دين الإسلام دين عظيم، ولعظمته هذه كان آخر الأديان، ورسوله صلى الله عليه وسلم آخر الرسل والأنبياء ولا نبي بعده عليه الصلاة والسلام.

نعم لعظمته كان آخر الأديان، دين تكامل فيه كل شيء، كإعجاز مبهر في كتابه الذي هو آخر الكتب أيضاً، وكدين يخدّم على الإنسانية الحق، ويخدّم على الإنسانية في كل حال وأي حال، وأي مكان وزمان فلذلك كان أعظم الأديان وآخرها حجة ورحمة في الإنسان وعباد الرحمن من الإنس والجن حتى تقوم الساعة، قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) (المائدة: 13).

هذا الدين العظيم، بما أنه الأخير وما بعده رسالة ولا دين، فلا بد من أن يكون عقلًا ومنطًقا وواقعًا ونقلًا، لا بد أن يكون متكاملًا بالنسبة لمن يحمله إلى أن تقوم الساعة، وأن كتابه معجز ويحمل العلوم المبهرات التي تكشف ضآلة علوم الإنسان، التي كلما يكتشفها مع تطوره يجد القرآن سبقه فيها، وهو دين حجة على من يخالفه أيضًا إلى أن تقوم الساعة، ولا بد أن يكون مقومًا للعباد في كل مجال وتخصص تأكيدًا لعدالة الله تعالى ورحمته الذي لا يحاسب إلا بحجة جل جلاله.

نعم، دين كامل متكامل وحجة في كل مجال وتخصص؛ سياسة، اقتصاد، تربية، إعلام، أسرة عبادة، عقائد.. إلخ؛ ليجاري عقل الإنسان المتطور حسب القدرة العقلية للزمان، لأن العقل المخلوق لا يستطيع استيعاب الأمور والعلوم دفعة واحدة، وفي الوقت نفسه، يحجم عقل الإنسان حينما يضحك عليه الشيطان الرجيم ويصيب عقله بالعجب والغرور ومن ثم الانحراف عن جادة الصواب والحق، فيردعه هذا الدين بمنهجه القويم ويضعه أمام حجمه الحق كعبد مخلوق يجب عليه الخضوع للخالق والتسليم له جل جلاله.

هذه هي الإنسانية الحق، ولا يمكن أن تكون هذه الإنسانية عبارة عن "علبة سردين" لا تقبل إلا حيزها! فلذلك أرسل لها الله تعالى ديناً يختم به الأديان، دينًا متكاملًا يخدم على الإنسانية جمعاء من أجل النجاة أخرويًا إلى أن تقوم الساعة وحجة على الخلق.

هذا التكامل لا يدركه إلا الكيّس الفطن، ويعلم أن هذا المنهج المتكامل يحتاج إلى علم ومعرفة لبيانه للناس عمومًا، بل هذا واجب شرعي في دين الإسلام، نعم واجب شرعي على كل مسلم وكل بحسب قدرته الذاتية أو بالتعاون تكاملًا مع الآخرين، يقول تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران: 104)، ويقول تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة: 2)، نعم البر والتقوى بتنوعه، وقال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (فصلت: 33).

لا شك لهذه الدعوة وتكاملها أسس ومقاصد، وهذه الأسس والمقاصد، كل مقصد منها يحتاج متخصص فيها عمومًا ودقيقًا، وهذا التخصص هو روعة التكامل في الدعوة الإسلامية الكيسة الفطنة، وهذه المقاصد الخمس: "تحقيق التوحيد، إقامة الحجة على الناس، هداية الناس وإنقاذهم من العذاب أخرويًا، إعلاء كلمة الحق وإظهار الدين، حفظ الضروريات الخمس أو ما يطلق عليها مقاصد الشريعة".

نعم التكامل الدعوي أمر مهم، وهو شرف الداعية الكيس الفطن.

هناك إشكالات عند البعض لنقص فهمهم "التكامل الدعوي"، البعض لا يرى الصواب إلا فيما يعتقده هو عملًا في ميدان الدعوة، وهذا خطأ إستراتيجي في فهم الدعوة إلى الله تعالى، بل في فهم الإنسانية والإنسان وقدراته المتنوعة، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على ضعف وضمور في التحصيل التربوي والعلمي كتخصص شرعًا، وضعف التحصيل الثقافي المرادف للتخصص الذي يجعل للداعية الرؤية آنياً ومستقبلاً وتكاملًا مع الآخرين، بل وجدنا البعض منهم يتحدث بأقوال وهو لا يدرك ماذا يقول! رغم مشيخته، حينما تختلف معه في أمر فيه نظر سرعان ما يطلق عليك أنك تحرف الدين، أو تغير منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما علم أن قوله هذا يعني الكفر والتكفير للمقابل، فهذا قول لا يحتمل المجاز ولا التأويل، وآخر سرعان ما يصفك بعقل وفكر الخوارج، وكأنه لا يعلم أن الخوارج "هنيئاً لمن قتلهم وقتلوه"!

حفظ الله العلماء ورحم الدعاة الذين أجادوا علومهم واستوعبوها بالشريعة وشرعًا وعلموا أوضاع وأحوال من يريدون دعوتهم، رحمهم الله وأسكنهم فسيج جناته وحفظ الأحياء منهم، فهؤلاء فقط من تبقى دعوتهم مرعبة ومخيفة للعدو! وخالدة لأنها مستقاة من دين خالد إلى يوم القيامة وما بعدها.

تنوعت دعوتهم وتعاهدوا على هذا التكامل الرائع حيث أظهرت شمولية الإسلام وتكامله، والقرآن والسُّنة هما المسطرة لمنهجهم وللأمة، فمنهم من يؤدي العبادة الصحيحة والإيمان والمعتقد الصادق، ويسعى داعيًا لذلك ولا ينكر على غيره الداعي إلى غير ذلك من تخصص في الدين، وآخر منهم يسعى في بيان البدع والكهانة وأثرها السلبي على المسلم والأمة، وهناك من يسعى في بيان أن الثوابت لا نظر فيها والمتحركات فقط التي فيها النظر، وأن محمد صلى الله عليه وسلم كلامه لا يرد، وغيره يؤخذ منه ويرد.

وآخر يحث بوجوب أن يتعلم المسلم ليكون جديرًا بالدعوة والنظر، وأن الخلاف لا يسبب التفرقة والعداوات ما دام في المتحرك لا القطعي، ومنهم من يجتهد في ضرورة بدء العمل في المتفق عليه وتأجيل المختلف عليه أو فيه.

وآخر يسعى في بيان أن البدعة ضلالة ونقص في الدين والعقل، وآخر يسعى لتأصيل وتكريس احترام الدعاة فيما بينهم، واحترام وحب أهل الصلاح والفلاح، والعقيدة أساس العمل قلبًا وجارحةً، وأن يكون الإنسان صاحب عقل ولب حر يتصرف في الكون ومن ثم لا شك يرفع قدر أهل العلم والعلماء ويأخذ الصالح من كل شيء والحق لا يبخسه حتى لو جاء من ألد عدو "صدقك وهو الكذوب"، "وألا يكفر مسلمًا أقر بالشهادتين".

هنيئاً لدعوة ودعاة تنوعت فيها هذه الأطياف الدعوية السالفة متكاملة، فأرهبت العدو والمنافقين.

نعم، بذل هؤلاء الشوامخ كل ما يملكون من أجل بيان التكامل الدعوي إسلامياً ليسود هذا الدين العالم.

هذا هو دين الإسلام بتكامله، ولا ينبغي لمجاهد في سبيل الله أن يسطح الداعية سلمًا، إنه لا يرتقي للمجاهد والعكس، لأنهم في حقيقة الأمر جميعهم في ميدان الجهاد يعملون، فالدعوة تكامل وتنوع بتفاهم الدعاة وتخصصاتهم كما بينا ذلك أعلاه، واحترام كل مجال حسب القدرة والتخصص.

-----------------------------------------------
*بقلم سامي العنزي