رصدت صحيفة "كابيتال" الإثيوبية، الصراع المحتدم بين مصر وإثيوبيا في الوقت الذي تقف فيه منطقة القرن الإفريقي على حافة فوضى متصاعدة، في خضم شبكة معقدة من الصراعات والنزاعات السياسية والتدخلات الخارجية.
وقالت، إنه "مع انغماس الصومال في الصراعات، واضطرابات السودان، وتأرجح جنوب السودان على شفا حرب شاملة، وانغماس اليمن في صراع طويل الأمد، تواجه المنطقة أزمة تهدد استقرارها ومستقبلها".
وشددت على الأهمية البالغة لدور إثيوبيا في هذا السياق المتقلب، مشيرة إلى أن كيفية تعاملها مع دفاعها الإقليمي، وانخراطها الدبلوماسي، وعلاقاتها الإقليمية ستشكل مستقبل السلام أو مزيدًا من زعزعة الاستقرار في القرن الإفريقي.
وأوضحت أن إثيوبيا تواجه وضعًا استراتيجيًا بالغ الحساسية، فهي أكبر دولة في المنطقة، وتتمتع بشعور تاريخي بالسيادة الإقليمية راسخ الجذور في هويتها الوطنية.
سد النهضة الإثيوبي
واعتبرت الصحيفة أن الافتتاح الرسمي لسد النهضة الإثيوبي لم يؤكد حق إثيوبيا في استغلال مواردها الطبيعية فحسب، بل أصبح أيضًا نقطة توتر في علاقاتها مع مصر.
ورأت أن الانتقادات اللاذعة التي وجهتها وزارة الخارجية الإثيوبية لمصر، منن خلال اتهام المسؤولين المصريين بـ"العقلية الاستعمارية" تبرز التوتر الكامن بين البلدين، وبالتالي، منطقة القرن الإفريقي عمومًا.
وقالت إن إثيوبيا تصور موقف مصر من نهر النيل على أنه راسخ في "عقلية الحقبة الاستعمارية" البالية، مما يعكس إصرار القاهرة على "الحقوق التاريخية" في النهر، الذي يمر عبر دول ذات سيادة متعددة.
فيما تؤكد إثيوبيا أن هذه العقلية تسعى إلى إبقاء جيرانها مجزئين وخاضعين، مما يُطيل أمد التخلف والصراع الإقليميين خدمةً لمصالح مصر، وفق الصحيفة.
صراع مباشر
يأتي هذا وسط مخاوف من أن يتحول الوضع إلى صراع مباشر، فالقرن الإفريقي يُمثل بالفعل برميل بارود، إذ تتيح الصراعات المتعددة المستمرة المجال للقوى الخارجية للتدخل، مما يُعقّد جهود السلام، بحسب ما حذرت الصحيفة.
لذا، حثت الصحيفة إثيوبيا على توخي الحذر، "فبينما يتعين عليها الدفاع بحزم عن حقوقها السيادية وسلامة أراضيها، لا يمكنها تحمّل تصعيد التوترات إلى حرب مع جيران مثل إريتريا أو مصر. فمثل هذه الحرب لن تؤدي إلا إلى تعميق عدم الاستقرار الإقليمي ولن تُسفر عن أي فائز".
بدلاً من ذلك، قالت إنه ينبغي على إثيوبيا اتباع نهج حازم ومدروس، يوازن بين الدفاع الإقليمي والدبلوماسية الاستباقية. وعليها أن تستغل نفوذ سد النهضة كرمز للفخر الوطني والتقدم، مع البقاء منفتحة على حوار صادق وشامل يحترم حقوق ومخاوف جميع دول حوض النيل.
ورأت الصحيفة أن تسهيل التقاسم العادل لمياه النيل أمرٌ أساسي، ليس فقط لتجنب الصراعات، بل أيضًا لتعزيز التعاون الإقليمي.
علاوة على ذلك، شددت على أنه يجب أن تتحلى إثيوبيا في تعاملها مع علاقاتها مع جيرانها بالصبر الاستراتيجي والواقعية. ولا ينبغي أن تتفاقم المظالم التاريخية والتنافسات السياسية لتتحول إلى صراع مفتوح.
وقالت إن تحديات إريتريا، والوضع السياسي الهش في المنطقة يتطلب من إثيوبيا تجنب أي عدوان غير ضروري، والتركيز بدلاً من ذلك على بناء تدابير بناء الثقة ومنع المواجهات المسلحة.
الجهات الخارجية
وأشارت إلى أن دور الجهات الفاعلة الخارجية لا يقل أهمية، "فتدخل قوى عالمية كالولايات المتحدة والصين وروسيا والاتحاد الأوروبي يمكن أن يؤثر على مسار القرن الإفريقي، إيجابًا أو سلبًا".
وأوضحت أنه "غالبًا ما تسعى هذه القوى إلى تحقيق مصالحها متسترةً بذريعة الاستقرار الإقليمي، لكن تدخلاتها قد تُؤجج التوترات المحلية أو تُفاقم الانقسامات".
ولتحقيق الاستقرار في المنطقة، حثت الصحيفة الأطراف الخارجية على أن أن تعمل كوسطاء محايدين، يدعمون الحوار والتعاون القائم على المنفعة المتبادلة والاحترام المتبادل.
وشددت على أهمية أن تركز جهودها على حل النزاعات، وتطوير البنية التحتية، والتكامل الاقتصادي، بدلاً من استعراض القوة أو الصراعات بالوكالة.
وقالت الصحيفة: "بالنسبة لإثيوبيا وجيرانها، ينبغي السعي إلى إقامة شراكات مع هذه القوى العالمية بحذر، مع مراعاة السيادة الوطنية، لتجنب أن تصبح أدوات في صراعات جيوسياسية أوسع".
الحفاظ على السلام
ورأت أن قدرة إثيوبيا على الحفاظ على السلام مع ترسيخ مكانتها كقوة إقليمية أمرٌ بالغ الأهمية ليس فقط لمستقبلها، بل لمنطقة القرن الإفريقي ككل. فإذا صمدت إثيوبيا في الدفاع عن حقوقها الإقليمية والتنموية دون إشعال فتيل حروب جديدة، فإنها ستصبح قوة استقرار في خضم الاضطرابات الإقليمية.
وقالت إن هذا من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن السيادة والتقدم يمكن أن يتعايشا مع السلام والدبلوماسية التعاونية.
وفي ضوء هذا، ذكرت الصحيفة أن مستقبل منطقة القرن الإفريقي يتوقف على الخيارات الاستراتيجية لإثيوبيا: اختيار مسار الحزم المسؤول، وإعطاء الأولوية للحوار على الصراع؛ ومقاومة نهج الحقبة الاستعمارية للهيمنة على الموارد الطبيعية؛ وتشجيع التعاون الإقليمي الشامل مع إدارة التدخل الخارجي بحذر.
وفيما تتوقع بأنه قد ينزلق القرن الإفريقي إما إلى فوضى أعمق، أو يتجه نحو أفق جديد من الاستقرار والرخاء المشترك، قالت الصحيفة: "سيكون موقف إثيوبيا في الأشهر والسنوات القادمة محوريًا. يجب أن تظل يقظةً ودبلوماسيةً في آنٍ واحد، قويةً ومتزنة، تدافع عن أرضها وحقوقها دون إشعال فتيل الحرب".
وحذرت من أن "عدم القيام بذلك يُهدد باستمرار دوامة صراع ستُغرق ليس إثيوبيا فحسب، بل المنطقة الهشة بأكملها. إن فرصة السلام في متناول اليد، لكنها تتطلب شجاعةً وحكمةً وضبطًا استراتيجيًا من جميع دول القرن الإفريقي، وعلى رأسها إثيوبيا، حجر الزاوية في المنطقة".
https://capitalethiopia.com/2025/12/07/steering-the-horn-of-africa-away-from-chaos/

