أد / محمد بديع

الحمد لله حمدًا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على إمامنا وقدوتنا وزعيمنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وبعد..

عندما نتحدث عن شخصيات عظيمة مؤثرة وفاعلة في أمتها وقضاياها، وسطرت بأحرف من نور وبمداد الذهب جهادها لله ولنصرة دينه ودعوته وضحت في سبيل ذلك؛ لا نملك إلا أن نتذكر قول الله تعالى: (مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ ومِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ومَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23)) (الأحزاب).

كما لا نجد حرجًا من الثناء على السابقين من أهل الفضل والدعوة الصادقة إلى الله؛ الذين نرى فيهم من قدوات صالحة وهمم عالية وجهاد متواصل وعمل دءوب وخلق جمّ وعلم غزير، وفيهم وفي أمثالهم قال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)) (فصلت).

ففي هذا بيان لفضلهم وعطائهم وبذلهم، وفي ذات الوقت دعوة للاقتداء بهم وبجهدهم الوافر على طريق الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله.

ونحسب أن أخانا الكريم المستشار عبد الله العقيل من هذا الصنف من الرجال، ولا نزكي على الله أحدًا، وما شهدنا إلا بما علمنا.

فلقد عرفناه عالمًا موسوعيًّا ومؤرخًا أريبًا في تاريخ الحركات والشخصيات الإسلامية المعاصرة عمومًا، وفي تاريخ جماعة الإخوان المسلمين وأحداثها وشخصياتها على وجه الخصوص.

ومن أبرز مؤلفاته في هذا الخصوص كتابه القيم الوافي: (من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة) الذي قدَّم فيه ترجمةً رائعةً ومميزةً ودقيقةً لأكثر من مائة من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية والجهاد والتربية، في العالمين العربي والإسلامي في العصر الحديث، وعرَّف بفضلهم الأجيال الصاعدة  التي لم تسعد بصحبتهم، وهو ما حدا بالناشرين لترجمته بعدة لغات.

فلقد أرَّخ لهذا الجيل الفريد من الرعيل الأول للإخوان المسلمين؛ الذين رحلوا عن الدنيا بعد أن سطَّروا صفحاتٍ من نور في البذل والعطاء نصرةً لدينهم ووطنهم، كما أرَّخ كذلك لغيرهم من رموز العمل الإسلامي في مشارق الأرض ومغاربها، ممن كانوا مصابيح نور وهداية للعالمين بإذن الله تعالى.

ولقد حوى هذا الكتاب الموسوعي جهدًا ضخمًا وعملاً دءوبًا، تمثل في تأريخ دقيق لمرحلة من أهم مراحل الدعوة الإسلامية، وتبيان واضح لدور رجالاتها في نشر الدعوة والثبات عليها بشهادات معاصريهم؛ لذا يعدُّ هذا الجهد المشكور توثيقًا لهذه المرحلة يصعب مضاهاته، فجزى الله شيخنا خير الجزاء على هذا الجهد الموفور.

ولقد عرفنا شيخنا الكريم المستشار عبد الله العقيل ثابتًا في دعوته، عاملاً على نصرة دينه، واعيًا ومدركًا لطبيعة دعوته وعصره في آنٍ واحد، فكانت كتابته المتنوعة عميقة الأثر والمغزى ومستشرفةً لآفاق المستقبل ودالةً على طريق الحق وصدق فيه القول المأثور: "رحم الله امرأً عرف زمانه واستقامت طريقته".

عرفناه إلفًا مألوفًا ذا ابتسامة عذبة، تؤلف القلوب حوله، وفيًّا لدعوته وإخوانه، متمثلاً لما وصى به الإمام الشهيد حسن البنا من صفات الأخ المسلم؛ فكان هو؛ علمًا وخلقًا وسلوكًا وواقعًا.

عرفناه عالي الهمة دائم الأسفار، مهتمًّا بشئون الإسلام والمسلمين، داعمًا للدعوة باذرًا لبذور الخير في كل قطر من الأقطار التي زارها لتشهد له بالخير يوم القيامة إن شاء الله، مذللاً للعقبات والمشكلات، ناشرًا لدينه ودعوته، مضحيًا في سبيلهما بكل ما يملك.

عرفناه منكِرًا لذاته، متجردًا لله في أعماله، برغم كل ما يبذله من علم وجهد ومال وصحة، مبتغيًا رضا الله العلي المتعال.

عرفناه مهتمًّا بقضايا وطنه، وبخاصةٍ فلسطين الحبيبة والمسجد الأقصى الأسير- حرره الله عاجلاً غير آجل- فقد وهب لها كل إمكاناته، معلنًا في كل محفل أن عدوان الاحتلال الصهيوني على فلسطين والمسجد الأقصى؛ هو عدوان على الأمتين العربية والإسلامية. مبيناً لحقيقة الصراع مع الصهاينة وموحداً الجهود وشاحذاً للهمم لنصرة قضية أمتنا المحورية.

عرفناه رمزًا للدعوة أينما حلَّ أو ارتحل وعلَمًا من أعلامها وأديبًا من أدبائها ومؤرخًا فذًّا من مؤرخيها يشار إليه بالبنان.

عرفناه حسن الخلق عالي الهمة، حليمًا متواضعًا متوازنًا، راجح العقل، سديد الفكر، عميق الأثر، خفيف الظل، سريع البديهة، ينطبق عليه قول القائل: "من آتاه الله علمًا وزهدًا وتواضعًا وحسن خلق؛ فهو إمام المتقين".

عرفناه فاهمًا واعيًا ومخلصًا أمينًا لفكر الإخوان المسلمين علمًا وعملاً، مضحيًا في سبيلها داعمًا لها، مفنِّدًا للشبهات المثارة حولها، ناشرًا للفكرة، موحدًا للأمة.

بارك الله لك أبا مصطفى في هذا التاريخ المشرف الذي عرفناه عنك، واثقين أن ما بينك وبين الله تعالى أضعاف ذلك، فهنيئًا لك هذا الجهد وذلك الجهاد، سائلاً المولى عز وجل أن يرفع به درجاتك ويثقل به ميزانك ويعلي به منزلتك في الدنيا والآخرة، وأن يبارك لك في أهلك وولدك ومالك وعلمك ، وأن يجمعنا وإياك في صحبة الحبيب المصطفى، صلى الله عليه وسلم، في أعلى عليِّين، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والله أكبر ولله الحمد.