لقد كانت المملكة العربية السعودية عبارة عن قبائل وكل قبيلة تنشر نفوذها على مناطق معينة، وفي هذا الجو ظهر الشيخ محمد بن عبدالوهاب والذي ولد عام 1703م وتوفي عام 1791م وأسس الحركة الوهابية والتي رعاها محمد بن سعود، وهكذا التقت السلطة الدنية والتي تحميها قوة السلطان.
وعندما جاء عبدالعزيز آل سعود ووحد هذه الممالك عام 1926م تبني الفكر الوهابي في بلده، وكانت تعرف البلاد بالحجاز حتى اطلق عليها رسميا اسم المملكة العربية السعودية عام 1932م، وكانت العلاقة بين مصر والسعودية في ذلك الوقت متوترة خاصة بعد حادث المحمل الذي أراد كل ملك سواء الملك السعودي أو الملك فؤاد الأول أن تكون له اليد الطولى عليه.
ويعد أول اتصال بين جماعة الإخوان والسعودية حينما اتصل الأستاذ محب الدين الخطيب بالإمام الشهيد وعرض عليه السفر للعمل كمدرس في المعاهد السعودية، وكان ذلك في نوفمبر 1928م بالإمام البنا للسفر إلى المملكة السعودية للتدريس فيها، إلا أن الموضوع لم يتم بسبب عدم اعتراف الحكومة المصرية بحكومة السعودية في ذلك الوقت تحت ضغط من إنجلترا.
وبعد نشأة الجماعة وانتقالها للقاهرة وضعت الجماعة لائحة الحج لتنظم هذه الزيارات والهدف منها، والتي اعتمدها مجلس الشورى العام الثالث للإخوان المسلمين المنعقد في القاهرة بتاريخ 12 من ذي الحجة 1353هـ الموافق 17 من مارس 1935م، وقد حرص الإمام البنا على أداء فريضة الحج، ودعا الإخوان لأدائها سنة 1354هـ / 1936 م فلبى دعوته على الفور مائة من الإخوان المسلمين كان منهم ثماني عشرة امرأة، وأعلن مكتب الإرشاد أن الإمام البنا سيغادر القاهرة يوم الأحد ظهرًا، وقد اهتمت جريدة أم القرى كبرى الجرائد السعودية في عددها الصادر يوم 14 مارس 1936م بحج الإمام البنا وصحبه فنشرت تحت عنوان: "على الرحب والسعة" تقول: "وصل على الباخرة كوثر التي أقلت الفوج الأخير من الحجاج المصريين كثير من الشخصيات المصرية المحترمة لم تسعفنا الظروف بالتعرف إليهم إلا بعد صدور العدد الماضي وإنا نذكر منهم الأستاذ الكبير حسن البنا المرشد العام لجمعية الإخوان المسلمين، ومدرس بالحكومة المصرية، والشيخ حامد عسكرية واعظ مركز شبين الكوم ومن علماء الأزهر، والشيخ عبد الله سليم بدوي رئيس مدرسة أولية، ونائب الإخوان المسلمين بأبي صوير، وإبراهيم يوسف أفندي ، وأحمد محمد عطية أفندي وهما من المدرسين بالحكومة المصرية، ومحمد سالم أفندي كاتب بمصلحة الري بالقناطر الخيرية، والحاج محمد إبراهيم مندوب الإخوان المسلمين بالمرج، والحاج محمد الخضراوي مقاول بالقاهرة، ولبيب سيد أحمد أفندي كاتب أول مركز طوخ، وعلي صالح أفندي بمستشفى الرمد بمصر وجميع هؤلاء أعضاء في جمعية الإخوان المسلمين.
ولقد قال الأستاذ محمود عبدالحليم عن هذه الرحلة: "أولاً: ذكر الأستاذ المرشد أن همه كله كان منصبًا على الالتقاء بوفود المسلمين من مختلف الطبقات من كل بلد إسلامي في العالم، والتحدث معهم، ودراسة أحوالهم، ومناقشة مشاكلهم، والتعرف على مستواهم الحضاري والثقافي والديني، ومعرفة مدى تسلط المستعمر على بلادهم، ومستوى فهمهم للإسلام وعلاقته بالحياة.
وكان الملك عبدالعزيز يعقد مؤتمرا للوفود التي جاءت للحج كل عام في مؤتمر حافل، وقد علم الإخوان بموعد هذا المؤتمر وبمكانه الذي سينعقد فيه، فأعد الإمام البنا نفسه والإخوان المائة في هيئة موحدة هي الجلباب الأبيض والطاقية البيضاء.. وفي الموعد المحدد فوجئ علية القوم المجتمعون بمائة رجل في هذه الهيئة يخطون خطوة واحدة يتوسط الصف الأول منهم رجل منهم هو المرشد العام.. فكان هذا حدثًا مثيرًا للالتفات.. ودخل هؤلاء فاتخذوا أماكنهم في نهاية الجالسين، وبدأ المؤتمر بكلمة ترحيب من مندوب الملك.
ثم قام مندوب من كل بلد إسلامي فتكلم بلغة بلاده، فألقيت عشرات الخطب بعشرات اللغات ومنها العربية التي ألقى بها الدكتور هيكل وأمثاله ممثلو الدول العربية.. وقد لاحظ الإمام البنا أن الحاضرين يبدو على وجوههم السأم، وغلب على أكثرهم النوم.. وقد ناقش هذه الظاهرة مع نفسه فوجد أن السأم والنوم أمر تمليه الطبيعة البشرية فما دام السامع لا يفهم ما يقال -وهو لا يستطيع أن يغادر المؤتمر- فمن حقه أن يسأم، وأن يستسلم للنوم، وصبر حتى انقضت الساعات الطوال التي استغرقها المندوبون في إلقاء الخطب واستغرقها الحاضرون في النوم، حينئذ أعلن مندوب الملك انتهاء المؤتمر، وأصبح مسموحًا لمن شاء من الحاضرين أن يتقدم بملاحظاته إن كان له ملاحظات.. فطلب الإمام البنا الكلمة واعتلى المنصة وارتجل كلمة كانت أطول كلمة ألقيت، وكانت الكلمة الوحيدة التي أيقظت الحاضرين، وقوبلت بالإعجاب، واهتزت لها المشاعر، وبعثت في المؤتمر جوًّا من الحيوية الدافقة، وما كاد ينهي كلمته حتى أقبلت عليه جميع الوفود تعانقه، وتشد على يديه، وتعاهده وتطلب التعرف عليه وعلى من معه، وتفتح قلوبها للفكرة التي تضمنتها كلمته".
ثم كانت رحلة الحج عام 1945م والتي وصلت جدة يوم السبت 5 من ذي الحجة 1364هـ الموافق 10 من نوفمبر 1945م، وقد أقامت بعثة الإخوان المسلمين حفلاً بفندق بنك مصر بمكة المكرمة، ودعت علية القوم من الوزراء وكبار رجال الأعمال بمكة والقائمين بشئونها الحكومية والتجارية والعملية، ودعت إليه مبعوثي الأقطار الإسلامية كالهند وفلسطينوالمغرب والشام، ولبنان، وشرف الحفل صاحب السمو الملكي الأمير منصور، والأمير عبد الله الفيصل نيابة عن جلالة الملك عبدالعزيز، واحتشدت جموع الحجيج بعد خروجهم من صلاة العشاء في عرض الميدان يستمعون إلى ما يلقى من كلمات وخطب.
وأشرف على تنظيم الحفل بعثة الإخوان بالاشتراك مع شباب مكة، ولا شك أن ذلك أعطى فرصة كبيرة للتعارف والتآلف بين الإخوان المسلمين وأهالي مكة والحجاز خاصة، ووفود الحجيج من البلدان الإسلامية عامة مما يساعد على انتشار الدعوة.
كما انتهز الإخوان فرصة تواجد علماء البلاد الإسلامية المختلفة، فاجتمعوا بهم ورفعوا إلى الحكومة العربية السعودية مذكرة تطالب بإصلاح أمور المناسك، وطريقة استضافة وفود الحجيج، والاهتمام بعمارة الحرمين الشريفين وتنظيمها وتنظيفها خاصة سقيا الحجيج من زمزم، ووضع مكبرات للصوت إلى غير ذلك من الإصلاحات.
كذلك قامت بعثة الإخوان بزيارة إلى مدرسة العلوم الشرعية، ومكتبات المدينة المنورة، وأقامت احتفالاً بالهجرة في المنزل الذي ينزله الإخوان بالمدينة.
ومن الأحداث التي اهتم بها الإخوان زيارة الملك فاروق إلى المملكة العربية السعودية، واجتماعه مع الملك عبد العزيز، حيث استغل الإخوان ذلك ودعوا إلى الوحدة العربية، وأكدوا أن من وسائل تدعيمها إقامة الجامعة العربية، وأن يقف العالم العربي متحدًا متساندًا في مطالبته بالحرية والاستقلال.
كما قامت جوالة الإخوان بقيادة الأستاذ سعد الدين الوليلي باستقبال الملك عبدالعزيز آل سعود وقت زيارته مصر، حيث زار الإسكندرية وأنشاص والزعفران والمحلة الكبرى.
ولقد استضاف الإخوان السيد حسن أحمد حسنين مندوب الحكومة السعودية للدعاية للحج في دار الإخوان المسلمين، حيث ألقى محاضرة بعنوان: "وحي الحج"، ثم أجرى الإخوان معه حديثًا عن شعور الحجاز نحو محنة فلسطين، فذكر أمورًا تؤكد وقوف المملكة بجوار فلسطين الشقيقة في محنتها.
وكما كان الإخوان يمدحون حكومة السعودية على أفعالها الحسنة في خدمة الإسلام والأمة فقد انتقد الإخوان بعض التصرفات مثل استعانة المملكة برءوس أموال وخبرات أجنبية لإصلاح قبلتهم، وإنشاء بعض الخدمات في المملكة، ورفضهم إنشاء شركات عربية للتنقيب عن البترول وغيره.
يقول الأستاذ جمعة أمين عبدالعزيز -كما جاء في مجلة الإخوان المسلمون الأسبوعية بتاريخ سبتمبر 1945م- قوله: ومع ذلك لم يكن للإخوان شعبة، ولا يعني هذا عدم وجود أفراد تنتمي إلى الدعوة، فقد كان من السعوديين أفراد ينتمون لدعوة الإخوان من أمثال الشاعر أحمد محمد جمال الذي أوكل إليه الإخوان كتابة رسالة الحجاز، وهي صفحة من مجلة الإخوان المسلمون في الأربعينيات خصصت للحديث عن الأرض المقدسة وما يأمله الإخوان تجاهها، وكان يوقع عليها باسمه في أول الأمر، ثم أصبح يوقع بعد ذلك بكنيته "ابن محمد"، وقد كان بعض الحجازيين يتحمسون لما يقوم به الإخوان من أعمال، ويعلنون انتسابهم لدعوتهم، كما حدث من السيد عبد الرحمن المدني مدير مدرسة التهذيب بالمدينة المنورة، وكان الإخوان يرحبون به على صفحات جرائدهم، لكنه بقي شعورًا فياضًا، وعاطفة متدفقة وحسب.
كما عقد المركز العام للإخوان المسلمين يوم الثلاثاء الموافق 28 رجب 1366هـ -27 يونيه 1947م مؤتمرًا إسلاميًا جامعًا بمناسبة ذكرى الإسراء والمعراج ودعا إليه ممثلي الهيئات الإسلامية وكبار الشخصيات العربية والشرقية وكان يحضر عن المملكة العربية السعودية السيد سعد المقي وأسعد الفاسي.
وفي رحلة الحج التي كانت في نوفمبر عام 1946م الموافق ذو الحجة 1365ه أقام الملك عبد العزيز آل سعود الاحتفالات ومآدب الطعام لكبار الحجاج ودعا فيها الإخوان المسلمين ومرشدهم بدعوة خاصة، وتحدث الملك مع الإمام البنا حول قضية فلسطين وكيفية حلها, فقال له الإمام البنا: أنه لا يفضل تدخل الدول العربية بجيوش منظمة, بل يجب مساعدة القبائل الفلسطينية فى حرب العصابات وإمدادهم بالسلاح, وقد سر الملك بذلك الرأي, كما أقام أخو الملك مأدبة عشاء للإخوان , وقد لبت البعثة الدعوة.
كما أقامت بعثة الحج للإخوان المسلمين حفل شاي فى فندق بنك مصر بمكة المكرمة حضره الأمراء وكبار رجال الحكومة والحجاج البارزين من مختلف البلاد.
ولم تقتصر العلاقة على ذلك بل ساهم قسم الطلبة في مصر في ذلك فقد عقد مؤتمرا جامعا للطلبة الشرقيين بمختلف الكليات والمعاهد يوم 1/5/1947م حيث تحدث الاستاذ عز الدين إبراهيم مرحبا بأبناء العروبة والإسلام, ثم أعقبه السيد عبد العليم الإسلامية بالهند, ثم تلاه الأستاذ أحمد علي المبارك عضو البعثة العربية السعودية.
يقول الأستاذ محسن محمد: وفي رحلة الحج الأخيرة للامام البنا والتي كانت في سبتمبر من عام 1948م حاول الحزب السعدي اغتيال الأستاذ البنا خارج مصرخاصة في السعودية أثناء تأديته رحلة الحج ولكن الحكومة السعودية استشعرت ذلك فأنزلت المرشد العام ضيفًا عليها وأحاطت مقره بحراسة شديدة وقدمت إليه سيارة خاصة بها جندي مسلح لمنع الاعتداء عليه، وعاد حسن البنا في 28 من نوفمبر 1948م.
وأثناء فترة المستشار حسن الهضيبي قام في يونيو عام 1954م بزيارة للسعودية حيث أكرم الملك عبدالعزيز وفادته وزوده بطائرة لنقله للشام.
ولد زاد نشاط الإخوان في السعودية بشكل واضح في فترة حكم الملك فيصل بن عبد العزيز ملك السعودية في الفترة بين (1964 - 1975)، خاصة حينما حكم عبدالناصر على الشهيد سيد قطب ورفاقه بالإعدام شنقا، حيث حاول الملك فيصل التدخل لدى عبد الناصر لتخفيف الحكم غير أن عبد الناصر تجاوز عن ذلك واعدمسيد قطب ورفاقه، وفي ذلك أمر الملك فيصل بطباعة مؤلفات الشهيد سيد قطب على نطاق واسع.
وبعد خروج الإخوان من السجون سافر كثير منهم للعمل بالسعودية وهناك كانوا القدوة الحسنة للناس.
ولا يعرف على وجه الدقة عدد المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين في السعودية، كما أنه لايوجد لديهم مايسمى "المراقب العام للجماعة" كما في الأردن وسورياوغيرها.
ومن أبرز الشخصيات التي عملت الشيخ مناع خليل القطان (الذي أصبح فيما بعد الأب الروحي للإخوان في المملكة)، والشيخ عشماوي سليمان، ومصطفى العالم.. وعبد العظيم لقمة وغيرهم.
لكن كما ذكرنا يوجد تنظيم بالشكل المعروف في السعودية بسبب طبيعة البلاد التي انتهجت المنهج الوهابي والذي استند إلى السلطة منذ نشأته، وإن كان البعض يحاول أن يثير الزوبعة حول بعض الشخصيات الحالية ككونهم من الإخوان
"كل من كتب عن الإخوان في السعودية من الإخوان أنفسهم، ومن بينهم الشيخ يوسف القرضاوي، يؤكدون فيما كتبوه أن الإخوان في مصر عندما جاءوا إلى السعودية في الخمسينات والستينات من القرن العشرين، كان لهم تنظيمهم الخاص، وأن مناع خليل القطان كان على رأس هذا التنظيم، بل أكد بعضهم في كتاباتهم أن قيادات التنظيم عندما جاءوا إلى السعودية اتخذوا قرارا وكانوا متمسكين به، بعدم العمل التنظيمي بين السعوديين على الإطلاق، وذكر بعضهم أن دواعي العمل التنظيمي في مصر لم تكن قائمة في السعودية ولا حاجة لها، وأن ما أقيم التنظيم من أجل تحقيقه فيمصر قائم ومتحقق في السعودية، يبقى بعد ذلك التأثر الفكري وهذا أمر طبيعي، فحركة بحجم الإخوان منتشرة في المنطقة وكتبها موجودة، وشخصياتها منتشرة وإعلامها منتشر، من الطبيعي أن يحصل هناك تأثير وتأثر، حتى الكتابات المنصفة تؤكد أن الثقافة الدينية المحلية في السعودية بعد اتصالها بالإخوان أثرت فيهم، في مصر وغيرمصر، وحدث على ضوء ذلك عدد من المراجعات في فكر الإخوان. هذا أمر طبيعي، فإذا وجد في أرض الحرمين من اعتنق الفكر الماركسي، والفكر القومي، والفكر الليبرالي والفكر الحداثي، أفلا يمكن أن يوجد من يعتنق الفكر الإسلامي أيا كان هذا الفكر. ولكن مرة أخرى أوضح أن وجود الإخوان في السعودية والجهات الرسمية تعلم ذلك، بين السعوديين هو تيار فكري يؤثر ويتأثر، ولا يستطيع أحد أن يقدم دليلا على أنه نشأ تنظيم خاص بالسعوديين على شاكلة التنظيمات في الدول الأخرى ومرتبطة بها تنظيميا، لا لعدم جواز قيام التنظيمات، بل لعدم الحاجة لقيامه.