شهدت جولة الإعادة في 19 دائرة فردية بانتخابات مجلس النواب حالة غير مسبوقة من التشديد الأمني، انتهت بإعلان وزارة الداخلية القبض على 120 من أنصار المرشحين في عدد من المحافظات، وذلك بعد أسابيع من قرار الهيئة الوطنية للانتخابات إلغاء نتائج هذه الدوائر بسبب مخالفات اعتبرتها مؤثرة في نزاهة الاقتراع والفرز.

 

وجاءت الاعتقالات في دوائر بارزة شملت إمبابة بالجيزة، وطهطا وجرجا بسوهاج، وقنا ونجع حمادي وقوص بمحافظة قنا، والرمل بالإسكندرية، ودمنهور وإيتاي البارود وأبو حمص في البحيرة، وهي دوائر سبق أن شهدت تنافساً محتدماً وتوترات انتخابية ملحوظة.

 

اتهامات بشراء الأصوات وتدخل الأمن

 

ووفق بيان الداخلية، فإن المقبوض عليهم أحيلوا إلى النيابة العامة بعد ضبطهم وبحوزتهم مبالغ مالية وبطاقات دعائية كانت معدة للتوزيع على الناخبين مقابل جمع بطاقاتهم الشخصية والتصويت لصالح مرشحين محددين، في إطار ما يعرف بــ"شراء الأصوات". وجاءت عملية التصويت في هذه الدوائر أمس، من التاسعة صباحاً حتى التاسعة مساء، وسط إقبال ضعيف في معظم اللجان.

 

اللافت أن الجولة الأولى، التي جرت في 10 و11 نوفمبر الماضي، لم تشهد أي حالات ضبط مماثلة، رغم تسجيل حوادث تجمهر وقطع طرق في سوهاج وقنا احتجاجاً على "مخالفات الفرز"، وهي الوقائع التي دفعت عبد الفتاح السيسي آنذاك إلى دعوة الهيئة الوطنية للانتخابات لإعادة النظر في النتائج التي يُتعذّر معها – حسب تعبيره – "الوقوف على الإرادة الحقيقية للناخبين".

 

إمبابة… مركز الاتهامات الأوسع

 

وتعد إمبابة من أكثر الدوائر التي تصاعد فيها الجدل؛ إذ رصدت جهات رقابية وإعلامية انتشار ممارسات شراء الأصوات بشكل واسع. وقد وثّق متابعون تورّط بعض المرشحين في تقديم مبالغ تتراوح بين 200 و300 جنيه للصوت الواحد. كما أعلنت المرشحة المستقلة نشوى الديب انسحابها في الساعات الأولى من الجولة الأولى، احتجاجاً على ما وصفته بـ"انعدام الشفافية".

 

في محيط اللجان، انتشر "سماسرة الانتخابات" وهم يوزعون ما يعرف بـ"البونات" على الناخبين — بطاقات تحمل اسم المرشح ورمزه وتُستخدم لاحقاً لصرف المبلغ المتفق عليه بعد الإدلاء بالصوت — وهي من أبرز الآليات المستخدمة في تداول الرشى الانتخابية خلال السنوات الأخيرة.

 

اتساع رقعة الدوائر المبطلة

 

توسعت أزمة بطلان النتائج لتصل إلى 49 دائرة من أصل 70 دائرة فردية في المرحلة الأولى، بعد أن أصدرت المحكمة الإدارية العليا أحكاماً ببطلان 30 دائرة إضافية. كما تلقت المحكمة 281 طعناً من المرشحين على نتائج المرحلة الثانية التي جرت في 24 و25 نوفمبر.

 

هذا المشهد القانوني المزدحم كشف بوضوح حجم التوتر الذي صاحب العملية الانتخابية، وعمّق حالة الشك الشعبي في مدى الانضباط الإجرائي والرقابي على الانتخابات في بعض المحافظات.

 

انخفاض المشاركة وتضاعف الأصوات الباطلة

 

سجّلت نسبة المشاركة في المرحلة الثانية هبوطاً حاداً بلغ نحو الثلث مقارنة بالمرحلة الأولى، لتتراجع من 24.2% إلى 16.4% فقط. وفي سابقة لافتة، تضاعف عدد الأصوات الباطلة في قطاع القاهرة ووسط وجنوب الدلتا – بنظام القوائم المغلقة، متجاوزاً 912 ألف صوت باطل من أصل أكثر من 4.2 ملايين أدلوا بأصواتهم، وهو رقم أثار تساؤلات واسعة حول طبيعة الخطاب الانتخابي ومستوى وعي الناخبين وإدارة العملية الانتخابية.