المصدر : إخوان ويكي

مقدمة

مثلت حرب الخليج أحد أهم الأزمات فى العلاقة بين الإخوان ومبارك، فقد كان موقف الإخوان المناهض لتلك الحرب والرافض لموقف النظام المصرى تجاهها، فقد سارع الإخوان إلى إدانة الغزو العراقي للكويت في 2 أغسطس آب 1990

وجاءت مطالبتهم للرئيس لعراقي السابق صدام حسين بسحب قواته من الكويت منسجمة مع الموقف الذي اتخذه النظام المصري ولكن سرعان ما أوجد التدخل التدخل الغربي في الأزمة عامل توتر جديدا بين مبارك والإخوان الذين أدانوا التدخل واحتجوا على قصف العراق وعلى رغم غيابهم عن مجلس الشعب (بحكم مقاطعتهم لانتخابات لعام 1990)

إلا أن الإخوان وظفوا سيطرتهم على النقابات للتعبير عن آرائهم السياسية المعارضة لموقف النظام المؤيد للحرب وقد اعتبر النظام أن الإخوان يستغلون استغلال سيئا الفضاءات التي سمحت الدولة بوجودها (أى النقابات) لتحريك وتعبئة الطبقة الوسطي من المهنيين ضد الشرعية الشعبية للرئيس الذي أمر الجيش المصري بالمشاركة في التحالف الغربي ضد بلد عربي مجاور (وهو ما أزعج مبارك شخصيا)

كما أن النظام اعتبر أن الإخوان بدأوا ينسقون بين موارد هيكلهم التنظيمي كحركة وموارد النقابات (كأعضاء في مجلس الإدارة) لشن حملة أكثر قوة وفاعلية ضد النظام .

وبالفعل فقد بدأت النقابات التي يسيطر عليها الإخوان بتشكيل تحالفات تنسيقية بين أنشطتها في ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ النقابات منذ العام 1952 إذ تشكلت لجنة باسم " تنسيق العمل النقابي" ولم تكن الفكرة من تشكيل هذه اللجنة أمرا جديدا تماما وإنما فكر فيها الإخوان منذ سيطرتهم على النقابات في الثمانينيات؛

ولكن الفكرة تحققت في التسعينيات ردا على الجهود التي بذلتها الدولة لإنشاء اتحاد للنقابات المهنية شبيه باتحادات العمال لتمكينها من امتلاك مزيد من النفوذ ولمواجهة النفوذ النقابي المتنامي للجماعة وأدان اللجنة تنسيق العمل النقابي في بيان شديد اللهجة واعتبر مستفزا للنظام الوجود الغربي وحمل الحكومة المسؤولية عن سلامة المصريين الذين يعملون في الكويت وفي العراق .

وقد أجبر النظام الذي استفزته نبرة البيان رؤساء النقابات التي كانت خارج نطاق سيطرة الإخوان على الانسحاب من عضوية اللجنة وعلى الامتثال للسياسة الرسمية التي أعلن عنها النظام ولا شك في أن انسحاب أعضاء بعض النقابات من اللجنة أضعفها ولكنه لم يقو على إنهاء حملتها السياسية التي استمرت ضد النظام وفي بيان ثان صدر طبعا باسم عدد أقل من النقابات هذه المرة أدانت لجنة العمل النقابي شدة مشاركة القوات المصرية في الحرب على العراق ودعت إلى عودة الجيش على الفور.

وقد ساهم عصام العريان الأمين العام السابق لنقابة الأطباء في صياغة البيان وهو يعتقد أنه شكل نقطة تحول (أو القشة التي قصمت ظهر البعير) في العلاقات بينمبارك والإخوان المسلمين فاستنادا إلى العريان:" أنا أري أن البيان الثاني كانت هو القشة التي قصمت ظهر البعير فعندما اجتمعنا في نقابة الأطباء لكتابة البيان، صغناه بطريقة استفزازية جدا وعندئذ قلت بأن النظام قال في نفسه"

هذا يكفي " لقد تجاوزت النقابات حدودها " وهذه الحدود أو ما يعتبرها النظام خطوطا حمراء هي "الجيش والسياسة الخارجية للدولة".

وسرعان ما أصبح الموقعون على البيان ضحايا حملة منظمة لتشويه سمعتهم صاغتها وسائل الإعلام والمسئولون الناقدون مثل يوسف وإلى كمال الشاذلي الذين اتهموا الإخوان بـ " عدم الإخلاص " وبـ " الخيانة" وبتلقي أموال من صدام .

وأصبحت النقابات هي المحور الجديد لانتباه الأجهزة الأمنية وتدخلها وتعرض العشرات من الأعضاء الذين كان اغلبهم أعضاء في الحركة أيضا للمضايقة والاعتقال .

ومن ناحية أخري كانت الجماعة ما تزال قادرة على الرغم من وحشية النظام في تعامله مع الإخوان على تعريض شريعة النظام الدينية للتساؤل من خلال ما اعتبرته تحالف دولة مسلمة مع قوة كافرة (هي الولايات المتحدة) ضد دولة مسلمة أخري (العراق)

ولا شك في أن النظام انزعج من مثل هذه المقاربات ما اضطر الحزب الوطني الذي يترأسه مبارك إلى التأكيد أن مصر ليست دولة علمانية وإنما هي دولة إسلامية وإلى تقديم نفسه كممثل للفهم الصحيح للدين الإسلامي وبالتالي لا تناقض سياساته الدين كما يزعم ذلك معارضوه الإسلاميون وحتى آخر لحظة ظلت الشرعية الدينية مهمة بالنسبة إلى النظام ومع ذلك لم يكف الإخوان عن التسبب في مزيد من إزعاج النظام بتسييس شرعيتهم الاجتماعية كما تجلي بوضوح أكبر في حادثة الزلزال". (1)

ومنذ بداية الأحداث كان الإخوان المسلمين موقفهم واضح وثابت ، ومن هنا كان موقفهم الساعى لاحتواء الازمة فى طور نشوبها , ثم مطالبة العراق بالانسحاب منالكويت بعد اقدامه على غزوها .. وكان ذلك الأمر المحور الأساسى الذى عليه موقفها فى هذه الأزمة كما سيتضح

أولا:موقف الإخوان فى بداية الأزمة

كانت رؤية الإخوان من أحداث الخليج مبنية على ضرورة وحدة الصف العربى وعدم السماح بأى نوع من التدخل الأجنبى فى الأزمة،وفى اطار هذا الفهم ومن خلال هذه الرؤية كان بيان الإخوان الذى أصدره المرشد العام فى الخامس والعشرين من يوليو 1990 م معبرا عن حسهم السياسى وخبراتهم وتجاربهم وتعاملهم مع الأحداث؛

بعد أن رصدوا وأحسوا أبعاد ومخاطر التوتر الذى أصاب العلاقات العراقية والخليجية عامة والكويتية خاصة فى أعقاب انهاء الحرب العراقية الايرانية وبعد أن لمسوا ارتفاع حدته من خلال البيانات والرسائل العراقية الرسمية سواء أمام مؤتمر قمة بغداد أو الى الجامعة العربية فى يوليو سنة 1990 م .

من أجل هذا أكد البيان على فزع أبناء الامة ازاء الخلاف الذى نشب بين العراق والكويت والإمارات , كما أقلقهم حدة اللهجة فى البيانات العراقية الرسمية وطالبوا بضرورة تسوية هذا الخلاف قبل أن يتسع مداه وفى الاطار العربى والاسلامى وألايسمح بأى تدخل أجنبى فى الشئون العربية؛

كما أكد البيان " أن اتساع رقعة الخلاف لن يفيد الا الأعداء وخاصة العدو اليهودى " وفى نفس الوقت وضع البيان كافة قيادات وحكومات العرب والمسلمين أمام مسئولياتهم فناشد الجميع الاستجابة لهذا النداء والعمل الجاد لانهاء هذا الخلاف وفى اقرب وقت وأن يكونوا جميعا عند توجيه الله عز وجل "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا " .

كما أصدرت الجماعة بيانها الثانى فى التاسع والعشرين من يوليو ابان انعقاد مؤتمر وزراء خارجية الدول الاسلامية فى القاهرة وقد ركزوا فى هذا البيان على نقاط واضحة من أجل اقتلاع جذور الخلل فى العلاقات

ونزع فتيل التوتر فى الخليج كان منها:

ان علاقات العرب والمسلمين انما يجب أن تنهض على توثيق روابط الاخوة التى فرضها الله تعالى بين عباده بقوله عز وجل " انما المؤمنون اخوة " وان هذه العلاقة لا يمكن أن تتحقق وتتوثق الا من خلال تطبيق أحكام الشيعة الاسلامية بعمومها وشمولها وفى مختلف الدول الاسلامية تطبيقا صحيحا أصيلا بحيث يكون القرآن الكريم هو الدستور المعمول به روحا ونصا والمرجع الذى يستفنى فى كل ما يتعلق بالسياسة الداخلية والخارجية والصيغة التى يصطبغ بها نهج الأفراد والجماعات .
وأن تحقيق حرية الشعوب وحقها الأصيل فى كل ما يتعلق بتدبير شئونها السياسية والاقتصادية والاجتماعية أمر لا غنى عنه لامكان تفاعل الشعوب مع حكوماتها حتى يمكن أن تتطور الامة تطورا سليما بخطوات موثوق بها نحو تحقيق الآمال العظام الملقاة على عاتقها وان وحدة الامة الاسلامية أصبحت قدرا لابد من تحقيقه والا لحقها الفناء .
وان مما يلزم تمهيدا لتحقيق هذه الوحدة هو انهاء كل أسباب الخلاف بين دول العالم الاسلامى والاعراض الكامل عن كل النزاعات التى تتسم بالعنف أو تهدد باستخدام القوة وذلك من خلال تشكيل هيئة تبحث ما يطرأ بين دول العالم الاسلامى من اختلاف فى وجهات النظر وتجد حلا سليما لها يؤسس على مقتضى أمر الله تبارك وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام . وهو العدل والانصاف واعطاء كل ذى حق حقه .
ووسط أجواء لفها كثير من الضباب وشابها كثير من الشكوك والريب وفى ظل ظروف عالمية هيأت وتهيىء للمتحفز كل أسباب وسبل التدخل قام النظام العراقى بغزو الكويت بعد حشد أعدادا هائلة من القوات على طول الحدود المشتركة ولأيام طوال كانت تسمح رغم كل ما قيل وما زال يقال باتخاذ خطوات عملية عربية واسلامية تحول دون تدهور الأحوال والأوضاع وتنقذ العرب والمسلمين من مصير مرعب كان الإخوان المسلمون أول من نبه اليه الأذهان وقرع بسببه كل أجراس الخطر .

ادانة الغزو العراقى ومطالبة العراق بالانسحاب

وكان الإخوان المسلمون أول من نبه الى خطر الاختلاف وأول من طالب بسد الثغرات وفى اطار الحلول الاسلامية والحيلولة دون توسيع الهوة كانوا كذلك أول من أدانوا الغزو وبخبرتهم ومعرفتهم بأساليب الاستعمار ومخططاته طالبوا بالانسحاب الفورى من الكويت وكان بيانهم صبيحة يوم الغزو نابعا من رؤياهم ولطبيعة توجهات النظام العراقى صاغه فهم واضح لخريطة المنطقة والاخطار المحدقة بها .

ولقد جاء بيان الثانى من أغسطس 1990 معبرا عن مدى استشفاف الإخوان المسلمين لاحتمالات المستقبل مصورا مدى احساسهم بخطورة الواقع وضرورة التصدى العربى والاسلامى لمواجهته ..

وذلك من خلال نقاطه الرئيسية التى حواها:

فى الوقت الذى تعاظمت فيه آمال الأمة الاسلامية والعربية أن يسود الوئام والاستقرار وتتجه كل الجهود لملاقاة الأعداء الذين أنهوا أسباب الخلاف بينهم ليكونوا صفا واحدا تجاه الصحوة الاسلامية.وفى الآونة التى بدا أن الخلاف بين العراق والكويت اتخذ طريقا سلميا للجل فوجئنا بالغزو العراقى للكويت فكان عملا مروعا .. مخيبا للآمال.
ولا يغيب عن البال أن هذا الحدث الضخم فتح أبواب شر خطير وكبير يؤثر على مجريات كفاح الشعوب الاسلامية فى كل الأرجاء ويخشى أن يستغله العدو اليهودى لتحقيق مآربه.وأن على قادة العراق أن يعيدوا النظر فيما أقدوا عليه وهو الامر الذى أجمعت الامة على استنكاره .
وعلى الشعوب العربية والاسلامية وقادة الأمة أن يبادروا ببذل مساعيهم لدى دولة العراق لتسحب قواتها من الكويت وتمتنع عن التدخل ففى شئونها وأن ذلك يمهد لاستئناف مساعى الوساطة بين البلدين لايجاد حل لما هو واقع بينهما من خلاف .
ولقد ظل الموقف المبدئى الذى اتخذته جماعة الإخوان المسلمين من الغزو العراقى للكويت على وضوحه وجلائه ودونما تغيير أكد على ذلك قادة الجماعة فى عديد من المناسبات ومن خلال المنافذ الاعلامية المتاحة فاعتبروه:
" اعتداء على قطر عربى شقيق يتعارض كل التعارض مع ما يجب أن تكون عليه العلاقة بين الدول العربية الشقيقة ويجب أن تتكاتف الجهود لايقاف هذا الاعتداء والحيلولة دون مضاعفاته وأن يحرم ويجرم مثل هذا الاعتداء ويدعو الى الوحدة بين المسلمين ويوجب التعاون والتكاتف لمواجهة أعداء الإسلام "
وحول ممارسات الغزو العراقى داخل الكويت أكد الإخوان:
أن كل ما تنقله الاخبار من تصرفات لجنود الغزو مع أبناء الكويت الشقيق مثل النهب والايذاء وغير ذلك هى من الأمور التى لا يقرهاالاسلام حتى مع الأعداء بل ان " الغزو العراقى للكويت وما حدث ابانه من انتهاكات هو عمل لم يكن يتوقعه صديق ولا عدو وأنه ليس ثمة ذنب للشعب الكويتى بكل فئاته من أطفال ونساء وشيوخ ورجال لكى يتعرضوا لما تعرضوا له من مآس يشيب لها الولدا ن " .
وأعلنت قيادات الإخوان
" أن الغزو العراقى زلزل المؤمنين زلزالا لم يعهدوه فقد تم احتلال احدى الدول العربية الكويت من دولة تشترك معها فى اللغة والدين والجوار والالام والامال وهى العراق التى تغزو أرضها وتستبيح دماءها وأموالها وتهتك أعراضها بل واسمها وتضمها اليها قسرا لتصبح احدى محافظاتها "
وناشدت وطالبت قيادة الجماعة رئيس النظام العراقى أن يعيد الارض الى أصحابها وأن يحل قضاياه بالسلم لا بالغزو والسلب والاغتصاب مخالفا كل ما تعارف عليه البشر من قوانين وأطر وأن يحسب لما هو مقدم عليه حسابا بالعقل لا بالاندفاع وألا يقدم العراق طعما للاسماك المفترسة وأن يترك الكويت لأهلها يختارون ما يختارون بأنفسهم .

ووجهت قيادات الجماعة خطابا

" للأهل فى الكويت أن يصبروا فالله معهم فمن بينهم من جاهد فى أفغانستان بماله وجهده ومن مد يد العون لأطفال الحجارة فى فلسطين وللاسلام فى أدغال أفريقيا ولنصرة المجاهدين واللاجئين الافغان حتى جاء الغزو ليقفل صدام حسين المؤسسات التى كانت تقوم على تمويلها الكويت ويطوى على الجوع بطونا كانت تساندها الهيئات الاسلامية بالكويت"
وفى المؤتمر الشعبى لأهل الكويت والذى يعقد فى جدة بالسعودية بعد شهرين من الغزو أعلن الإخوان من خلال رسالة وجهها للمؤتمر نائب المرشد العامللجماعة الاستاذ مصطفي مشهور أن الإخوان المسلمين من أعرف الناس بدولة الكويت وشعبها المتدين المعطاء ويقدرون أكثر من غيرهم الدور العظيم الذى قامت به الهيئات والجمعيات الخيرية فى الكويت مناصرة لاخوانهم فى فلسطين ولبنان وأفغانستان وكثير من دول أفريقيا وآسيا ولن يضيع أجر ذلك أبدا"
ولهذا كان