بقلم : د / حامد السيد 

دور العلماء أن يبرزوا مواطن القدوة للقواد فى حياة رسول الله .

تعالوا بنا ننتقل سريعاً إلى مكة المكرمة نطوى الزمان والمكان طياً ونصل إلى الكعبة المشرفة ونشاهد هذا المنظر لحاكم وعالم ، حاكم يحكم بما انزل الله ينشر لواء الحق فى الأمة يجاهد فى سبيل الله  والنبى  يقول : (( اثنان إذا صلح صلح الناس وإذا فسدا فسد الناس ، العلماء والأمراء )) كان خليفة زمانه يحج بيت الله الحرام وفى الكعبة دخل أحد علماء الأمة من العلماء الإثبات العظام فلما رأى خليفة زمانه يحج ويجلس فى الكعبة قال العالم : ( آن الأوان أن أعظ الخليفة وهذا واجب علىّ ، فتقدم حتى وصل المكان الذى يجلس فيه الخليفة والخليفة يعرفه حق المعرفة فألقى السلام على الخليفة وقال : ( يا أمير المؤمنين إنى ناصح لك فاسمح لى ؟ ) اسمعوا ماذا كان يقول العلماء فى ذلك الزمن اسمعوا إلى الفقه السياسى عند علماء الأمة لترى ما يجب أن يكون عليه العالم البصير الربانى المؤدب الشجاع ، يقول : ( يا أمير المؤمنين ابسط رداء العدل على الأمة تستقم لك رعيتك ) كلام فى منتهى الدقة ، الحاكم العادل يجد أمة مدافعة عن الحق تحمى العرض وترفع الراية ، أما الحاكم الظالم فهو حاكم غبى يجد القلوب ممتلئة بالحقد عليه وحين تجئ ساعة تطلب حماية الأرض تجد شعباً ذليلاً مهلهلاً ، ابسط رداء العدل تستقم لك رعيتك .

يا أمير المؤمنين انظر آل هؤلاء الحجيج يملئون الكعبة كل واحد منهم مسئول عن نفسه فقط أما أنت فمسئول عن هذه الأمة كلها ، يا أمير المؤمنين اعد الإجابة لثلاثة أسئلة إذا وُضِعت فى قبرك وانصرف عنك الأهل والمال وأصبحت وحيداً فريداً لا مال ينفع ولا سلطان يدفع ولا جاه يشفع وسُئلت : من ربك ؟ وما دينك ؟ وما تقول فى النبى المبعوث فيك ؟ فهل أعددت الإجابة ؟ يا أمير المؤمنين … أعد الزاد لليلة صبحها يوم القيامة ، وأنهى ذلك العالم كلمته ) فنظر إليه الخليفة وقد امتلأت خدوده بدموعه وقال له : سمعت مقالتك فسلنى حاجتك ، كم من الألوف تطلب ؟ ، فقال : يا أمير المؤمنين .. فى بيت من نحن ؟ قال : فى بيت الله ، قال : ما عاذ الله أنى لأستحى من الله أن أسأل غيره وأنا فى بيته ، فانتظر الخليفة حتى خرجوا من الكعبة ثم قال : أيها العالم خرجنا من بيت الله فسلنى حاجتك ، قال : أسألك من حاجات الدنيا أم من حاجات الآخرة ؟ ، قال : أما حاجات الآخرة فلا املكها ، سلنى من حاجات الدنيا ، فقال العالم : يا أمير المؤمنين .. أنت حى سوف تموت أم انك حى لن تموت ؟ ، قال : أنا حى سوف أموت ، قال : إذن أنا لا اسأل الحى الذى يموت وإنما اسأل الحى الذى لا يموت .

القدوة فى العدل / السياسة / الرحمة 
 لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم …. 
رسول الله يطلب من القادة أن يكونوا رحماء بشعوبهم ويقول  : (( إن أقربكم منى مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً ، الموطأون أكنافا الذين يألفون ويُألفون )) الذين بهم قرب لشعوبهم ، قال  : (( إن الله يحب العبد الهين اللين السهل القريب )) وفى نفس الوقت يتوعد  كل قائد غليظ على أمته فيقول : (( اللهم من ولى من أمر أمة محمد شيئاً فرفق بهم فارفق به ومن شق عليهم فاشقق عليه )) ويقول فى حديث آخر : (( إن شر الرعاء الحطمة (أى الذى يحطم شعبه ويقسو عليه ويجعل الناس فى كرب وهم وغم وضيق ) )).

ومن ثم معاشر الأخوة كانت القدوة من حياة رسول الله للقواد أن يكونوا رحماء وكذلك يجب أن يكونوا أهل شجاعة وقوة وبأس وشدة يقين بالله ، أن يملأ قلوبهم الخوف من الله وليس الخوف من البشر ، النبى وضع القدوة العظيمة لكل الناس فى القوة والعظمة والعزة ، يقول على بن أبى طالب : ( كنا إذا حمى الوطيس واحمرت الحدق اتقينا برسول الله فما يكون أحد اقرب إلى العدو منه ) وحينما ارتجت المدينة ليلاً وخرج الناس يظنون عدواً داهم المدينة وجدوا الرسول سبقهم ركب فرسه واخذ سيفه وقال لهم : لن تراعوا لن تراعوا لن تفزعوا ، صلى الله على آله وسلم .

القدوة فى الثبات / الشجاعة / قول كلمة الحق / اليقين بالرزاق المحى المميت
ولو اخذ الحكام القدوة منه فى هذا الجانب لما رأيت هوانا ولما ذاق المحكومون هواناً ومن هنا وجدنا القدوة خير مثال فى حياة أصحاب رسول الله ، هذا أبو الحسن على الذى امتلأ قلبه يقيناً بأن الرزاق هو الله وأن المحى والمميت هو الله لذلك فى غزوة الخندق لما اخرج المشركين آخر أسهمهم وآتوا بابن عبد ود ليبارز واقتحم الخندق من مكان ضيق واصبح فى جانب المسلمين واخذ ينادى : يا أيها المسلمون .. هل من مبارز ؟ ، وتشاور النبى مع أصحابه من يخرج للمبارزة ، واستبطأ ابن عبد ود المسلمين فأنشد شعراً يهجو رسول الله والمسلكين يقول : 
ولقد بححت من النداء لجمعهم هل من مبارز ووقفت إذ جبن الشجاع موقف القرن المناجز

إن الشجاعة فى الفتى والجود من خير الغرائز
فقال على : أنا اخرج إليه يا رسول الله فالبس رسول الله لعلى بيديه خوذة الحرب وأعطاه سيفه ودعا فقال : اللهم انك أخذت حمزة منى يوم أُحد فاستبق لى علياً اليوم ) وانطلق على وابن عبد ود يرتجز ويقول : إن الشجاعة فى الفتى والجود خير الغرائز ، فأعلى على سيفه وقال : لا تعجلن فقد أتاك مجيب صوتك غير عاجز بشجاعة ونباهةً وصدق ينجى كل فائز .

إنى لأرجو أن أقيم عليك نائحة الجنائز من ضربة نجلاء يبقى ذكرها عند الهزائز
نعم قوة على وشجاعة على يضرب ابن عبد ود ضربة تفلق هامته فيخر صريعاً وتنكشف سوأته فيدير علياً وجهه عفةً وتكرماً ويكبروا فيسمع النبى التكبير ويعلم أن علياً قتله فيكبر النبى ويمتلئ المكان بالتكبير ويجئ علياً فيزف البشرى فيقول له عمر بن الخطاب : هلا استلبته درعه وسيفه فما عند المسلمين درع وسيف ؟ 

قال له : جئت استلبه درعه فوجدت سوأته مكشوفة فعففت عنه ، نعم العفة والكرامة والحياء ، ومن هنا معاشر الاخوة كان المسلمون على مر العصور مثالاً للشجاعة حتى النساء ، هذه الشجاعة العالية التى تجعل القواد والحكام والمحكومين على ثبات للحق وقيام بالصدق وهنا تكون القدوة منقذة لامتنا فى حاضرها وغدها.

أقول قولى هذا واستغفر الله لى ولكم
هكذا أيها الاخوة الكرام وقفنا مع بعض جوانب العظمة فى حياة القدوة  ، نكتفى بهذا القدر الوجيز ثم نقول : أننا حينما نطرح شخصية رسول الله  لتكون قدوتنا جميعاً وحينما نملأ المنابر والخطب بالحديث عن القدوة العملية من رسول الله فإنما نريد أن نقول : أننا فى ظرفنا الحالى حكاماً ومحكومين فى حاجة إلى العودة سريعاً إلى رسول الله والى تمثل القدوة سريعا من رسول الله ، فحل مشكلاتنا أن نعود لسيدنا رسول الله ونصحح نموذج القدوة .

اللهم أنا نسألك أن تحسن قدوتنا بالحبيب المصطفى ،،،
اللهم اجعلنا على طريقه سائرين ولرايته رافعين ،،، 
اللهم اجعلنا على خير طريق باتباع خير نبى ،،، 
اللهم اجعل قلوبنا مملؤة بحبك وحب نبيك ،،، 
اللهم أنا نسألك فرجاً قريباً لامة الإسلام ،،، 
اللهم واستنقذ المسجد الأقصى من أيدى اليهود الغاصبين وعليك بهم وبكل من ناصرهم وبكل الطغاة الظالمين الذين ظلموا عبادك وخربوا بلادك ،،، اللهم حسن عفاف بناتنا وبنات المسلمين .