04/07/2011

د. محمد عبد الرحمن

 بعض مبادئ دعوة الإخوان المسلمين وضوابطها:

إن الدعوة التي بدأها الإمام الشهيد وأسس بها جماعة الإخوان المسلمين، لم يأت فيها بجديد، وإنما أحيا أمرًا نساه وغفل عنه كثير من الناس، ونادى بالعودة والتمسك العملي بالإسلام والقرآن، وبتحقيق أهداف الأمة الإسلامية ورسالتها في الأرض، ولم تكن كلماته وتوجيهاته وخطواته إلا ترجمة وشرحًا لهذه المبادئ والقواعد الإسلامية.

ولم يكن الإمام الشهيد في دعوته ردَّ فعل لحدث أو ظروف ومناخ، ولكنه في الأصل والأساس انطلاقًا من الواجب الإسلامي، كان الباعث لنشأة الدعوة يتمثل في "الاعتقاد الجازم بأن رضا الله– سبحانه وتعالى– وبراءة ذمتنا يوم العرض عليه، توجب علينا العمل الجماعي لأداء تكاليف الشريعة عامة، ولإعلاء كلمة الله تبارك وتعالى خاصة وفق الفهم الصحيح الشامل للإسلام (والذي عبرت عنه رسالة التعاليم عمومًا، وركن الفهم منها على وجه الخصوص).

 وينبني على هذا الباعث أن تكون جميع ممارساتنا الجماعية نابعة من المنطلق التعبدي، وأن يكون العمل الجماعي- وكذلك الجماعة– ليست غاية ولا وسيلة، ولكنها فريضة، وأن الحاجة إلى الجماعة تظل قائمة ما دام التكليف الشرعي الباعث على إنشائها لم ينتفِ.

وبهذا يمكن تلخيص الرسالة التي تسعى الجماعة لتحقيقها– كما وضحها الإمام الشهيد "العمل على أن تكون كلمة الله هي العليا، بأن تسود قيم وأحكام الإسلام وشرائعه في ربوع العالم ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾ (الأنفال: من الآية 39)، وذلك:

 أ- بالنهوض بالأمة الإسلامية لتتبوأ مكانة أستاذية العالم، وتقوم بواجب الشهادة على العالمين ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ (البقرة: من الآية 143).

 ب- وبالتعاون فيما بيننا على القيام بالتكاليف والواجبات الشرعية المناطة بنا، ويتمثل هذا في الأهداف التالية:

1- تكوين الفرد المسلم

2- والبيت المسلم

3- والمجتمع المسلم

4- وتحرير الوطن من كلِّ سلطان أجنبي

5- وإصلاح الحكومة حتى تكون إسلامية بحق

6- وإعادة الكيان الدولي العالمي للأمة الإسلامية بتحرير أوطانها، وتحقيق الوحدة المنشودة، وإقامة الخلافة المفقودة، واسترداد الديار السليبة.

7- وأستاذية العالم بنشر دعوة الإسلام في ربوعه(1).

 لقد اهتم الإمام الشهيد ببناء الجانب العقائدي، والفهم الصحيح، وتربية الأفراد، واعتبر أن ذلك أساس الإصلاح الذي ينطلق منه إلى كل جوانب الإصلاح المطلوبة، وكان يقول: "إذا وجد المؤمن الصحيح وجدت معه أسباب النجاح" وكذلك صبغ دعوته وأقامها على هذه السمات الإسلامية:

 (1) أنها إسلامية صميمة،على الإسلام تعتمد، ومنه تستمد(2).

 "إن دعوة الإخوان المسلمين دعوة مبدأ"(3).

 (2) الاهتمام بتربية الفرد وإصلاح حاله، فهو ركيزة الإصلاح، وأن يتسع هذا ليشمل تكوين الجيل المسلم الذي يكون أساس الدولة الإسلامية.

 (3) أهمية إيقاظ الأمة وتربية المجتمع، وصبغه بالصبغة الإسلامية في أخلاقياته وسلوكه وعرفه العام.

 (4) أن يعرف هذا الشعب حقوقه، وكيف يطالب بها، وكيف يحافظ عليها، فلا يخدعه أي حاكم، وهذه هي الضمانة الأساسية لعدم انحراف الحاكم حتى ولو كان الذي يحكم هو الإخوان المسلمون.

 (5) عالمية الدعوة، "والإخوان المسلمون لا يختصون بهذه الدعوة قطرًا دون قطر من الأقطار الإسلامية، ولكنهم يرسلونها صيحة يرجون أن تصل إلى آذان القادة والزعماء في كلِّ قطر يدين أبناؤه بدين الإسلام"(4).

 (6) شمولية التصور للإسلام، وشمولية العمل والإحاطة به في جميع المجالات.

 (7) استخدام الوسائل السلمية في الدعوة والنضال الدستوري والكفاح السياسي، والبعد عن العنف وإراقة الدماء.

 (8) التعاون مع قوة الأمة جميعًا الساعية للإصلاح، وفق المبدأ "نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيها".

 وليس من مبادئ الإخوان احتكار العمل والمناشط في مجال الإصلاح، بل يرحبون بكلِّ جهد، ويحفظون لكلِّ ذي فضل فضله.

 (9) أنها تهدف إلى الأمرين معًا:

أ- الإصلاح الجزئي والمشاركة في أعمال الخير والبر العامة.

ب- الإصلاح الكلي الشامل ليتحقق به الأهداف الإسلامية الكبرى، وهذا يحتاج أن تتعاون عليه الأمة جميعًا وأن تنهض به.

 (10) عدم التمحور حول رأي فقهي فرعي أو مذهب معين، بل هي تسع الجميع: "إن دعوة الإخوان المسلمين دعوة عامة لا تنتسب إلى طائفة خاصة ولا تنحاز إلى رأي عُرف عند الناس بلون خاص ومستلزمات وتوابع خاصة، وهي تتوجه إلى صميم الدين ولبه"(5).

 هذه بعض المبادئ والسمات لدعوة الإخوان، ومن أراد المزيد نحيلهم إلى رسائل الإمام الشهيد، والكتابات التي شرحت الكثير منها.

 إن ميدان العمل المطلوب واسع جدًّا والفجوة المطلوب اجتيازها في إصلاح حال الأمة كبيرة، واتساع مساحة الأمة الإسلامية شاسعة ممتدة، وبالتالي لا يستطيع فريق أن يحتكر التواجد والعمل ويلغي الآخرين، لكن يسعى الجميع للتنسيق والتعاون وفق قواسم مشتركة، ويحتفظ كل فصيل بشخصيته ورؤيته الخاصة، ما دام ليس فيها هجوم على أصل الدين أو مصلحة الوطن الأساسية.

 أما اللجوء للتنازع وهجوم كل فصيل على الآخر فهذا لا يؤدي للإصلاح، وعلى الجميع أن يركز على العمل الإيجابي، فميدان الجهاد فيه متسع للجميع، كما قال الإمام الشهيد بل وألزم الإخوان ألا تلتفت لهذه العرقلة أو ذلك الهجوم عليها من غيرها، واعتبر أن ذلك كفاحًا سلبيًّا لا تتورط فيه الجماعة، ولا ترد على أصحابه بالمثل.

 إن التصور المتكامل للعمل للإسلام للإصلاح وتحقيق رسالة الأمة بلا شك هو التصور الأكثر صوابًا والمحقق لآمال الأمة؛ حيث يكون الفهم الشامل الصحيح للإسلام هو منطلقه، وتكون الأهداف العامة التي يسعى إليها شاملة لكل الجوانب، وأن تكون ضوابطه ووسائله وميدان عمله معبرة عن هذا الشمول مكافئة للواقع والتحدي الذي يواجهه، وضمن إطار الشرع وأحكامه، وأن يراعى التدرج وسنن التغيير والتمكين.. إلخ، كل ذلك يعطينا وصفًا ونموذجًا للعمل الجماعي الذي نتوحد على أساسه، لكن يبقى ذلك وصفًا وادعاءً حتى تأتي سنة الله في الاختبار والابتلاء والتمحيص ومعيار الزمن في الاستمرار والتواصل لتحكم على ذلك التجمع أو غيره بأنه جدير بهذا النموذج الذي يحمل الدعوة ويتحرك بها.

 لقد أكدت دورة التاريخ وما مرت به جماعة الإخوان من ابتلاءات، فأكدت مدى صدق الجماعة واستمرارها وثباتها جيلاً بعد جيل، حتى أصبحت هي المشروع الرائد على ساحة الأمة الإسلامية كلها، تعمل وفق مبادئها وأهدافها لإيقاظ الأمة وإنهاضها؛ لتقود معها هذه المهمة، وتحقق الرسالة المنشودة.

 وأما مستوى التطبيق لهذه المبادئ والرؤية العملية الشاملة فهو موكول للجهد البشري، ولا يدعي أحد الكمال أو العصمة أو القداسة، والمرجعية هي للإسلام وأحكامه، وكل إنسان يؤخذ من كلامه ويترك إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم، ولا يقف الإنسان أمام حالة فردية يحكم بها ويترك مسار الجماعة وواقعها العملي عبر عشرات السنين وما تحملته من محن، وما قدمته من عمل وإنجاز.

_________
الحواشي:

(1) منهج الإصلاح والتغيير عند جماعة الإخوان المسلمين، للمؤلف، ص19، 20.

(2) رسالة إجتماع رؤساء المناطق.

(3) رسالة دعوتنا.

(4) رسالة إلى أي شيء ندعو الناس صـ47.

(5) رسالة دعوتنا صـ25.

----------------
* عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين.

* تنويه: يدخل ضمن سلسلة: "المفاهيم الإسلامية في مجال الدعوة" تحت الطبع.