د/ محمد زويل
المبادرة لفظٌ جميل، ومعنى عظيم توحي بالجديةَّ، وتشعر بالعزيمة، وتنبئ عن علوّ همة تدعو إلى الإسهام في مجالات الخير كلها.
وهى تعني المبادأة في صناعة الحدث " كن الأول " وبالتالي التحكم فيه بما يحقق هدفك الشخصي وبذلك تكون المبادرة هي تحدي للنفس وللظروف والإمكانات وبالتالي الوصول إلي التميز .
والمبادرة في اللغة هي المسارعة إلى الشيء كما قيل في لسان العرب . وهي تعنى "الإيجابية" بمعنى أن يكون للإنسان دور في الحياة ودور في خدمة البلاد والعباد؛ فالحياة لا تعترف بالإنسان الخامل الذي لا قيمة له ولا أثر "إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ".
إن المبادرة هي أم العادات ـ كما قال ستيفن كوفي ـ فمن خلالها ينطلق المرء صانعا عالمه الذي يريد رؤيته ومعايشته . المبادرة تجعلك تثق بقدرتك على إحداث التغيير الذي تريده . يجعلك تعيش الحياة مستشعرا أنك أنت صانعها ، ولست رقما على هامشها. المبادرة تجعلك تواجه الحياة مملوء بالثقة والعزيمة والايجابية ، لا تلقي باللوم على الظروف ، ولا تبرر فشلك بقلة حيلتك. تعيش حياتك كما تريد أنت لا كما يراد لك ، لا يؤثر في سلوكك إن كانت السماء صافية ، أم ملبدة بالغيوم ، فالأحداث المتغيرة لا تغير في قرارك، ولا تزعزع في سلوكك . ولا تتردد في أمورك. تجعلك دائما فعل ولست رد فعل". ACTION NOT REACTION ".
ولأن الحياة ليست وردية ، فإن الشخص المبادر قد يفاجأ بأحداث تطرق باب حياته بلا موعد سابق ، لكن تعامله مع تلك الأحداث يكون بوعي وحنكة ومعتمدا على قيمة ومبدأ بداخله . فلا تهتز وتضطرب إذا ما عراك حادث مفاجئ ، ولا يسقط في يدك إذا أتت الرياح بما لا تشتهي أو عكس ما تريد . لا يُفتح باب حياتك إلا بأمرك ، ولا تحني كاهلك للظروف والأحداث المفاجأة . تدرك أن القلق والسلبية وقلة الحيلة لا تسكن إلا في قلب مهيأ لها ..! أو كما يقول المثل الصيني ( قد لا تستطيع منع طيور الحزن من أن ترفرف فوق رأسك ، لكنك تستطيع أن تمنعها من أن تسكن في وجدانك). والعجيب أن يكون مثل هذا السلوك في الحيوان فلقد ضربت "نملة سليمان: مثلا للمبادرة وأثرها في استنقاذ أمة بأكملها من الهلاك، كان يمكن لهذه النملة أن تذهب وحدها بعيدا فتنقذ نفسها ولكنها آثرت أن يكون لها دور في إنقاذ أمتها من النمل فنبهتهم واستنقذتهم. وكذلك" هدهد سليمان "كان له الفضل في استنقاذ مملكة سبإ كلها من الشرك إلى الإيمان والتوحيد وهذه ثمرة للمبادرة.
كيف تنمي روح المبادرة لديك هذه هي الخطوات :
1- ابق دائما في حالة يقظة ونشاط ذهني وجسمي قدر الإمكان .
2- حدد الأشياء التي لابد من إنجازها وقم بتنفيذها دون أي تردد .
3- اسبق الآخرين بخطوة واحدة في التفكير والحركة .
4- أكثر من التوقع من خلال التفكير المسبق في إطار " ماذا سيحدث لو ..؟ "
5- استثمر الأفكار الجديدة الواعدة والخطط أفضل استثمار .
6- ابحث عن المهام الصعبة وتحدي فيها نفسك واقبلها طواعية .
7- قم بتنفيذ الاقتراحات القيمة التي يقدمها الآخرون لك.
8- أطلق لخيالك العنان للوصول إلى أفكار جديدة لحل المشاكل .
9- استخدم كل المصادر المتاحة لديك من خلال أكثر الطرق كفاءة وفاعلية .
10- تحل دائما بالمرونة الكافية بحيث تتمكن من التكيف مع المواقف المتغيرة .
موانع المبادرة ؟
1- الميل إلى الدعة والراحة : المبادرة تستتبع مسؤولية ، والشخص المبادر شخص مسئول يعرف واجباته وحقوقه جيدا ، ولأن البشر بشكل عام ـ يبحثون عن الراحة ويهربوا من التبعات والمسؤوليات لذا نرى أن المبادرين قليلون في هذه الحياة .
2- عدم وجود هدف واضح في الحياة : مميزات وجود هدف لكِ في الحياة أنه يجعلك دائما في حالة مقارنة داخلية حول (هل هذا الأمر في صالح هدفي أم يتعارض معه؟) مما يساعدك كثيرا في اتخاذ قرار حازم وآني .
3- التعود على الإتكالية : والاعتماد على الآخرين في صناعة الأحداث وتشكيل الحياة ورسم مستقبلنا .
4- عدم التعود على اتخاذ القرار: فالشخص الذي تعود على تنفيذ الأوامر والانصياع لها ، يجد صعوبة كبيرة في اتخاذ القرارات لاسيما المهمة منها .
5- ثقافة المجتمع الذي نحيا فيه : المجتمع الذي يؤمن بأن الباب الذي يأتي منه الريح أغلقه وأستريح ، ويرى أن ما نعرفه ولو كان سيئا أفضل مما لا نعرفه ، شعب جدير في أن يزرع في أبنائه صفات السلبية ويحطم فيهم نوازع المبادرة .
6- عدم معرفة الشخص بإمكاناته : واستهانته بقدراته على فعل الشيء الحسن الجيد يحطم من قدرته على المبادرة ويحبطها.
ولم تكن المبادرة يوما قصراً على القادة فقط بل شملت كل الناس، ولم تكن خاصةً بالكبار بل شارك فيها الشباب، ولم يتخل الضعفاء المعذورون بل شاركوا الأقوياء. ولم تكن قصراً على الرجال بل كان للمرأة نصيبُها من المبادرة، وإن مجتمعاً يُشارك جميع أفراده بالمبادرات الخيرة لمجتمعٌ خليق بالتقدير والبقاء .