ارتكبه العسكر في 2013 على التجربة الديمقراطية الوليدة، وحتى رفض سياسات السيسي وبطشه وفشله، من جانب قطاع كان ضمن المؤيدين والمصفقين والحالمين بغد أفضل مع قيادات العسكر بعد أن تم الانقلاب على التجربة الوليدة.

 

المثير للسخرية أن تأخر اعتقال صفاء الكوربيجي، ومعها المذيعة هالة فهمي التي لا تقل فيديوهاتها انتشارا عن "صفاء"، كان دافعا لخروج همسات بأن "الموضوع  فيه إن"، وأنه من غير المنطقي أن يعارض مصري النظام القائم الآن عبر فيديوهات تكشف الوجه والاسم والتوجهات، لدرجة أن البعض برر ذلك بأنها "مدسوسة" لتهييج الرأي العام لصالح جهات ترفض استمرار السيسي بعد قفزات الديون غير المسبوقة واستمرار الغضب الشعبي  بسبب ارتفاع الأسعار وغياب الحرية.

 

.. افتح القوس

 لم تكن "صفاء" الأولى التي تدلي برأيها ولا تمر؛ بل سبقها بأسابيع الفنان إيمان البحر دوريش الذي انتقد الموقف الرسمي من سد النهضة والتفريط في نهر النيل. وحين شعر بأنفاس البصاصين وشاهد تلصص المخبرين عبر "جرائدهم المثقوبة" المطلة  من نوافذ الإنترنت لترصد أي رأي يخالف ما استقر عليه السيسي وعصابته، صور فيديو يهدد فيه بأنه لا أحد يمتلك القدرة على اعتقاله، إلا أنه اختفى بالفعل بعد أيام من انتشار الفيديو وحتى الآن.

كما نال نفس المصير الكاتب الصحفي عبد الناصر سلامة رئيس تحرير صحيفة الأهرام الأسبق، والذي تم اعتقاله بعد انتشار واسع لمنشور كتبه على صفحته بموقع فيس بوك.

 

وسبق أن تم اعتقال أستاذي العلوم السياسية بجامعة القاهرة، حسن نافعة وحازم حسني لفترات متفاوتة بسبب آراء سياسية على "فيسبوك"، وغيرهما من الشخصيات التي قررت أن يكون رأيها مختلفا.

 

أما المحامي نبيل أبو شيخة فاعتقل بسبب "بوست" سخر فيه من مسلسل الاختيار الذي أنتجته المخابرات العامة، وتم حبسه 15 يوما على ذمة القضية رقم 93 لسنة 2022 حصر أمن دولة عليا.

 

كما لم تسلم مجموعة من "الفنانين الصعايدة" من السجن بسبب أغنية تسخر من الغلاء وارتفاع الأسعار، فتم اعتقال 3 من "ظرفاء الغلابة"، ووجهت لهم نيابة أمن الدولة تهمة نشر أخبار كاذبة لانتقادهم غلاء الأسعار في مقاطع غنائية ساخرة!