فوجئ سكان برج «لؤلؤة سموحة» بمنطقة سموحة في محافظة الإسكندرية، صباح الأحد 21 ديسمبر، بقطع مياه الشرب عن العقار، في خطوة اعتبرها الأهالي «ضغطًا إداريًا غير مشروع» يهدف إلى إجبارهم على إخلاء مساكنهم قسرًا، وذلك قبل يوم واحد فقط من نظر أولى جلسات الطعن القضائي على قرار نزع ملكية العقار.

 

وبحسب روايات السكان، نفذت عملية قطع المياه مجموعة من موظفي شركة مياه الإسكندرية، كان من بينهم رئيس مجلس إدارة الشركة نفسه، وبصحبتهم قوة أمنية من قسم شرطة سيدي جابر.

 

وأفاد الأهالي بأن القائمين على التنفيذ برروا الإجراء بصدوره تنفيذًا لقرار من رئيس مجلس الوزراء، غير أن السكان وممثليهم القانونيين يؤكدون أن ما جرى يمثل مخالفة صريحة للقانون، واستخدامًا للخدمات العامة كوسيلة ضغط لإجبار السكان على الإخلاء، تمهيدًا لتنفيذ مشروع استثماري لا تتوافر له – بحسب قولهم – صفة المنفعة العامة.

 

تصعيد تدريجي وقطع متتالٍ للمرافق

 

لم يكن قطع مياه الشرب الإجراء الأول في سلسلة الضغوط المفروضة على سكان العقار، إذ سبقه قطع خدمة الغاز الطبيعي، إلى جانب التلويح بقطع مرافق أخرى خلال الفترة المقبلة. 

 

ويرى السكان أن هذا التصعيد المتدرج يستهدف إنهاكهم ودفعهم إلى القبول بحلول بديلة وصفوها بـ«المجحفة»، بدلًا من انتظار الفصل القضائي في النزاع القائم.

 

ويأتي ذلك في سياق صراع ممتد منذ نحو ثلاث سنوات بين قاطني البرج من جهة، وشركة «سوليك» العقارية من جهة أخرى، وهي الشركة المالكة لمجمع سكني مسوّر (كمباوند) ملاصق للعقار، في حين تمتلك الهيئة الهندسية للقوات المسلحة بعض العقارات المجاورة.

 

ويقول الأهالي إنهم تعرضوا لضغوط متواصلة لإخلاء البرج مقابل تعويضات مالية «زهيدة»، أو الانتقال إلى وحدات سكنية بديلة في عقار آخر خارج نطاق الكمباوند، وهو ما قبله بعض السكان على مضض، بينما تمسك آخرون بحقهم في البقاء داخل منازلهم التي يملكونها بعقود قانونية.

 

جذور الأزمة وقرارات نزع الملكية

 

تعود جذور الأزمة إلى عام 2019، حين أصدر رئيس مجلس الوزراء القرار رقم 1820 باعتبار مشروع توسعة شارع النقل والهندسة (شارع 38 سابقًا) ليصبح بعرض 30 مترًا، كطريق عرضي من محور المحمودية، من أعمال المنفعة العامة، مع النص على الاستيلاء بطريق التنفيذ المباشر على الأراضي اللازمة لتنفيذ المشروع.

 

وجرى تجديد القرار في عام 2022، ثم مرة أخرى في عام 2025، استنادًا إلى التعديلات التشريعية التي جعلت مدة سريان قرارات المنفعة العامة ثلاث سنوات.

 

غير أن سكان البرج يشيرون إلى أن قانون نزع الملكية رقم 10 لسنة 1990 ينص بوضوح على سقوط قرار نزع الملكية إذا لم يتم تنفيذه خلال ثلاث سنوات، واعتباره كأن لم يكن.

 

وفي هذا الإطار، تقدم عدد من السكان بطعن على القرار الأصلي لنزع الملكية أمام محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية (الدائرة 54)، وحددت المحكمة جلسة 22 ديسمبر موعدًا لنظر الطعن لأول مرة، ما يجعل توقيت قطع المياه – قبل الجلسة بيوم واحد – موضع تساؤل وشبهة ضغط على المتقاضين.

 

ملكيات قانونية ومرافق مسددة

 

يؤكد الأهالي امتلاكهم مستندات رسمية تثبت ملكيتهم للوحدات السكنية داخل العقار، بعقود بيع قديمة تعود إلى عام 1999، تتضمن أرقام الوحدات والأدوار والنماذج وقيم البيع وطرق السداد.

 

كما يحتفظ السكان بإيصالات حديثة لسداد المرافق، من بينها فاتورة مياه عن شهر أغسطس 2025، وهو ما يطرح – بحسب قولهم – تساؤلات جدية حول الأساس القانوني لقطع خدمة أساسية عن مبنى مأهول بسكان ذوي صفة قانونية واضحة.

 

ويشير السكان كذلك إلى أن القرار صدر دون إجراء أي حوار مجتمعي مسبق مع المتضررين، بالمخالفة لما تقتضيه المعايير الدستورية والقانونية في مشروعات نزع الملكية، خاصة تلك التي تمس حق السكن والاستقرار الأسري.

 

توسعة محدودة أم نزع كامل؟

 

وفقًا لإفادات الأهالي، تبلغ المساحة الإجمالية للعقار نحو 240 مترًا مربعًا، في حين أن المساحة المطلوبة لتنفيذ مشروع التوسعة لا تتجاوز 100 متر مربع فقط، غير أن تنفيذ التوسعة الجزئية – بحسب خبراء هندسيين – قد يهدد السلامة الإنشائية للمبنى، ما يعني عمليًا نزع ملكية العقار بالكامل، وليس جزءًا منه فقط.

 

وفي هذا السياق، يشير السكان إلى وجود مخطط معلن – وفق ما هو منشور على موقع شركة «سوليك» العقارية – لإنشاء فندق سياحي في الموقع، وهو ما إن ثبت، فإنه ينفي صفة «المنفعة العامة» عن المشروع، ويحوّله إلى استثمار خاص على حساب حقوق السكان.

 

وتزداد الشكوك مع الإشارة إلى وجود كمباوند آخر تابع لشركة «الغنيمي» يقع على خط التنظيم ذاته، ما يعني أن تطبيق منطق التوسعة يجب – نظريًا – أن يشمل هدم منشآت أخرى أيضًا، وهو ما لا يبدو مطروحًا ضمن الخطة الحالية، الأمر الذي يثير شبهة الانتقائية والاستهداف في التطبيق.

 

بدائل أقل كلفة وتجاهل رسمي

 

يؤكد الأهالي وجود بدائل تخطيطية أقل كلفة اجتماعيًا وماديًا، مدعومة بخرائط وصور ميدانية، من بينها نزع «المثلث» المقابل للعمارة جنوب الشارع، وهو شارع داخلي خالٍ من السكان والإشغالات، وبقيمة نزع أقل بكثير من نزع ملكية عمارة مأهولة وما يترتب على ذلك من إخلاء قسري وضرر اجتماعي بالغ، إلا أن هذه البدائل – بحسب قولهم – لم تلقَ أي اهتمام من الجهات المعنية.