في أحدث توابع أزمة سد النهضة التي افتتحته إثيوبيا في سبتمبر الماضي، شنت وزارة الخارجية الإثيوبية هجوما ناريًا ضد كبار المسؤولين المصريين، متهمة إياهم بتصعيد الخطاب العدائي و"رفض الحوار بشكل قاطع" بشأن مياه النيل والسد الإثيوبي.

 

وقالت الوزارة في بيان تصعيدي الأربعاء، إن التعليقات الأخيرة الصادرة عن القاهرة تمثل "مظاهر فشل الحكومة المصرية في التكيف مع حقائق القرن الحادي والعشرين"، مضيفة أن بعض المسؤولين ما زالوا "متمسكين بعقلية الحقبة الاستعمارية" ويعتقدون أنهم "يحتكرون مياه النيل".

 

معاهدات الحقبة الاستعمارية


وانتقدت استعانة مصر المتكررة بما وصفته بـ "معاهدات الحقبة الاستعمارية" بشأن توزيع مياه النيل، قائلة إن أديس أبابا "ليس لديها مجال لاستيعاب بقايا الاستعمار التي تجد القاهرة صعوبة في التخلص منها".

 

وأضافت الوزارة: "إنهم (المسؤولون المصريون) يستشهدون بمعاهدات تعود إلى الحقبة الاستعمارية، ويكررون ما يُزعم أنه "حقوقهم التاريخية"، معتبرة أن "هذا النهج والجهد المُضلّلان يُمثلان فشلاً في الخيال والقيادة. لقد حان الوقت للتخلي عن هذه الاستراتيجية البالية التي لم تُخف إثيوبيا قط".

 

واتهمت الوزارة مصر أيضًا ببذل جهود طويلة الأمد لزعزعة استقرار منطقة القرن الأفريقي، زاعمة أنها "تشن حملة لزعزعة الاستقرار... تركز على إثيوبيا ولكنها لا تقتصر عليها"، في ملاحقة "دول تابعة مطيعة وضعيفة ومجزأة".

 

وأكدت الخارجية الإثيوبية، أن أديس أبابا "لها الحق في الاستفادة" من النيل الأزرق، مشيرة إلى أن النهر ينبع من المرتفعات الإثيوبية ويساهم في غالبية مياه النيل.

 

وتابعت في البيان: "الاستخدام العادل والمعقول والمنصف مبدأ أساسي في القانون الدولي. إثيوبيا ليست مُلزمة بطلب إذن من أي جهة لاستخدام الموارد الطبيعية الموجودة داخل حدودها".

 

وقالت الخارجية الإثيوبية، إن رفض مصر الانخراط بشكل هادف في المفاوضات بشأن سد النهضة أصبح الآن واضحًا، بحجة أن القاهرة كانت في السابق "تتظاهر بالتفاوض بينما ترفض الانخراط في أي حوار هادف".

 

وأشارت إلى أن "مصر رفضت الحوار وعززت خطابها العدائي بنية واضحة لتدبير التصعيد"، ووصفت هذا السلوك بأنه "غير مسؤول" وحثت الجهات الدولية الفاعلة على إدانته.

 

وأكدت إثيوبيا أن سد النهضة يرمز إلى "اعتماد أفريقيا على نفسها وتقدمها"، وأن التعاون يظل الطريق الوحيد القابل للتطبيق للمضي قدمًا.

 

واستطردت قائلة: "ما يحتاجه العالم، وما تحتاجه أفريقيا، هو مزيد من التعاون والحوار، لا المواجهة والصراع". وأضافت: "إثيوبيا ثابتة في تأكيدها على حقها في استخدام نهر أباي... وانفتاحها على حلول رابحة للجميع، قائمة على مبادئ العدالة والإنصاف".

 

انتهاء التفاوض حول سد النهضة


ومؤخرًا، أعلنت مصر انتهاء مسار التفاوض حول السد، متهمة إثيوبيا بالتعنت وإفشال المفاوضات، مؤكدة أنها تحتفظ بحقها في الحفاظ على مصالحها الوجودية وفقا للقانون الدولي، باعتبار نهر النيل مصدر الحياة في البلاد ومصدرها الوحيد للمياه.

 

واتهمت مصر إثيوبيا مرارًا بتشغيل سد النهضة بطريقة "أحادية الجانب وغير متسقة من الناحية الهيدرولوجية". 

 

وقالت إن إطلاقات المياه المفاجئة وغير المنتظمة في الأسابيع الأخيرة على طول النيل الأزرق أجبرتها على فتح مفيض توشكى للحفاظ على استقرار منظومتها المائية.

 

ووصف وزير الخارجية بدر عبد العاطي، النيل بأنه "أساس" أمن مصر. وقال لبرنامج "فوكس أون أفريكا" على "بي بي سي"، إن مصر لم تعد راغبة في الدخول في مفاوضات مع إثيوبيا بشأن السد.

 

وأضاف: "موقف مصر ثابت: النيل مصلحة وطنية غير قابلة للتفاوض، ولن تكون هناك مفاوضات أخرى مع إثيوبيا مستقبلًا".


الوجود المصري في منطقة القرن الأفريقي


وفي مقال رأي نُشر في "تقرير أفريقيا" اليوم، اتهم السفير الإثيوبي لدى الصومال، سليمان ديديفو، مصر بالسعي إلى إعادة فرض وجودها في منطقة القرن الأفريقي، تحت غطاء ما وصفه بـ"التوازن الاستراتيجي" الذي يخفي وراءه طموحات سياسية راسخة. 


جاء ذلك ردًا على تصريحات وزير الخارجية حول أن مصر تُعزز مشاركتها الدبلوماسية والعسكرية لمواجهة التهديدات الإقليمية.

 

وزعم ديديفو بأن الدور التاريخي لمصر في القرن الأفريقي قد أجّج الانقسامات السياسية، واتهم القاهرة بـ"عسكرة" المنطقة، وأنها تحالفت مع جهات معادية لحكومات القرن الأفريقي، دون أن يسميها، معتبرًا أن هذه الأفعال ساهمت بشكل كبير في زعزعة الاستقرار.

 

ورفض السفير تأكيد وزير الخارجية المصري بأن نشر القوات الإثيوبية في الصومال قد أطال أمد انعدام الأمن. 

 

وتحتفظ إثيوبيا بجنودها في الصومال منذ عقود، سواءً بشكل منفرد أو بموجب تفويض من الاتحاد الأفريقي، لمواجهة حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة. 

 

وكتب ديديفو: "لا تزال مصر تُقلل من شأن التضحيات التي قدمها الجنود الإثيوبيون لسنوات"، مضيفًا أن أديس أبابا دعمت "الحكومات الصومالية المتعاقبة" ضد "الجماعات المتطرفة". 

 

كما انتقد انضمام مصر إلى بعثة الاتحاد الأفريقي لدعم الاستقرار في الصومال (AUSSOM)، واصفًا إياها بمحاولة لإعادة تموضعها عسكريًا في المنطقة. فيما تؤكد مصر أن نشرها جاء بناءً على طلب رسمي من الصومال.

 

مساعي إثيوبيا للحصول على منفذ بحري

 

وتسعى إثيوبيا الدولة الحبيسة إلى الحصول على منفذ لها على البحر الأحمر. وقال رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، في 2023 إن الوصول إلى البحر الأحمر مسألة وجودية بالنسبة لبلاده. لكن إريتريا رفضت تصريحاته وقتها.

 

ووصف عبدالعاطي مساعي إثيوبيا للحصول على منفذ بحري بأنها مسعى "غير مشروع" يهدد سيادة الدول المطلة على البحر الأحمر. 

 

وقال إن الأزمات الإقليمية، من هجمات الحوثيين على سفن الشحن إلى الحرب الأهلية في السودان ونشاط حركة الشباب المستمر، تتطلب تدخلاً مصرياً أكثر حزمًا. 

 

ووصف القرن الأفريقي بأنه امتداد استراتيجي للأمن القومي المصري، مستشهدًا بالروابط التاريخية وحوض النيل والأهمية البالغة للبحر الأحمر. 

 

وقال عبدالعاطي: "أحدث مشروع مزعزع للاستقرار هو سعي إثيوبيا لتأمين وجود بحري في البحر الأحمر".

 

وتزعم إثيوبيا، التي أصبحت دولة حبيسة بعد استقلال إريتريا عام 1993، مرارًا أن سعيها للوصول إلى البحر سيعتمد على ترتيبات سلمية ومتفاوض عليها. 

 

وقال سفير إثيوبيا لدى الصومال، إن النمو السكاني والاقتصادي لإثيوبيا يتطلبان منافذ بحرية موثوقة، ولا ينبغي تفسير هذه الجهود على أنها تهديد. 

 

وأضاف أن إثيوبيا تعتبر البحر الأحمر مساحة أمنية مشتركة ستستفيد من مشاركتها. وتابع: "لا يُتوقع من أي دولة أن تقبل بضعف استراتيجي دائم".

 

وأعلنت الصومال وإريتريا وجيبوتي علنًا معارضتها لأي اتفاقية بحرية من شأنها المساس بسيادتها. ولم تُعلن إثيوبيا عن أي اتفاق رسمي مع أي دولة مطلة على البحر الأحمر.

 

ومن المتوقع أن تنتشر قوات مصرية في إطار قوة الاتحاد الأفريقي لحفظ السلام. 

 

ويتزامن ذلك مع تصاعد التوترات بين أديس أبابا والقاهرة، وفي وقت ضاعفت فيه إثيوبيا جهودها في السعي للحصول على منفذ بحري، مما أثار أزمة دبلوماسية كبيرة مع الصومال العام الماضي، ويثير الآن مخاوف أوسع نطاقًا من تصعيد إقليمي يشمل إريتريا.