بسم الله الرحمن الرحيم
حمدا لله وصلاة وسلاما على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
وبعد..
فإنَّ شهر رجب المبارك يهلُّ علينا دائمًا فينشر في الأجواء عبقَ الذكرى العطرة، ذكرى الإسراء و المعراج، وهي إحدى النفحات التي يكرم بها الله أمةَ الإسلام، وهي الآن في مسيس الحاجة إلى أن تتعرض لها وتتدبر فيها، وتستمد منها الدروس والعبر، وتفيق من غفلتها، وتنهض من كبوتها.
وللاسراء والمعراج دروس عديدة للدعاة الى الله والعاملين في سبيله , دروس جديرة بالتأمل والتدبر حتى تتضح الرؤية وتثبت القدم ويقل السقوط والزلل , ومن أهم هذه الدروس : -
1 – إظهار حقائق هذا الدين
كانت حادثة الاسراء والمعراج – ولا شك - معجزة خارقة للعادة خالفت قوانين الطبيعة فماذا فعل رسول الله - ص – وهو الصادق الأمين المبلغ عن ربه ؟ هل اخفاها مخافة تكذيب الناس له ؟ هل تعلل بان هذا لا يتفق مع مصلحة الدعوة ؟ كلا .. . لقد رجته ام هانئ ان لا يخرج للناس لكنه اقسم على اخبار الناس بذلك .
@ قالت ام هانئ ض : ( ثم قام ليخرج ، فاخذت بطرف ردائه ، فتكشف عن بطنه كأنه قبطية مطوية ، فقلت له يا نبي الله ، لا تحدث بهذا الناس فيكذبوك ويؤذوك ، قال : والله لاحدثنهموه ) (سأخبرهم وإن كذبوني)
إنه درس للدعاة أن يبلغوا أمانة الله تعالى بكل جرأة وقوة رضي الناس أم غضبوا ،
@ رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: ((ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه واسخط عليه الناس))
فالداعية لا يجب أن يخفي حكم الله في أية قضية مهما كانت النتائج ، ومهما كانت عقول وميول الناس نحوها ، فحامل الدعوة لا يتأثر بضغط الواقع ، بل يجعل الواقع موضعا لتفكيره حتى يقوم بتغييره ،
وإذا كان أنبياء الله يتهمون بالكذب والسحر والجنون فليس غريبا أن يتهم الدعاة في واقعنا بالتطرف بالإرهاب والرجعية والتأخر
2 - درس في معية الله عز وجل لأنبيائه وأوليائه
تمثلت هذه المعية فى أمرين : -
1- في رحلة الاسراء والمعراج نفسها حيث جاءت إثر وفاة أبي طالب وخديجة ض ، وإثر ما لقيه النبي ص في الطائف من الاذى البالغ فجاء الاسراء والمعراج ... ليكون تثبيتا لقلبه وتسلية له عما قاسى، وتعويضاً عما أصابه ليعلمه الله عز وجل أنه إذا كان قد أعرض عنك أهل الأرض فقد أقبل عليك أهل السماء، ولئن كان الناس قد صدّوك فإن الله يرحب بك وإن الأنبياء يقتدون بك
2 – عندما طلبت قريش من النبي ص أن يصف لها بيت المقدس ورسول الله ص قد جاءه ليلا ولم يكن قد رآه من قبل يقول ص ((فأصابني كرب لم أصب بمثله قط))، لانه سوف يتهم بالكذب ولكن حاشا لله أن يترك أولياءه يقول ص : فجلى الله لي بيت المقدس فصرت أنظر إليه وأصفه لهم باباً بابا وموضعاً موضعا (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد) [غافر:51].
@ وفي الحديث : ( لما كان ليلة أسري بي، وأصبحت بمكة فظعت بأمري، وعرفت أن الناس مكذبي. فقعد معتزلا حزينا. قال: فمر عدو الله أبو جهل، فجاء حتى جلس إليه، فقال له – كالمستهزئ -: هل كان من شيء؟ فقال رسول الله ص: نعم. قال: ما هو؟ قال: إنه أسري بي الليلة. قال: إلى أين؟ قال: إلى بيت المقدس. قال: ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال: نعم. فلم ير أنه يكذبه مخافة أن يجحده الحديث إذا دعا قومه إليه، قال: أرأيت إن دعوت قومك تحدثهم ما حدثتني؟ فقال رسول الله ص: نعم. فقال: هيا معشر بني كعب بن لؤي! فانتفضت إليه المجالس، وجاءوا حتى جلسوا إليهما، قال: حدث قومك بما حدثتني. فقال رسول الله ص: إني أسري بي الليلة. قالوا: إلى أين؟ قال: إلى بيت المقدس. قالوا: ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال: نعم. قال: فمن بين مصفق، ومن بين واضع يده على رأسه متعجبا للكذب؛ زعم! قالوا: وهل تستطيع أن تنعت لنا المسجد – وفي القوم من قد سافر إلى ذلك البلد ورأى المسجد -؟ ! فقال رسول الله ص : فذهبت أنعت، فما زلت أنعت حتى التبس علي بعض النعت. قال: فجيء بالمسجد وأنا أنظر حتى وضع دون دار عقال – أو عقيل -، فنعته وأنا أنظر إليه – قال: وكان مع هذا نعت لم أحفظه – قال: فقال القوم: أما النعت؛ فوالله! لقد أصاب) أخرجه أحمد والنسائي والضياء المقدسي
3 - أن الهداية بيد الله، وأن من حجبها الله عنه فلن تجد له هاديًا ونصيرًا.
@ فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((لقد رأيتني في الحِجْر وقريش تسألني عن مَسْرَاي، فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها، فكربت كربة ما كربت مثله قط، فرفعه الله لي أنظر إليه، ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به)) أخرجه مسلم.
وروى( فقالوا:أخبرنا عن عيرنا . فأخبرهم بعدد جمالها وأحوالها ; وقال:تقدم يوم كذا مع طلوع الشمس يقدمها جمل أورق . فخرجوا يشتدون ذلك اليوم نحو الثنية - لمراقبة مقدم العير - فقال قائل منهم:هذه والله الشمس قد شرقت . فقال آخر:وهذه والله العير قد أقبلت يقدمها جمل أورق , كما قال محمد . . ثم لم يؤمنوا ! . . ) ومع ذلك كذّبوه وسفّهوا كلامه، بل ارتد بعض ضعاف الإيمان.
4 - عالمية الدعوة والحركة
أيها الأخوة : ومن معاني الإسراء والمعراج أن في الإسراء إشارة واضحة إلى أن الدولة الإسلامية ليس لها حدود تنتهي عندها، ولا معالم يجب ألا تتخطاها، وإنما يجب أن تكون الأرض كلها دولة للإسلام، فرسول الله ولد في مكة ودعا في مكة والطائف وأُسرى به إلى بيت المقدس، وهاجر إلى المدينة، وهاجر أصحابه الحبشة، فالأرض لله يورثها عباده المؤمنين وقد عرف محمد في رحلته هذه أن رسالته ستنساح في الأرض وتتوطن الأودية الخصبة في النيل والفرات وتنتزع هذه البقاع من مجوسية الفرس وتثليث الروم، بل وسيكون أهل هذه البقاع حملة للإسلام جيلا في أعقاب جيل.
5 - لقاء رفقاء الطريق زاد على الطريق ووقوف على أهداف الرسالة العليا وتبادل للخبرات والنصائح
@ التقى الرسول (ص) بكل الأنبياء فى المسجد الأقصى وصلى بهم إماما وكان ذلك ايذانا من الله بريادة محمد (ص) وريادة أمته .
@ لقي النبي في السماء الأولى: آدم، وفي الثانية: عيسى ويحيى، وفي الثالثة: يوسف، وفي الرابعة: إدريس، وفي الخامسة: هارون، وفي السادسة: موسى، وفي السابعة: إبراهيم عليهم صلوات الله وتسليماته.
والحكمة في اختيار هؤلاء الأنبياء ـ والله أعلم ـ أنه بمقابلة آدم عليه السلام يتذكر أنه أُخرِج من موطنه وعاد إليه، فيتسلّى بذلك إذا أخرجه قومه من موطنه. وأما عيسى ويحيى عليهما السلام فلِما لاقاه من شدة عداوة اليهود، وهذا أمر سيلقاه النبي في مدينته. وأما يوسف فلِما أصابه من ظلم إخوته له، فصبر عليهم، وقد طرد أهل مكة النبي ، وأرادوا قتله. وأما إدريس فلرِفْعة مكانه التي تَشْحَذ الهمة لنيل أعلى الدرجات عند رب السماوات. وأما هارون فلأن قومه عادوه، ثم عادوا لمحبته. وأما موسى فلشدة ما أوذي به من قومه، حتى إن نبينا قال في ذلك: ((يرحم الله أخي موسى؛ قد أوذي بأكثر من هذا فصبر)) أخرجه البخاري ومسلم.
@ وفيه ما رآه النبي ص من خشية جبريل ليكون في ذلك عبرة له ص ففي الحديث : ـ مررت بجبريل ليلة أسري بي بالملأ الأعلى، و هو كالحلس البالي من خشية الله عز و جل) أخرجه الطبراني في الأوسط
@ بركة النصح للمسلمين؛ فإنه بسبب نصح موسى لنبينا خفف الله عنه الصلاة المفروضة إلى خمس صلوات.
@ وصية خليل الله إبراهيم للمعصوم- ص - في هذه الرحلة المباركة فعندما صعد النبي- ص - إلى السماء السابقة وجد خليل الله إبراهيم ساندًا ظهره إلى البيت المعمور فقال: له يا محمد أقرأ أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنةَ طيبة التربة وأنها قيعان، وأن غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله"..
نسأل الله – سبحانه – أن ينفعنا بهذه الدروس وان يعيننا على الوفاء بحقها والتمثل بها .
أشرف نصار
مدرس لغة عربية
مصرى مقيم في جنوب أفريقيا