في تشريح دقيق لواقع الحياة السياسية والاجتماعية في مصر، أطلق الكاتب والمفكر الدكتور عمار علي حسن صرخة تحذيرية حول مآلات الوضع الراهن، واصفاً الحريات الفردية بأنها "مجروحة"، بينما الحريات العامة "غائبة تماماً".
جاء ذلك خلال ندوة فكرية عقدها اتحاد الكتاب، تحولت إلى مرافعة فكرية دافع فيها حسن عن الحرية ليس كحق سياسي فحسب، بل كشرط وجودي لا يستقيم بدونه الإبداع أو الإنتاج أو حتى المعنى الإنساني للحياة.
حديث حسن لم يكن مجرد تنظير أكاديمي، بل جاء اشتباكاً مباشراً مع السردية الرسمية التي تضع الأمن مقابل الحرية، والاستقرار مقابل الديمقراطية.
فقد فكك المفكر المصري هذه الثنائية، مؤكداً أن تغييب الحرية هو الذي يصنع الهشاشة، وأن المجتمع الحي هو القادر على تنظيم نفسه بنفسه، لا الذي يُساق بالخوف.
مفارقة "الحق الإلهي" و"الحظر السياسي"
انطلق عمار علي حسن من نقطة جوهرية تكشف تناقضاً صارخاً في بنية النظام العام، وهي التفرقة غير المفهومة بين الحرية الدينية والحرية السياسية.
فبينما يُقر المجتمع والدولة – نظرياً – بحق الإنسان في اختيار معتقده (وهو الحق الأخطر والأهم في الوجود الإنساني)، يتم في الوقت نفسه سلب المواطن حقه في اختيار من يمثله أو انتقاد سياسات حكومته.
اعتبر حسن هذا الوضع "غير مفهوم ولا يمكن استساغته"، متسائلاً عن المنطق الذي يمنح الفرد حرية العلاقة مع السماء، ثم يكبله في علاقته مع السلطة الأرضية.
وشدد على أن الحريات كلٌّ لا يتجزأ، وأن محاولة التعامل مع الحرية كـ"تَرَف" يمكن الاستغناء عنه أو تأجيله لصالح أولويات اقتصادية أو أمنية هو وهم كبير، لأن غياب الحرية يعني بالضرورة غياب الإبداع، وبالتالي تعطل ماكينة الإنتاج والتقدم التي تبحث عنها الدولة نفسها.
فالحرية، في نظره، ليست جائزة تُمنح للشعوب المتقدمة، بل هي "شرط أساسي" للوصول إلى هذا التقدم.
فزاعة "الفوضى".. الذريعة الأبدية للاستبداد
تصدى حسن لواحدة من أكثر الحجج شيوعاً لتبرير القمع، وهي "الخوف من الفوضى".
ورفض المفكر المصري قبول هذه المعادلة الصفرية التي تضع الشعوب بين خيارين: إما الاستبداد أو الانفلات. وأوضح أن الوقاية من الفوضى لا تكون بتكميم الأفواه أو منع التجمع والتنظيم، بل العكس هو الصحيح.
رأى حسن أن تنظيم المجتمع لنفسه عبر مؤسسات مدنية، ونقابات، وأحزاب، وهيئات تعبر عن مطالبه الحقيقية، هو الضمانة الوحيدة للاستقرار المستدام.
هذا التنظيم هو الذي يقطع الطريق على أي آثار سلبية قد تنتج عن ممارسة الحرية، ويخلق قنوات شرعية للتنفيس عن الغضب والتعبير عن الطموح.
أما كبت المجتمع ومنعه من الحركة الطبيعية، فهو الذي يراكم الضغوط التي قد تنفجر لاحقاً في أشكال غير مسؤولة.
الحرية، بحسب تعبيره، تمتلك آلية ذاتية للتصحيح؛ فهي "قادرة مع مرور الوقت على تدارك أخطائها وتفادي مثالبها"، والمجتمع يتعلم بالممارسة كيف يضبط إيقاع حريته، لا بالوصاية الأبوية من السلطة.
المجتمع الميت.. كلفة غياب السياسة
انتهى عمار علي حسن إلى نتيجة مفزعة حول أثر غياب الحريات العامة، مؤكداً أن هذا الغياب "يحرم المجتمع من عيش حقيقي". فالحياة ليست مجرد أكل وشرب، بل هي مشاركة فاعلة في صنع المصير العام.
وعندما تُصادر الحريات العامة (حق التنظيم، التعبير، التظاهر، الاختيار)، يتحول المواطنون إلى مجرد "سكان" يعيشون على هامش الأحداث، لا فاعلين فيها.
وأشار إلى أن استبعاد الحرية من المجال العام هو حكم بالإعدام على حيوية المجتمع.
فالمجتمعات لا تتقدم في ظل الصمت والخوف، بل تزدهر في مناخ يضمن الحرية ويحميها، حيث تتلاقح الأفكار، وتُصحح السياسات عبر النقد، ويشعر الفرد بمسؤوليته تجاه وطنه.
إن الحرية التي دافع عنها حسن في اتحاد الكتاب ليست ترفاً فكرياً للنخبة، بل هي الأكسجين الضروري لبقاء أي أمة حية وقادرة على مواجهة تحديات المستقبل.

