د. محمد صبحي رضوان

مقدمة :

تمر علينا هذه الأيام ذكرى استشهاد الإمام البنا مؤسس جماعة الأخوان المسلمين رحمه الله ( 12-2-1949م ) وحري بنا ألا تمر هذه الذكرى دون وقفة مع ما تركه الإمام البنا للإخوان خاصة وللمسلمين بشكل عام .

وأحسب أن كل من تعرف على سيرته ودقق في أحواله يدرك انه كان مهتما على وجه الخصوص ببناء الرجال قبل تأليف الكتب , حيث يعد الأثر المكتوب الذي تركه قليلا إذا قورن بما تركه من رجال حملوا الدعوة وجابوا غمار الحياة وواجهوا خلالها لهيب الفتن العاصفات فما وهنوا في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا ,  ويكاد يتفق الجميع ( أخوان وغيرهم ) بأن سفينة الدعوة المباركة بدأت هذه الأيام ترسوا على شاطئ الأمل الذي كان يعتبره البعض بعيدا بل دربا من دروب الخيال وأسال الله جل في علاه أن ترسوا وهي محملة بالخير الكثير لمصر وللعالم قاطبة .

وأود أن أطوف مع الأحبة القراء حول الأثر المكتوب الذي تركه لنا الإمام المؤسس .

فالإمام المؤسس اعتمد في كتابته وتجربته على الفقه المتمكن والدراية الجيدة بالمجتمع والتجربة الميدانية التي كانت نموذجا عمليا لهذا الفقه وتلك الدراية ( زار أكثر من 3000 قرية ).

 كما امتاز أسلوبه في الكتابة  بسلاسة العرض وسهولة العبارة وتقديم الدليل الشرعي و إيثار الناحية العملية والتدرج في الخطوات والبعد عن الخلاف وأخيرا الإيمان العميق بشمول الإسلام وصلاحيته لحل جميع المشكلات .

محاور الفكرة التي تبناها الإمام البنا  :

1- مشروع النهضة طويل لا يدخل فيه العنف

2- النخبة تحتاج إلى الأمة لإنجاز المشروع الإسلامي

3- تقدم النخبة يجب أن يتواكب مع تقدم الأمة

4- إيثار العمل السلمي

5- البعد عن العنف والصدام

الرسائل :

وليسمح لي  القراء الأفاضل أن أتناول  أحد الآثار المكتوبة التي تركها لنا الأستاذ البنا وهي ( مجموعة الرسائل ) فالعدد الاجمالى الذي وصلنا نحو ( 20 ) رسالة ويمكن تقسيمها إلى :

أولا : مجموعة حسب الارتباط بالتاريخ :

- مرحلة التكوين الأولى     (1928-1932) وهي تمثل  الحركة في الإسماعيلية                  

- مرحلة التكوين الثانية    (أكتوبر 1932 -1936) وهي تمثل الدعوة في القاهرة                      

(دعوتنا- إلى اى شئ ندعو الناس- هل نحن قوم عمليون)

- مرحلة التبليغ     (1936- 1939 )  (إلى الشباب- إلى الطلاب- دعوتنا في طور جديد )

-  مرحلة العمل السياسي  ( 1939 -1942)

 (المؤتمر الخامس- تحت راية القرآن- مشكلاتنا- بين الأمس واليوم – المؤتمر السادس )

- مرحلة الممارسة العملية (1942-1946) (التعاليم – نحو النور)

- مرحلة الكفاح من أجل التحرير والجهاد في فلسطين 1946- 1952(الجهاد)

ثانيا : مجموعة حسب الارتباط بمنهج التغيير :

 - عرض واضح ومتكامل لما رآه الإمام (طريق للنهضة) :

( رسائل   بين الأمس واليوم ، والمؤتمر الخامس ، والمؤتمر السادس ، ونحو النور )

- الهيكل الأساسي لهذا الطريق ( الدعوة ) :

(رسائل دعوتنا، وإلى أي شيء ندعو الناس ، والإخوان تحت راية القرآن ، والتعاليم )

- تقديم النموذج العملي لهذا المشروع ( الدولة ) :

( هل نحن قوم عمليون ؟ ، ومشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي )

رسالة التعاليم :

- هذا ما يتعلق بالرسائل بوجه عام أما على وجه الخصوص فلا أجد أفضل من المرور السريع على رسالة التعاليم والتي تعتبر من أنضج آثار الإمام الشهيد وهى تمثل أفضل اجتهاداته الفكرية  , و تنقسم إلى قسمين    ( أركان البيعة وواجبات الأخ المسلم ) . ومن قراءتي لهذه الأركان العشرة أحسست أن الإمام الشهيد يريد أن يوصل مفهوماً خاصاً  لأصحاب الدعوة وفي نفس الوقت لم يغفل المفهوم العام الذي يمكن استنباطه من وراء كل ركن من الأركان والذي يفيد عامة المسلمين.

- وهذه الرسالة رسمت معالم الطريق لأجيال كثيرة قادمة ولا نبالغ إذا قلنا  بل للعالم الإسلامي كله . فهي تهدف إلى البناء الداخلي للصف لأنها : تحدد ضوابط الفهم وتضع دعائم التربية  كما تضبط أصول التحرك .

- فالرسالة تضع الفهم العام الذي يسع الجميع والمناخ الصحيح الذي يتحرك فيه الجميع فأركانها : متوازنة وتؤدي بعضها إلى بعض كما تمثل التقويم الذاتي للفرد و تختبر عند الفتن وهي بمثابة الدستور النظامي للجماعة .

كما أنها احتوت على :

- أصول راسخة للفهم ( ركن الفهم وأصوله العشرين )

- مراتب مطلوبة للعمل ( ركن العمل )

- مقومات للشخصية المسلمة القادرة علي السير والاستمرار ( الإخلاص- الجهاد –التضحية- الأخوة – التجرد –الثقة – الطاعة – الثبات )

- وواجبات تخدم كل ما سبق وتنشاه في نقس الوقت  (واجبات الأخ العامل)

 ولذا فمنهجية تناول كل ركن  يحسن أن تراعي ما يلي :

- متن الركن .

- معنى الركن بشكل عام .

- المعنى الخاص الذي يريد الإمام توصيله لأصحاب الدعوة  .

- العوامل المعينة على تحقيق هذا الركن .

- عواقب التقصير أو التفريط في هذا الركن .

- نماذج عملية من السلف والتابعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين لمن تحقق فيهم هذا الركن .

وأتمنى أن تكون الكلمات السابقة دافعة ومحفزة للقارئ العزيز للاطلاع بشكل أوسع وأشمل على فكر هذا الرجل .

كما أسأل الله جل في علاه له الرحمة والمغفرة وأن يجزيه أجر جهده ويجمعنا معه في مستقر رحمته مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا .