اعتاد القطاع الفني في مصر منذ سنوات طويلة، على اعداد مسلسلات تعرض خصيصا في شهر رمضان الكريم، كانت في بداياتها تتجه توثيق التاريخ الإسلامي، وعرض قصص الأنبياء، ثم انتقلت رويدا رويدا إلي عرض المشاكل الاجتماعية، ثم تحولت إلى مسلسلات مليئة بمشاهد تتناقض وحرمة الشهر المعظم.


ومع بداية انطلاقها هذا العام، وجد المشاهد نفسه بين أكثر من 30 مسلسل تعرض مشاهد من البذخ والترف، والشرب خمر والعري، والإثارة والعنف، وجرائم القتل والتحرش والاغتصاب؛ في سباق لجذب المشاهدين.


وقد وجه مراقبون ومتابعون الكثير من الانتقادات لهذه الأعمال التي يطلق عليها أعمال فنية، حيث قالت الإعلامية شهيرة أمين عبر "فيسبوك":  "لیه (لماذا) مسلسلات رمضان لازم یکون فیها خمرة، وستات ملط، ومخدرات؟، کانهم قاصدين یستفزونا"، وأضافت متسائلة: "هل هذه قيم الأسرة المصرية؟، ولماذا كان الغضب من بنات "التيك توك؟".


وجاء ممثل -كبير السن- وغائب منذ عامين بمشهد احتساء الخمر بعد لحظات من انطلاق مدفع الافطار، كان أكثر المشاهد انتقادا.


وتساءل الكاتب الصحفي أحمد حسن بكر، قائلا: "هل يليق بشهر رمضان، أن يبدأ مسلسل ثوانيه الأولى من حلقته الأولى بعد آذان أول مغرب في شهر رمضان المبارك؛ باحتساء كؤوس الخمر؟"، مضيفا: "لا تسموها دراما رمضان، بل دراما الخمر".


العنف والبلطجة بشكل عام والعنف ضد المرأة بشكل خاص، ومشاهد الاختطاف والاغتصاب بدت واضحة منذ اللقطات الأولى بالحلقات الأولى من مسلسلات رمضان، فيما طالت الانتقادات لغة التعبير التي وصفها البعض بـ"الرديئة"، وبجانب أسلوب "الردح" و"الابتزاز"، و"البلطجة".


متابعون انتقدوا أيضا الحالة المبهجة التي تبدو عليها مصر من خلال المسلسلات والإعلانات، واعتبروا أنه توجيه استخباراتي لرسم صورة ذهنية مشرقة وآمال زائفة للمجتمع بدون مواجهة المشاكل الحقيقية الحياتية بداخل المجتمع على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.


وكتب الناشط الدكتور هاني سليمان، عبر "فيسبوك": "معظم مسلسلات وإعلانات رمضان تجعلك تشعر أنك تعيش في مصر (الجمهورية الثانية)، المشرقة وعاصمتها الجديدة الفاخرة، وليس مصر (الجمهورية الأولى) البائسة وعاصمتها القديمة المنهارة".


وأضاف: "معظم المسلسلات والإعلانات رجالها موفورو الصحة، مفتولو العضلات، ذوو لحى جميلة مهذبة، أغنياء وشيك، ونساؤها جميلات، شعورهن هفافة ملونة، وبشرتهن بيضاء مبهرة، ويرتدين أحدث الأزياء، مما خف وزنها وقصر طولها وضاق مقاسها وغلا ثمنها".


وتابع: "ويسكن الجميع في فيلات وقصور وشقق فاخرة، ويركبون سيارات حديثة فارهة، ويشربون ويغنون ويرقصون ويلعبون ويحبون ويتخاصمون ويتعاركون أيضا بكل شياكة وأناقة وجمال وحلاوة".


وأكد أن "كل المسلسلات إنتاج الأمن والمخابرات، وكل الإعلانات من إنتاج شركات عملاقة ولا تُعرض إلا بعد موافقة الأمن والمخابرات أيضا"، واصفا إياها بأنها: "دولة الفن البوليسي الوسطي الجميل".


وأثارت حالة البذخ الشديد في إعلانات رمضان وظهور كبار الممثلين مثل العائدة بعد غياب نحو 20 عاما، شريهان، وكريم عبدالعزيز، ويسرا، ونيلي كريم، وسمير غانم، وغيرهم؛ حالة من الغضب بين المصريين.


كما عاب متابعون على الحلقات الأولى الانفتاح الشديد في الملابس بدعوى حرية التعبير الفني، في الوقت الذي لم تظهر أيا من حلقات المسلسلات الأولى أي لمحة عن حرية التعبير السياسي، وهي الحالة التي انتقدها أيضا الدكتور هاني سليمان، في تعليق على بوست الإعلامية شهيرة أمين.


وقال: "حرية التعبير يمكن أن تتحقق تماما بدون خمر ولا عري ولا إباحية ولا انحلال، سواء في رمضان أو في ذي القعدة"، مضيفا: "من الغريب أن تكون حرية التعبير الفني مكفولة، بينما حرية التعبير السياسي ممنوعة ومجرمة".


الكاتبة الصحفية مي عزام، وصفت ما يُعرض على شاشة التليفزيون في رمضان بأنه "تسليع مهين لمعنى كبير"، وكتبت عبر صفحتها بـ"فيسبوك": "رمضان ليس ألاعيب رامز المخبولة، ولا إعلان شريهان الفخم، ولا التحلق حول سفرة عامرة علي الساحل، أو أكتوبر، وكل من حولها سعداء مبتسمَون للكاميرا خاضعون لتعليمات مخرج الإعلان لإظهار السعادة الغامرة التي يعيشونها".


وأضافت أن رمضان ليس مسلسلات فرضت علينا، ولا إعلانات تدغدغ رغباتنا الدفينة، رمضان ليس الاستعراض والمظهرة.


الكاتبة والفنانة إلهام عبدالله، اعتبرت ما يعرض بالشاشات المصرية خلال شهر رمضان من دراما وإعلانات "استهداف للمجتمع وتخريب للبيت المصري من الداخل تحت مسمى حرية الفن والإبداع"، داعية لـ"احترام الشهر الكريم".


وخاطبت الممثلة المصرية صناع الدراما المصرية قائلة: "قبل أن تطلقوا ألسنتكم بمصطلح الحرية؛ عليكم أن تدركوا أن الفن رسالة ينشأ عليها أجيال متلاحقة، فيجب أن تكون سامية متجملة بالأخلاق الحميدة لا بالعري والعربدة والبلطجة الفكرية والأخلاقية".


وأكدت أن "ما تقدموه ليس حرية؛ وإنما استهداف للعادات والتقاليد ومحاولة للقضاء عليها، وعملية تدمير للمواطن المصري والعربي بخطة شيطانية وصلت إلى الحضيض الفكري والأخلاقي وطمس الأسس والمعتقدات الدينية ببلد الأزهر الشريف ومهد الأديان السماوية".