يحيي الأتراك هذه الأيام الذكرى 742 لوفاة كبير المتصوفين في العالم الإسلامي، جلال الدين الرومي، المعروف بـ”مولانا”.

حيث تشهد مدينة قونية، وسط تركيا، كل عام احتفالات كبيرة تمتد لعشرة أيام إحياءً لذكرى وفاة الرومي، وتعرف هذه الاحتفالات باسم “شبِ عروس” أي ليلة العرس بالفارسية، والتي كان ينتظرها الرومي ليعود إلى الذات الإلهية وفق منظور صوفي.

ويتوافد على قونية كل عام للمشاركة في هذه الاحتفالات قرابة مليوني وافد، ويزورون مقام الرومي الذي يشتمل على قبور أبنائه ومريديه، وفي إحدى الزوايا التي يوجد فيها هذا المقام يجلس العديد ممن يطلق عليهم “الدراويش”، في حالة تصوف، ويحضر إلى المقام زوار من جميع الطبقات والفئات الاجتماعية والثقافية والعمرية، وتبدأ الزيارات من 7 كانون الأول/ديسمبر، وحتى 17، من الشهر نفسه

ويقرأ الزوار تراتيل صوفية بمرافقة عزف على “الناي”، وتختم بحفل كبير يشتمل على “شب عروس”، ويطلق عليها “ليلة العرس” باللغة الفارسية، ويقرأ فيها “المثنوي”، الرومي “المولوية”.

هذا ويعد طقس “دراويش المولوية” واحدا من المعالم السياحية الأكثر إثارة للاهتمام في العالم، ويتكون من مشهد فيه إتقان للدوران. وتعود أصول دراويش المولوية في قونية إلى موطن جلال الدين الرومي، الذي يبشر بالحب والتسامح والغفران.

ويطلق على الحفل اسم “سما”، ويأخذ مكانا في المساء من خلال تقليد معقّد من الرقصات الصوفية التي تقسم إلى سبعة أجزاء، وتشتمل على أربع حركات موسيقية متميزة، وأصوات من الفلوت القصب المرافقة الموسيقية التي تواجهها تقريبا، إضافة إلى الدوران حول النفس من قبل الدراويش.

وجلال الدين الرومي هو محمد بن محمد بن حسين بهاء الدين البلخي ولد عام 1207م، في منطقة بلخ في أفغانستان، أديب وفقيه ومنظِّر وقانوني صوفي.

أصوله فارسية واشتهر بالرومي كونه قضى حياته في الأناضول -بلاد الروم- عند الروم السلاجقة– “تركيا الحالية“.

وقد تأثر كثيرا بصاحبه المقرب وأستاذه الروحي، الشاعر الفارسي شمس التبريزي، الذي عاش معه أربعين سنة في بيت واحد في قونية التركية.

خلّف جلال الدين العديد من الآثار النثرية والشعرية، النثرية هي “المجالس السبعة” وموضوعها مواعظ وخطب، كتبها قبل أن يعتنق الصوفية فكرا وعملا، وكتاب “فيه ما فيه” ويحتوي أحاديث ومحاضرات ألقاها على تلاميذه ومريديه، ثم مجموعة رسائل كتبها إلى أقاربه وأصدقائه، أما الشعرية فتمثل الجانب الأهم من إبداعه، وله ديوان أكثر قصائده غزليات صوفية كتبت بالتركية والعربية واليونانية والفارسية، وهناك الرباعيات التي تعد محور اهتمام الدارسين فضلا عن ديوانه الأشهر “المثنوي” ويقابل ذلك النظم المسمّى بالمزدوج بالعربية.

وبسبب انتماء الرومي إلى الحضارة الإسلامية، فإنّه يجد اللغة العربية لغته الحضارية، وبرغم أن لغته الأدبية هي الفارسية، فقد حاول أن يجسّد ذلك الانتماء في نثر وشعر عربيّين نجدهما في آثاره المختلفة، وليس من الغريب أن ينشد شاعر كالرومي أشعارا باللغة العربية، لأنّه كان متفقّها في القرآن متفهّما معانيه دارسا ومفسّرا، علاوة على تفقّهه في الحديث.

وبعد وفاته أسس أتباعه وابنه سلطان “الطريقة المولوية” الصوفية والتي اشتهرت بدراويشها ورقصهم الروحاني الدواري -المولوي- على أنغام موسيقية وأشعار كتبها جلال الدين الرومي.

وافت المنية جلال الدين الرومي في -672 هـ،1273م- عن عمر ناهز نحو سبعين عاما، ودُفن في ضريحه المعروف في قونية بتركيا، وقد كُتب على الضريح مقطع شعريّ يخاطب به زوّاره قائلا:

يا من تبحث عن مرقدنا بعد شدِّ الرحال
قبرنا يا هذا في صدور العارفين من الرجال
ما أسعد تلك اللحظة حين نجلس في الإيوان، أنا وأنت!
نبدو نقشين وصورتين، ولكننا روح واحدة، أنا وأنت!
إن لون البستان وشَدْو الطيور يَهَبُنا ماءَ الحياة
في تلك اللحظة التي نذهب فيها إلى البستان، أنا وأنت!
وتُقبِل نجومُ الفلك رانيةً إلينا بأبصارها
فنجلو القمرَ نفسَه لتلك الأفلاك، أنا وأنت!
أنا وأنت، من دون أنا وأنت، نبلغ بالذوق غاية الاتحاد
فنسعد ونستريح من خرافات الفرقة إلا أنا وأنت.

تجدر الإشارة إلى أن منظمة اليونسكو احتفلت عام 2007 بالذكرى الـ800 لولادته، واعتبرت 2007 عامَه، لما تميّزت به أشعاره وفلسفته من قيم التسامح والمحبّة بين بني البشر