حنان يوقد جذوة الثبات

 

"إنَّ مَن تهدهد المهد بيمناها تهز العروش بيسراها" كلمة قالها أحد الحكماء وصدقها العقلاء وأقرها الواقع والتاريخ، فعبْر صفحاته على اختلاف ألوانها ولغاتها لم يكن دور المرأة هينًا بحالٍ من الأحوال، وما يعنينا من بين صفحات التاريخ في هذا المقام صفحة ناصعة البياض خطت سطورها بنور النبوة لتكن منهاجًا لمن يتخذ الله تعالى غاية، والرسول- صلى الله عليه وسلم- زعيمًا والقرآن دستورًا والجهاد سبيلاً والشهادة أسمى الأماني.

 

 

 

 

لم يبدأ الدور الرائع للمرأة في تاريخ الدعوةالإسلامية يتألق منذ نزول الوحي فقط على المصطفى- صلى الله عليه وسلم- وإنما بدأ قبل ذلك بكثير، منذ وُلد الهدى وأخذ الله يصنعه على عينه، ويهيئ له الأسباب ليعده لتبليغ الرسالة وحمل الأمانة ومواجهة مشاق الطريق، فكان للمرأة دور كبير في حياة النبي- صلى الله عليه وسلم- منذ مات أبوه فعنيت به أمه آمنة بنت وهب ومرضعته حليمة السعدية ومربيته أم أيمن ثم زوجه خديجة وحبيبته فاطمة الزهراء وقرة عينه عائشة ومستشارته أم سلمة، وغيرهن كثيرات وكثيرات كان لهن في حياة الرسالة وصاحبها عظيم الأثر نخص بالذكر منهن واحدة من أربع نساء هنَّ أكمل نساء العالمين إنها الطاهرة خديجة التي تزوجته في فقره فراعته بمالها وحنانها خمسة عشر عامًا قبل نزول الوحي، تُلاحظه، وقد بدأت معالم النبوة تخط سماتها على حياته، وبدا أنه يستعد لأمرٍ كبيرٍ فيعتكف شهورًا في صحراء مكة يُناجي ربًا ويعبد إلهًا لم ينزل عليه وحيًا بعد ولا تكليفًا لعبادته، فلا تمتعض لغيابه ولا تضيق بغرابة أحواله، وإنما ترسل من غلمانها مَن يطمئن عليه ويرقبه في خلوته من بعيد فلا يعكر عليه صفو مناجاته، حتى إذا تمَّ الأمرُ واكتمل الإعداد ونزل الوحي لم يجد النبي- صلى الله عليه وسلم- قلبًا أكبر من قلب خديجة ليحتوي هذا الحدث العظيم، ولا مكانًا على وجه الأرض أكثر أمنًا من صدر خديجة يلقي فيه بخوفه بحثًا عن مرفأ الأمان، فكانت أول مَن صدق، ولم تكتف بذلك بل راحت تعينه بجهدها وعلاقاتها بسادة قريش ونسائها فكانت- وهي المرأة- نعم المجير لرسول الله- صلى الله عليه وسلم، ربت له أبناءه ومواليه وأنفقت مالها لنصرته وتأييد دعوته فكانت بحنانها ورقتها وقوة شخصيتها وقودًا يشعل جذوة الثبات في قلب النبي- صلى الله عليه وسلم- وأخيرًا توجت هذا الدور العظيم بمشاركتها النبي وأصحابه السجن والعزل والجوع في شعب أبي طالب ثلاث سنوات رغم مرضها وتقدم سنها ورغم ما عرضته عليها قريش من البقاء كريمة عزيزة في دارها، ولكنها أبت إلا أن تتم لنا لوحتها الجميلة ورسالتها المسطورة بالأفعال لا الأقوال.


إطلالة سريعة على دورها

إذا كانت هذه إطلالة سريعة على دور المرأة في حياة صاحب الرسالة- صلى الله عليه وسلم- فإنَّ إشراقاتها في حياة الدعوةالإسلامية منذ عهد النبوة وعلى مدار أربعة عشر قرنًا بداية تأريخ جديد للحياة لم ير الكون لها مثيلاً من قبل، ولا يكفي لحصرها وتأملها واستلهام العبر منها مئات المجلدات والمؤلفات، ومن ثمَّ فلا بأس من جهد المقل بأن نستشرف بعض المواقف الوضاءة التي رسمت بها المرأة ورسم بها النبي- صلى الله عليه وسلم- دورها في حمل الدعوة.


ثبات يفوز بالشهادة

أحيانًا ما يبرر البعض ممن يدعون إلى تحجيم دور المرأة ومشاركتها في العمل الدعوي بشتى مجالاته ذلك بخوفهم وإشفاقهم عليها في ظل ما يواجهه الدعاة من أخطار وملاحقة أمنية وربما عدم قدرتها على تحمل الآلام والثبات مما قد يعرضها للفتنة في دينها، وعلى هؤلاء ينطق التاريخ شاهدًا على أروع مثل لثبات المرأة المسلمة حتى نالت الشهادة في سبيل الله، فلقد اجتمعت قريش بقدها وقديدها وأباطرة الشر فيها يرأسهم أبو جهل في بطحاء مكة الحارقة في يوم بدا وكأن السماء تتنفس نارًا ليقوموا على تعذيب أسرة ياسر، ذلك الرجل البسيط من عامة الناس بمكة والذي تبع دين محمد- صلى الله عليه وسلم- هو وزوجه العجوز سمية وابنه الفتى عمار، ودارت رحى العذاب تطحن بين شقيها أجسادًا يمزقها الألم ويفنيها التراب، ولكنها أبدًا لا تنال من أرواحٍ تحلق في السماء وترى مقعدها من الجنة، أيامًا تمر والعذاب يزداد وتتأجج ناره والضحايا العظماء يبتسمون في وجه العذاب فيرتد كيد المعذبين إلى نحورهم ويطيش صوابهم فلا يجد الجهول أبو جهل بدًا لإطفاء هذه البسمة في وجه سمية سوى أن يغرس حربته في فرجها لترتقي بثباتها إلى الشهادة في سبيل الله لتصبح أول مَن نال الشهادة في تاريخ الإسلام من الرجال والنساء على السواء.... وإنه لشرف للمرأة المسلمة.... وأي شرف!!


ثقة ووعد بالجنة

من الأسباب التي يسوقها البعض أيضًا ممن يحتجون على اتساع نطاق العمل الدعوي للمرأة عدم قدرتها على حفظ الأسرار تحت ضغط الظروف، ومرة أخرى يدحض النبي- صلى الله عليه وسلم- هذه الحجة، وفي أخطر مراحل الدعوةالإسلامية يأمن النبي- صلى الله عليه وسلم- امرأة على حياته والتي تمثل حياة الإسلام حينئذ، فها هم أعداء الله أدمى الحقد على الدين الجديد قلوبهم وطمس الكفر على بصيرتهم فراحوا يعدون لقتل النبي- صلى الله عليه وسلم- فيخبره ربه بما أعدوا له ويأمره بالهجرة فيستعد الحبيب للرحيل عن مكة، وقد علم أن كل سيوفها تطارده وتريد النيل منه، وكما علَّمه ربه يأخذ بالأسباب فيعد ما يزيد عن ستة عشر سببًا تضمن- بعد التوكل على الله وإرادته- الوصول إلى المدينة بأمان، ومن بين هذه الأسباب أن تأتي أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم ووالدها الصديق بالطعام طوال فترة بقائهما في الغار، والمتأمل لهذا التكليف يتساءل لما لم يكلف النبي صلى- الله عليه وسلم- رجلاً بهذا الأمر، خاصةً وأن أخاها عبد الرحمن كان يأتي ليلاً للنبي وصاحبه بأخبار مكة ويرحل في البكور حتى كأنه بات بمكة فلما لا يأتي بالطعام مع الأخبار، كيف لأسماء الحبلى بالشهور الأخيرة في حملها أن تصعد جبلاً يشق على الرجل الصحيح صعوده وقد حفيت قدما النبي- صلى الله عليه وسلم- وهو يصعده، كيف لها وهي المرأة أن تتخفى من قريش وقد علموا أن أباها بصحبة النبي- صلى الله عليه وسلم-، كيف لها أن تخرج وحدها إلى الصحراء ليلاً؟! إنَّ للأمر حكمةً، فأسماء التي سألها أبو جهل عن أبيها فنهرته فما كان منه إلا أن صفعها على وجهها بقوة أطاحت بقرطها من أذنها، وكان من الممكن أن تتعرض لعذاب أكثر من هذا تستحق هذه المنزلة من الجنة.. أسماء زوج الزبير بن العوام ذلك الزوج الغيور جدًا لم يضن بها زوجها على دينها ولم يخش عليها خطرًا، أسماء التي خطت في منهاج المرأة المسلمة ودورها في حمل الدعوة خطوطًا عدة سواء بموقفها في الهجرة أو موقفها فيما بعد مع ولدها الشهيد عبد الله بن الزبير تستحق أن يبدلها الله بنطاقها نطاقين في الجنة، أسماء التي واجهت باطل قريش وهمجية أبي جهل وحفظت سر الهجرة وهي شابة لم تتعد العشرين عامًا هي ذاتها أسماء التي تحدت طغيان وبطش الحجاج الثقفي وسفهته أمام الناس بالحرم وهي عجوز فوق المائة، إنها أسماء ابنة الصديق وأمينة الهجرة وزوج حواري رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الشهيد الزبير بن العوام وأم شهيد الحق عبد الله بن الزبير.


صحابيات يشهرن السيف

لم يقتصر دور المرأة المسلمة في عهد النبوة على الدعوة بالكلمة أو بمواجهة الباطل وغيرها من الوسائل المعتادة، وإنما تعدى ذلك إلى حمل السيوف وخوض المعارك، ولم تكن دارين وآيات وريم الرياشي بدعًا من النساء عندما قدمن أرواحهن فداءً لدينهن، وليس لنا أن تعجب عندما نرى المجاهدات الشيشانيات يحملن الكلاشينكوف، ويقمن بعمليات قتالية ضد العدو الروسي، فلهؤلاء المجاهدات جذور تمتد في عمق التاريخ حتى تصل إلى صفية بنت عبد المطلب ونسيبة بنت كعب المازنية وأم سليم.... وغيرهن من المجاهدات.

فقد علا غبار المعركة وبدت هزيمة المسلمين واضحة عند جبل أحد، وانكشف الرجال عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قد أربكهم الفزع وأفزعتهم المفاجأة- إلا القليل- وأشرع الباطل أنيابه لاقتناص نور الحق وإذا بامرأة تشق الصفوف عكس تيار الفارين لتصل إلى قلب الوغى حاملة سيفها تتحرك بخفة يمنة ويسرة تقاتل الفرسان من قريش ركبانًا ومشاة تحول بينهم وبين النيل من النبي صلى الله عليه وسلم لا تراعي بالسيوف التي راحت تتناوشها حتى أصيبت في كتفها بجرح غائر وحتى قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما نظر يمينًا ولا يسارًا يوم أحد إلا وجدها أمامه تدافع عنه، إنها نسيبة بنت كعب المازنية إحدى المرأتين اللتان بايعتا النبي- صلى الله عليه وسلم- في بيعة العقبة الثانية على ما اتسمت به من سرية وخطورة، وهي نفسها التي يأتيها بعد أعوام نبأ استشهاد ولدها حبيب بن زيد على يد مسيلمة الكذاب، وقد مزق جسده قطعة قطعة فلا تزيد على قول: "لمثل هذا اليوم أعددته وعند الله احتسبته، بايع الرسول صغيرًا وأوفى ببيعته كبيرًا".

مهلاً.... إنَّ أحُدًا لم تنقضِ بعد... ألا ترون تلك المرأة العجوز التي حملت حربتها وأقبلت تخفق في ثوبها كما تخفق النسور إذا رأت مَن يهدد عشها.... إنها عمة النبي- صلى الله عليه وسلم- صفية بنت عبد المطلب وأم الزبير بن العوام، رأت النبي يواجه الخطر وقد تفرق عنه معظم الرجال فأقبلت تدافع عنه، ولكن النبي- صلى الله عليه وسلم- أشفق عليها أن ترى جثمان أخيها سيد الشهداء حمزة، وقد مثل به الكفار فأشار إلى ولدها الزبير ليحول بينها وبين خوض غمار المعركة، ويسرع الزبير نحو أمه صائحًا "إليك يا أمه.. إليك يا أمه" فتنهره المجاهدة بقوة "تنح عني لا أم لك.. إن كان هذا لأخي فهذا في الله وقد احتسبته" فيبتسم النبي- صلى الله عليه وسلم قرير العين بهذه المجاهدة، ويأمر الزبير أن يفسح لها، إنها هي أيضًا صفية بنت عبد المطلب التي لها يوم مشهود في غزوة الأحزاب، فقد وقف النبي- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه في مواجهة الأحزاب حول الخندق على حدود المدينة، وتركوا اليهود خلفهم داخل المدينة، وقد عاهدهم النبي- صلى الله عليه وسلم-، ووضعت النساء والأطفال جميعًا في حصنٍ لحسان بن ثابت- رضي الله عنه وأرضاه- داخل المدينة، وترك النبي- صلى الله عليه وسلم- حسان بن ثابت لحماية الحصن، وكعادتهم دائمًا ينقض اليهود عهدهم مع النبي، ويقررون الإغارة على الحصن وسبي النساء والأطفال، ولكنهم يرسلون أحدهم أولاً لاستطلاع عدد الجنود الذين يحمون الحصن، ويتسلل اليهودي ويدخل الحصن الذي لم يكن هناك جنود يحمونه، ولكن صفية كانت هناك متيقظة ترقب حركات اليهودي في صبر وأناة حتى إذا تأكدت من تمكنها من إصابته ارتدت خمارها وأمسكت بقضيب شقت به رأس اليهودي ثم فصلتها عن جسده وصعدت لتلقيها على باقي أصحابه من أعلى الحصن فخافوا وفروا، ثم دعت حسان بن ثابت- رضي الله عنه- ليجرد اليهودي من الغنائم فقد منعها حياؤها من أن تفعل.. هكذا تجتمع في المرأة المسلمة القوة والحياء، لا تفقد رباطة جأشها أمام الشدائد ولكن دون أن تنس أنها امرأة.


على النهج تمضي الرواحل

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الناس كإبل مائة قلما تجد فيها راحلة".. حقًا الناس كالإبل كثيري العدد والنوع واللون، ولكن لا تجد منهم مَن يصلح لصحبة الطريق وتحمل مشاقه وأهواله سوى أقل القليل، وبعد ثلاثة عشر قرنًا ونصف شهد التاريخ ممن يحملون صفات الرواحل إمامًا ومجددًا وقائدًا أحيا نهج النبوة وأجج روح الأمة وروى شجرة الدعوة بدمائه لتثمر آلافًا بل ملايينًا ممن يحملون صفات الرواحل؛ إنه الإمام الشهيدحسن البنا الذي أسس جماعة الإخوان المسلمين عام 1348 هجريًا 1928 ميلاديًا، ولأنه أعلن شعار دعوته "الله غايتنا، الرسول زعيمنا، القرآن دستورنا، الجهاد سبيلنا، الموت في سبيل الله أسمى أمانينا".. فقد سار على خطى النبي- صلى الله عليه وسلم- في رسم مسار المرأة المسلمة ودورها في تحمل أعباء الدعوة وتبعاتها.


قسم الأخوات المسلمات نشأةً وتاريخًا

لبيبة.jpg

في ليلة 17 من شهر رمضان المبارك 1348 هجريًّا وتفاؤلاً منه بذكرى غزوة بدر افتتح الإمام الشهيد حسن البنا أول مسجد للإخوان المسلمين بالإسماعيلية ثم تبعه ببناء مدرسة فوقه سميت معهد حراء الإسلامي، وبعد استقرار العمل بها أنشأ الإمام الشهيد مدرسة مماثلة للفتيات سُميت باسم "مدرسة أمهات المؤمنين"، وبعد ازدهار العمل بهذه المدرسة قرر الإمام إنشاء قسم للأخوات المسلمات أطلق عليه فرقة الأخوات المسلمات، وقد تألف هذا القسم من نساء الإخوان وبناتهن وقريباتهن، وصدرت أول لائحة له في غرة المحرم 1352هجريًّا- 26 أبريل1932 ميلاديًّا والتي نصت على:

  • (أ) الغرض من تكوين هذه الفرقة: التمسك بالآداب الإسلامية والدعوة إلى الفضيلة وبيان أضرار الخرافات الشائعة بين المسلمات.
  • (ب) وسائل الفرقة: الدروس والمحاضرات في المجتمعات الخاصة بالسيدات والنصح الشخصي والكتابة والنشر.
  • (ج) نظام الفرقة:

 

1- تعتبر عضوًا في الفرقة كل مسلمة تود العمل على مبادئها وتقسم قسمها وهو على عهد الله وميثاقه أن أتمسك بآداب الإسلام وأن أدعو إلى الفضيلة ما استطعت.
2- رئيس الفرقة هو المرشد العام لجمعيات الإخوان المسلمين، وتتصل بأعضائها وكيلة عنه تكون صلة بينهن وبينه.
3- كل أعضاء الفرقة ومنهن الوكيلة أخوات في الدرجة والمبدأ وتوزع الأعمال التي تستدعي تحقيق الفكرة عليهن كل فيما يخصه
4- يعقد أعضاء الفرقة اجتماعًا أسبوعيًّا خاصًا بهن يدون فيه ما قُمن به من أعمال خلال الأسبوع الماضي وما يرونه في الأسبوع الآتي، وفي حالة ما إذا كثر عدد الأعضاء يصح أن يقتصر هذا الاجتماع على المكلفات بالأعمال منهن.
5- تحصل اشتراكات مالية شهرية حسب القدرة، وتحفظ في عهدة إحدى الأخوات للإنفاق منها على مشروعات الفرقة.
6- يصح تعميم هذا النظام في غير الإسماعيلية في حدود هذه اللائحة
7- يعمل بهذه اللائحة بمجرد التصديق عليها من أعضاء الفرقة التأسيسية والتوقيع منهن بما يفيد ذلك.

 

وفي الخامس عشر من ذي القعدة في العام نفسه وبعد انتقال إدارة جماعة الإخوان المسلمين إلى القاهرة تكونت فرقة الأخوات المسلمات بالقاهرة، واختيرت السيدة الفاضلة "لبيبة أحمد" رئيسة لها، ولفرق الأخوات بكل من الإسماعيلية وبور سعيد والتي اقتضت ظروفها أن تقيم بأرض الحجاز مما أصاب عمل الأخوات بشيء من الفتور مما أدَّى إلى تكوين أول لجنة تنفيذية للأخوات المسلمات في 12 ربيع الآخر 1363 هجريًّا- 14 أبريل1944م لتنهض بالعمل من جديد، وقد اتخذ القسم مقرًا له في 17 شارع سنجر الخازن بالحلمية الجديدة، وقد شكلت اللجنة من 12 عضوة هن:

 

 

  1. رئيسة لجنة الإرشاد للأخوات المسلمات: آمال عشماوي زوج لمستشار (منير الدله).
  2. الوكيلة: فاطمة عبد الهادي زوج الشهيد (يوسف هواش).
  3. أمينة الصندوق: أمينة علي زوج الأستاذ (محمود الجوهري).
  4. السكرتيرة الأولى: فاطمة توفيق.
  5. السكرتيرة الثانية: منيرة محمد نصر .
  6. واعظ: زينب عبد المجيد : زوج الشيخ (عبد اللطيف الشعشاعي).
  7. واعظ : فاطمة البدري
  8. هانم صالح
  9. سنية الوشاحي زوج الأستاذ (عبد الحليم الوشاحي)
  10. فاطمة عبيد الشهيرة (بأم أحمد)
  11. زهرة السنانيري أخت الشهيد (كمال السنانيري)
  12. محاسن بدر

وبعد اتساع نشاط الأخوات المسلمات داخل وخارج مصر كان لابد له من لائحة جديدة تنظم العمل المتزايد باطراد فكانت اللائحة التالية:

  • 1- المساهمة في المشروعات الاجتماعية النافعة بالقدر الذي يتناسب مع ظروفهن وجهودهن وفي محيطهن، مثل المستوصفات ودور الطفولة ورعاية الأيتام والمدارس وتنظيم مساعدة الأسر الفقيرة.... ولازالت بعض هذه المؤسسات التي أقامها وتولى إدارتها قسم الأخوات المسلمات موجود حتى اليوم مثل دار التربية الإسلامية للفتاة بشارع بستان الفاضل بالمنيرة.
  • 2- المشاركة في حدود ظروف الأخوات وجهودهن في تحقيق البرنامج الإصلاحي الأساسي لهيئة الإخوان المسلمين العامة.

وفي الثاني من صفر 1371 هجريًّا- 2 نوفمبر1951 ميلاديًّا بلغ عدد شعب الأخوات وفروعها بمصر 150 شعبة، ومن ثم أعيد اعتماد اللائحة وزيد عليها:

  • 1- يحسن كلما أمكن ذلك أن يكون مقر شعب الأخوات ودروسهن هو دور شعب الإخوان أو بيوتهم أو المساجد التي يشرفون عليها شريطة إخلائها من إخوان كلما كان هناك درس أو اجتماع للأخوات.
  • 2- يسند الإشراف على هذا القسم للمرشد العام للإخوان المسلمين رأسًا، ولفضيلته أن ينتدب من الإخوان العاملين سكرتير اتصال لتنظيم الأعمال الإدارية بالقسم، وتتصل الهيئة العامة بالمركز العامللإخوان المسلمين عن طريق السكرتير الذي انتدبه فضيلة المرشد بالأخوات عن طريق الشعب، وقد تم اختيار الأستاذ محمود الجوهري رحمه الله سكرتيرًا عامًا لقسم الأخوات المسلمات منذ عام 1944م وحتى بدأت أزمة الإخوان مع عبد الناصر تعصف بالجماعة تنظيمًا وعملاً.


الإمام البنا وقسم الأخوات المسلمات

حظي قسم الأخوات المسلمات بالكثير من اهتمام الإمام الشهيدحسن البنا بدءًا من اهتمامه بتربية قياداته والمسئولات عنه بنفسه فكان يعطي لستة منهن درسًا أسبوعيًا خاصًا يتناول فيه العديد من الأمور التربوية والعقائدية والعامة، ولم يقف اهتمام الإمام الفطن عند هذا الحد، وإنما سعى بفكر ناضج وتخطيط واعي لتكوين كوادر نسائية في صفوف الأخوات المسلمات تحظى بنوع خاص من التربية لتكون الطليعة القيادية في مجتمع المرأة المسلمة، ويستطعن التعبير عن الإسلام وتمثيله في المحافل المختلفة بصورة مشرفة، ومن ثم أمر الأستاذ محمود الجوهري بجمع الأخوات الجامعيات والمثقفات وتحديد موعد خاص لهن في مدرسة أمير الصعيد بالسيدة زينب، وراح الإمام الشهيد يلقي على هؤلاء الأخوات اللائي بلغ عددهن 120 أختًا درسًا أسبوعيًا لمدة عام كامل بدأه بالعقيدة ثم تلاه بالعديد من أمور الدين والدنيا.


تألق في المنشط والمكره

اتسع نشاط الأخوات المسلمات وتألق في الشدة والرخاء على السواء وتنوعت مجالاته لتشمل العمل الدعوي والاجتماعي، فضلاً عن مواقفهن السياسية ودورهن في فترات المحن، فعلى صعيد العمل الدعوي فقد تعددت فروع وشعب الأخوات المسلمات بالقطر المصري كله، وبلغت دعوتهم العديد من القرى والمدن الصغيرة، ومن ثم تم تكوين لجنة من الأخوات المسئولات عن القسم لتقوم بزيارة هذه الفروع والشعب بشكل دوري لإلقاء المحاضرات التي تشرح دعوة الإخوان المسلمين وللوقف على مدى نشاط الشعب ومتابعة العمل بها، وقد زارت هذه اللجنة العديد من شعب الأخوات في جميع أنحاء مصر من وجه بحري، وحتى أقصى الصعيد وتتكون هذه اللجنة من الأخواتزينب الشعشاعي، فاطمة عبد الهادي، أمينة علي، وفي 30 محرم 1365 - 4 يناير1946م أقام قسم الأخوات حفلاً بمناسبة ذكرى هجرة النبي- صلى الله عليه وسلم- بدار المركز العام للإخوان المسلمين بالحلمية، وكان يومًا مشهودًا؛ حيث ازدحمت الدار بالمدعوات والمشاركات، أما العمل الاجتماعي فقد تعددت مشاركات قسم الأخوات به بصورة كبيرة مثل إنشاء مدرسة اليتيمات (دار التربية الإسلامية للفتاة)، وكانت ناظرتها الأخت فاطمة عبد الهادي ورئيسة مجلس إدارتها الأخت آمال عشماوي.

كما قمن بافتتاح مستوصفًا بإمبابة عام 1954م اقتصر العمل فيه على المتطوعين، وكان من بينهم د/ أحمد الملط -رحمه الله- فضلاً عن لإقامة وتنظيم المعارض الخيرية سنويًا داخل وخارج مصر فقد أعلنت الأخت سعاد الجيار سكرتيرة الأخوات المسلمات بنيويورك عام 1948م عن فتح اكتتاب عام لإنشاء مقبرة، خاصةً بالمسلمين في أمريكا وإنشاء مدرسة لتعليم الأطفال اللغة العربية والدين الإسلامي، وفي مجال العمل السياسي فقد كان لقسم الأخوات مواقف صلبة وحاسمة ضد الاحتلال وأعوانه حيث نشرت مجلة الإخوان المسلمين في عددها الصادر في 5 مارس1946م احتجاج قسم الأخوات موجهًا اللوم إلى المندوب السامي البريطاني بالقاهرة على اعتداء جنوده على المصريين الآمنين، وكذلك بعد قرار حل الإخوان المسلمين سلم الإمام الشهيد مجموعة من الأخوات مذكرة تفند مبررات الحل، وقمن بالطواف بها على مكاتب الوزراء ومجلس النواب ومجلس الشيوخ والقصر الملكي ورئاسة الوزراء، ومن بين هؤلاء الوزراء أحد الوزراء السعديين الذي كان يكن كراهية شديدة للإخوان، ويُدعى علي أيوب، وعندما رأى العريضة هاج وثار وهدد الأخوات اللائي أجبنه في ثبات" "هذا ما نسلمه لك هو رأي الإخوان قبلته أم لم تقبله"، وانصرفن من عنده متجهات إلى القصر الملكي بعابدين لتبليغ العريضة للملك، ومن بين هذه اللجنة الأخوات أمينة علي، فاطمة عبد الهادي، زينب عبد المجيد، فاطمة توفيق.

ولم يتوقف دور الأخوات عند هذا الحد بل تألق أداؤهن أكثر في فترات المحن التي تعرض لها الإخوان بدءًا من قضيتي السيارة الجيب والأوكار عام 1948م ومرورًا بما تلى ذلك من محن يشيب لها الولدان في العهد الناصري، فمنذ محنة 1948 قام قسم الأخوات بتشكيل لجنتين أولهما تقوم عليها الأخت زهرة السنانيري، ويساعدها عدد من الأخوات ومهمتها إعداد الطعام والملابس للإخوان بالسجون، وذلك عن طريق استئجار شقة قريبة من السجن يتواجد بها يوميًا أختين أو ثلاثة يقمن على إعداد الطعام والأدوية وغسل الملابس وتنظيفها، والثانية مهمتها زيارة أسر الإخوان المسجونين بصفة مستمرة، وتقديم كل ما تحتاجه هذه الأسر ماديًا وأدبيًا، خاصة الفقراء منهم، بالإضافة إلى تقديم الشكاوى والتظلمات والاحتجاجات إلى الجهات المسئولة عن الظلم الفادح الواقع على الإخوان والأخوات وأسرهم.


قسم الأخوات بعد أحداث 1954م

رغم معاناة الإخوان المسلمين منذ حرب 1948 وحتى قيام الثورة من اعتقال وحل للجماعة واغتيال لمرشدها إلا أن كيان الجماعة وهيكلها ظل صامدًا صلبًا، وبقي العمل مستمرًا، ولكن ما حدث منذ أزمة 1954م، وما مارسه النظام الناصري من بطش كان بمثابة محاولة لإبادة هذه الجماعة من على وجه الأرض فلم يبق من أبنائها خارج السجون سوى النساء حتى هؤلاء طالتهم يد البغي فيما سُمي بعد ذلك بالجهاز التمويلي وإبان أزمة 1965م فزج بالأخوات في السجون والمعتقلات، ولكن كما يقول الله عز وجل في كتابه العزيز ﴿لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَ أَذًى﴾ (آل عمران: من الآية 111) فقد بقيت هذه الدعوة في قلوب أبنائها رجالاً ونساءً، وبالرغم من عدم وجود عمل تنظيمي إلا أن العلاقات الفردية وبعض الممارسات الدعوية، خاصة الاهتمام بأسر الإخوان المعتقلين ورعايتهم، بقيت مستمرة تقوم بها مجموعة من الأخوات المسلمات بصورة فردية وتلقائية... وطبعًا في الخفاء.... حتى جاءت فترة السبعينات والتي مثلت بروز جيل جديد من الأخوات المسلمات مازال حتى الآن يمثل رافدًا رئيسيًّا هو وما تلاه من أجيال من روافد العمل الدعوي الإسلامي بوجه عام وجماعة الإخوان المسلمين بوجه خاص.