مقدمة

  • جمهورية البوسنة والهرسك (بالبوسنية, الكرواتية والصربية اللاتينية: Bosna i Hercegovina; الصربية السريلية: Босна и Херцеговина) هي دولة تقع في البلقان بجنوب شرق أوروبا، إحدى جمهوريات يوغوسلافيا السابقة، تقع في جنوب أوروبا، يحدها من الشمال والغرب والجنوب كرواتيا، من الشرق صربيا ومن الجنوب الغربي جمهورية الجبل الأسود، وهي تكاد تكون دولة مقفلة لا ساحل لها على البحر فيما عدا شريط ساحلي طوله 26 كيلومترا على البحر الأدرياتيكي تقع في منتصفه مدينة نيوم الساحلية[3][4]، تقع الجبال في الوسط والجنوب، والتلال في الشمال الغربي أما شمال غرب البلاد فهي مستوية، وتعتبر البوسنة إحدى المناطق الجغرافية الضخمة التي لها مناخ قاري معتدل، حيث تكون حارة صيفا وباردة مع هطول الثلوج شتاءا، تقع مقاطعة الهرسك الصغرى إلى الجنوب من الجمهورية، وهي ذات طبيعة جغرافية ومناخ متوسطي.
  • تعتبر البوسنة موطنا لثلاث "عرقيات أساسية": البوشناق وهم أكبر المجموعات العرقية الثلاث، يليها الصرب ثم الكروات. بغض النظر عن العرقية فإن مواطني تلك الجمهورية يسمون باسم البوسنيين، والفارق ما بين البوسنيين والهرسكيين هو فارق جغرافي وليس فارقا عرقيا، ثم أن البلد ليست له مركزية سياسية، فهو يضم كيانين يحكمانه هما: اتحاد البوسنة والهرسك والجمهورية الصربية، بالإضافة إلى مقاطعة بريتشكو بوصفها كيان ثالث.
  • كانت في السابق منضوية في اتحاد يضم ست مقاطعات مكونة جمهورية يوغسلافيا الاشتراكية الاتحادية، وخلال الحرب اليوغوسلافية في التسعينات من القرن الماضي نالت البوسنة والهرسك استقلالها، ويوصف كيانها بأنه جمهورية اتحادية ديموقراطية حيث انتقل اقتصادها إلى نظام السوق الحر، وهي مرشح محتمل لدخول عضوية الاتحاد الأوروبي والناتو، علاوة على أنها عضو في المجلس الأوروبي منذ 24 أبريل 2002 وعضو مؤسس للاتحاد المتوسطي بتاريخ التأسيس في 13 يوليو 2008..(1)

 

بداية علاقة الإخوان بالبوسنة والهرسك

الرئيس البوسني السابق علي عزت بيغوفيتش
  • تفتحت في فترة شباب علي عزت بيغوفيتش الباكرة مواهبه وتعطشه للإسلام، فأسس مع بعض زملائه ناديا مدرسيا للمناقشات الدينية أطلقوا عليه "ملادي مسلماني" أي جمعية الشبان المسلمين، وكان عمره في تلك الفترة 16 عاما، ولكنه كان يمتلك طاقة فكرية كبيرة اقترنت بحيوية الشباب، لذلك تطورت الجمعية من النقاش إلى العمل، فقامت بأعمال تعليمية وخيرية، وأنشأت قسما للفتيات المسلمات، وقدمت خدمات ومساعدات أثناء الحرب العالمية الثانية للمحتاجين.
  • رغم حداثة إنشاء جمعية الشبان المسلمين التي ساهم بيجوفيتش في تكوينها فإنها كانت متفتحة على العصر وعلى دينها؛ فقد سعت إلى بناء شخصية مسلمة تستطيع أن تتعايش مع الواقع الأوربي، وتأثرت الجمعية بأفكار الطلاب البوسنويين الذين درسوا في الأزهر الشريف وتأثروا بأفكار جماعة الإخوان المسلمين، وخرجت الجمعية برؤية مفادها أن الإسلام أيدلوجية يجب أن تكون واقعا في الحياة، وليس دينا ينحصر في حدود الفرد والعبادات فقط،وبهذا الفهم نظرت الجمعية للإسلام.
  • وقد سعت الجمعية إلى انفتاح متوازن على الإسلام وحركاته التي ظهرت في تلك الفترة بالعالم الإسلامي، وتأثرت بتجربة إندونيسيا وباكستان. كما كان هناك انفتاح على الثقافة الغربية في منابعها الأصلية؛ حيث خططت الجمعية لتعلم اللغات الأوربية ليتسنى لها قراءة الأفكار بلغتها، واستطاع بيجوفيتش أن يتقن ثلاث لغات هي الألمانية والإنجليزية والفرنسية.
  • جذبت جمعية الشبان المسلمين الشباب المسلم المثقف في جامعة سراييفو، وكانوا يرون أنها تقدم لهم الإسلام بطريقة تختلف عن النموذج الذي يطرحه علماء الدين الرسميين، وفي هذه الأثناء وقعت يوغوسلافيا تحت الحكم الألماني في ربيع الآخر 1360 هـ = أبريل 1941 الذي أزال الحكم الملكي، وأخذت أفكاره النازية الفاشية تجد مكانها بين الشباب من خلال حركة "الأستاشا" النازية الموالية لهم؛ فوقفت جمعية الشبان المسلمين موقفا حازما من هذه الأفكار، ونادت بتحريم التحاق الشباب المسلم بهذه الحركة، ونتيجة لذلك رُفض الترخيص للشبان المسلمين عقابا لهم.
  • كانت فترة وصول "جوزيف تيتو" إلى السلطة سنة 1373هـ = 1953م وحزبه الشيوعي فترة عصيبة على الأديان، خاصة الإسلام ومعتنقيه نظرا لرؤيةالشيوعية لمطلق الدين، وكانت معاناة بيجوفيتش مضاعفة لكراهيته للإلحاد ومعاناته من الاضطهاد، وقد كنّ تيتو عداء مستحكما لعلي عزت ودينه، ومما يُذكر في هذا أن الرئيس عبد الناصر استفسر من رفيقه تيتو عن بيجوفيتش، فأجابه تيتو بأنه رجل أخطر من تنظيم الإخوان المسلمين في مصر؛ لأنه يطالب بأن تتولى الحركة الإسلامية السلطة في أي بلد تكون لها الأكثريه فيه.
  • أدرك بيجوفيتش شدة ضيق هامش الحرية الذي يتحرك فيه، ولكن عشقه للحرية والإسلام فرض عليه ألا يبقى ساكنا مسندا ذقنه إلى راحة يديه؛ ولذلك بدأ يتحرك؛ فوثق علاقته بالشيخ "حسين دوزو" رئيس جمعية العلماء الذي عينته الحكومة للإشراف على شئون المسلمين، وأخذ في تذويب الجليد بين المثقفين المسلمين وعلماء الدين الرسميين لإيجاد هوامش مشتركة للتعايش والعمل للإسلام بعيدا عن ضغوط الإلحاد الشيوعي، وهو ما فتح له الباب لينشر مقالات تحت اسم مستعار في مجلة "تاكفين" التي كانت تصدرها الجمعية ويقرؤها 50 ألف مسلم، وكانت مقالاته ذات عمق وتأثير في إيقاظ الوعي والهوية لمسلمي البوسنة..(2)

 

دور الإخوان الدعوى فى البوسنة والهرسك

الدكتور أحمد الملط في سراييفو وهو يرفع الآذان تحديا للصرب ومعه والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح
  • الحقيقة أنه قام الإخوان المسلمون بدور دعوى كبير جدا فى البوسنة والهرسك ، وكان الإخوانيتطوعون بالذهاب للبوسنة والهرسك، وطبعاً ليسوا دعاة متفرغين كالمنصرين بالملايين أو بمئات الآلاف، وبعض الجمعيات هنالك: كجمعية الوقف، والمنتدى، ومؤسسة الحرمين، تكفلت بترتيب أمور الدعاة، فكان التعاون من أطراف عدة، وكان للإخوان فيه كبير فضل، وكانت هذة الدعوة ذات فوائد عظيمة ولله الحمد والفضل والمنة، وأثمرت ثمرة كبيرة جداً رغم ضعف الجهود وقلتها.
  • وكان الإخوان الكرام الذين رجعوا قد رأو المنصرين من أمريكا ، وألمانيا ، والسويد وغيرها يأتون لتنصير المسلمين ويأخذون أطفال المسلمين وهم ينظرون، وبعض الإخوة كتب كتابات مبكية، وبعضهم تأثر تأثراً بالغاً جداً حتى إن حياتهم قد تغيرت، لما رأوا ما آلمهم من الحرقة على هذا الدين، يقول أحدهم: أنا أتكلم مع المسلمين وأشرح لهم التوحيد أو الصلاة، ويأتي الراهب الأمريكي بموز وبحلوى، وإذا بهم يذهبون من الجوع -وخاصة الأطفال- إليه، ثم يحملهم في الحافلات إلى الكنيسة، وأنا واقف أتكلم! فكيف يكون شعور المسلم؟!

فقد كان للإخوان المسلمين الدور الأكبر فى الدعوة فى تلك البلاد النائية ، فجزاهم الله تعالى خير الجزاء لما أسدوة للإسلام من خير كبير...(3)

 

الدور الجهادى للإخوان فى البوسنة والهرسك

  • قادت انتخابات 1990 إلى تكوين مجلس برلماني يهيمن عليه ثلاثة أحزاب على أساس عرقي، وقد شكلت تحالفا فضفاضا لطرد الشيوعيين من السلطة،ثم أعلنت كلا من كرواتيا واعقبتها سلوفينيا الاستقلال، فالحرب التي تلت ذلك وضعت البوسنة والهرسك والشعوب الثلاثة المكونة لها في موقف حرج، وقد كان هناك انقسام كبير سرعان ماتطور ووضع مسألة ما إذا كان البقاء ضمن الإتحاد اليوغوسلافي (ويؤيده الصرب بشكل ساحق) أو طلب الاستقلال (ويؤيده البوشناق والكروات بشكل ساحق)، فأعضاء البرلمان الصرب، وخاصة من حزب الصربي الديموقراطي، تركوا البرلمان المركزي في سراييفو وشكلوا برلمانا أسموه المجلس الوطني لصرب البوسنة ولهرسك وذلك في 24 أكتوبر 1991، مما أنهى التعاون العرقي الثلاثي الذي حكم البلاد في أعقاب انتخابات 1990، وهذا المجلس انشأ جمهورية صرب البوسنة والهرسك يوم 9 يناير 1992، ثم غير الاسم إلى الجمهورية الصربية في أغسطس 1992. وفي 18 نوفمبر 1991 كان فرع البوسنة والهرسك للحزب الحاكم في كرواتيا المسمى الإتحاد الديموقراطي الكرواتي (HDZ) أعلن بإنشاء مايسمى بالمجتمع الكرواتي للبوسنة والهرسك وهو منفصل سياسيا وثقافيا واقتصاديا بكامل أراضيه عن إقليم البوسنة والهرسك وله جيش خاص به يسمى بمجلس الدفاع الكرواتي...(4)
  • وهو مالم تعترف به الحكومة البوسنية، واعلنت المحكمة الدستورية البوسنية مرتين بأن تلك الجمهورية غير شرعية، بالمرة الأولى بتاريخ 14 سبتمبر 1992والثانية في 20 يناير 1994...(5)
  • تم الإعلان عن سيادة البوسنة والهرسك في تشرين الأول عام 1991، ثم اعقبها استفتاء على الاستقلال عن يوغوسلافيا في فبراير ومارس 1992 وقد قاطعته الغالبية العظمى من الصرب، وكانت نسبة المشاركة في الاستفتاء على الاستقلال 63.4% وقد صوت لصالح الاستقلال 99.7% من الناخبين.
  • وتم اعلان استقلال البوسنة والهرسك بعدها بفترة قصيرة، وبعد فترة من التوتر وتصاعد حدته وقيام حوادث عسكرية متفرقة، اندلعت حرب مفتوحة في سراييفو في 6 أبريل...(6)
الدكتور أحمد الملط والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح في سراييفو أمام مسجد حطمه الصرب
  • في أوائل مارس 1991 عقدت مباحثات سرية ما بين فرانيو تودجمان وسلوبودان ميلوسيفيتش لتقسيم البوسنة بين الصرب والكروات والمعروفة باسم اتفاق كارادورديفو، فبعيد إعلان استقلال جمهورية البوسنة والهرسك، هاجم الصرب مناطق عدة من البوسنة، مما أثر على إدارة الدولة في تلك الجمهورية بشكل قوي فتوقف العمل فيها بعد أن فقدت السيطرة على أراضيها، وقد كان الصرب يسعون لاحتلال المناطق ذات الأغلبية الصربية شرق وغرب البوسنة، بينما سعى الكروات بزعامة تودجمان إلى مايسمى بتأمين أجزاء من البوسنة والهرسك كمناطق كرواتية فسياسات كرواتيا تجاه البوسنة والهرسك لم تكن واضحة وشفافة، فقد سعت إلى تطبيق هدف تودجمان المتمثل في توسيع حدود كرواتيا على حساب البوسنة،فأضحى المسلمون البوشناق هدفا سهلا، وهم المجموعة العرقية الوحيدة الموالية للحكومة البوسنية، وذلك لأن قوات الحكومة البوسنية كانت سيئة التجهيز وغير مهيئة للحرب...(7)
  • بعد الاعتراف الدولي بالبوسنة والهرسك ازدادت الضغوط الدبلوماسية لسحب الجيش الشعبي اليوغسلافي من مناطق البوسنة، وهو ماتم فعله بشكل رسمي، لكن بالواقع فإن أعضاء الجيش من الصرب البوسنيون غيروا شاراتهم العسكرية، وشكلوا مايسمى جيش جمهورية صرب البوسنة واستمروا في الحرب، مستحوذين على مخزونات الجيش اليوغسلافي الموجودة في الأراضي البوسنية، وتلقوا الدعم من المتطوعين وقوات شبه عسكرية من صربيا، واستمر الدعم اللوجستي والمالي من جمهورية يوغسلافيا الإتحادية، وقد كان نية جيش صرب البوسنة في هجومهم سنة 1992 هو الاستحواذ والسيطرة على أكبر قدر ممكن من الأراضي.
  • في البداية هاجمت القوات الصربية التجمعات المدنية لغير الصرب في شرق البوسنة، فما أن وقعت تلك القرى والبلدات في أيديهم، حتى بدأت تلك القوات مع الشرطة والمليشيات شبه العسكرية وأحيانا بمساعدة أهالي القرى الصرب في تنفيذ خطة محددة: نهب وإحراق منازل وممتلكات البوشناق بصورة منهجية، وتجميع المدنيين من مسلمي البوسنة أو القبض عليهم، وقد يتعرضون للضرب المبرح أو قتل جراء تلك العمليات. وقد تم تهجير ما يقارب 2.2 مليون بوسني عن أراضيهم (من الطوائف الثلاث)...(8)
  • فاحتجز الكثير من الرجال في مخيمات، أما النساء فكان يحتفظ بهن في مراكز اعتقال متعددة حيث يعشن في ظروف قاسية وغير صحية، ويتعرضن لأسوأ المعاملات بما فيها الاعتداءات الجنسية المتكررة، فقد يأتي الجنود الصرب أو رجال الشرطة إلى مراكز الاعتقال تلك، فينتقون من النساء مايشاءون لقضاء وطرهم واغتصابهن.
  • ثم بعد ذلك اتجهت الأنظار صوب نوفي ترافنيك وغورني فاكوف سنة 1992 حيث محاولات مجلس الدفاع الكرواتي لزيادة قوته. وفي 18 يونيو 92 استلم الدفاع البوسني لمنطقة نوفي ترافنيك إنذار نهائي من الكروات والذي تضمن قائمة مطالب لإلغاء مؤسسات البوسنة والهرسك الموجودة بها، وبسط سلطة الكروات في البوسنة والهرسك والتعهد بالولاء لها، واخضاع الدفاع عن تلك المنطقة لمجلس الدفاع الكرواتي وطرد اللاجئين المسلمين، كل ذلك يكون خلال 24 ساعة. فبدأ الهجوم يوم 19 يونيو، فتعرضت مدرسة ابتدائية ومكتب بريد للهجوم والتدمير، أما غورني فاكوف فتعرضت للهجوم يوم 20 يونيو 92، ولكن الهجوم تم احباطه، من قوات المجاهدين البوسنية والمتطوعين من الإخوان المسلمين بقيادة علي عزت بيغوفيتش مما أدى اتفاق غراتس إلى التسبب بالانقسام العميق داخل المجتمع الكرواتي وعززت المجموعة الانفصالية التي قادت الصراع مع البوشناق، وقد قتل أحد الزعماء الكروات المؤيدين للاتحاد وهو بلاز كراليوفيتش (أحد زعماء مجموعات قوة الدفاع الكرواتية) على يد جنود مجلس الدفاع الكرواتي في أغسطس 92، مما زاد من الضعف الشديد في فريق المعتدلين الذين يأملون في الحفاظ على التحالف الكرواتي البوسني حيا.
  • فازداد الوضع خطورة في أكتوبر 1992 عندما هاجمت قوة كرواتية تجمعا للبوشناق في بروزور،وحسب لوائح الإتهام ضد أحد زعماء الكروات وهو جادرانكو بريليتش، فإن مجلس الدفاع الكرواتي قد قام بعملية تطهير عرقي للمسلمين من قرية بروزور والقرى المحيطة بها، وفي نفس الوقت فإن الكروات في بلدات كونياك وبوجونيا قد تم ترحليهم قسريا من منازلهم. وفي ذلك فقد انتهى التحالف الكرواتي البوشناقي وتم ترحيل الأقليات من مناطق الأغلبية العرقية الأخرى.
  • عند اندلاع النزاع المسلح بين الحكومة التي يغلب عليها البوسنيون في سراييفو وجمهورية كروات البوسنة، كان حوالي 70% من أراضي البوسنة تحت سيطرة جمهورية صرب البوسنة، فالانتهاكات التي ترتكب ضد السكان من غير الصرب من تطهير عرقي وضياع الحقوق المدنية كانت متفشية في تلك المناطق،واستخدمت فرق البحث عن الحمض النووي لجمع أدلة عن الفظائع التي ارتكبتها القوات الصربية خلال هذه الحملات، أحد أبرز الأمثلة على مذبحة سربرنيتشا، سيطرت الإبادة الجماعية على جلسات المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، فقد قتل حوالي 200,000 بوسني مسلم بواسطة السلطات الصربية السياسية،