توصلت دراسات علمية عدة إلى أن إجراء تغييرات بسيطة في نمط الحياة تحمي من الوفاة المبكرة وتُطيل العمر وتُعزز شيخوخة صحية.
وسلطت صحيفة "الديلي ميل"، الضوء على 6 استراتيجيات مدعومة علميًا قد تساعد في إبطاء الشيخوخة البيولوجية أو حتى عكسها جزئيًا.
التحدث بأكثر من لغة
توصلت دراسة أوروبية واسعة النطاق إلى أن التحدث بأكثر من لغة قد يساعد في إبطاء الشيخوخة المعرفية والبيولوجية.
وحلل باحثون من مؤسسات في إسبانيا والأرجنتين، بيانات من أكثر من 86 ألف شخص بالغ في 27 دولة أوروبية واستخدموا الذكاء الاصطناعي لتقييم "الفجوة العمرية السلوكية الحيوية" لكل مشارك: الفرق بين العمر البيولوجي المتوقع والعمر الزمني الفعلي.
وكشفت النتائج أن الأفراد الذين يتحدثون عدة لغات أظهروا علامات الشيخوخة الصحية أكثر بمرتين من الأشخاص الذين يتحدثون لغة واحدة، مما يشير إلى أن تعلم والتحدث بلغات متعددة يمكن أن يوفر تأثيرًا وقائيًا ضد التدهور المرتبط بالعمر.
ويعتقد الباحثون أن التحفيز العقلي المشارك في إدارة لغات متعددة يعزز الوظيفة الإدراكية وقد يساهم في تحسين صحة الدماغ بشكل عام لفترة أطول.
وفي حين تسلط النتائج الضوء على وجود صلة محتملة بين التعدد اللغوي والشيخوخة الصحية، يشير الباحثون إلى أن هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات لفهم الآليات المؤثرة بشكل كامل.
وتعزز الدراسة الأدلة التي تشير إلى أن إبقاء الدماغ مشغولاً، سواء من خلال اللغة أو التعلم أو غير ذلك من الأنشطة المحفزة عقلياً مثل ألعاب الطاولة، قد يساعد في الحفاظ على حيوية الإدراك في وقت لاحق من الحياة.
ممارسة الرياضة بشكل مستمر
تؤكد الأبحاث الحديثة أن النشاط البدني لا يعزز الصحة العامة فحسب، بل يمكنه أيضًا إبطاء عملية الشيخوخة البيولوجية.
توصلت دراسة أجرتها جامعة ساو باولو في البرازيل عام 2023 إلى أن النساء في منتصف العمر اللاتي كن خاملات في السابق واتبعن برنامجًا رياضيًا لمدة ثمانية أسابيع شهدن انخفاضًا ملحوظًا في أعمارهن البيولوجية.
ويتكون البرنامج من تمارين مدتها 60 دقيقة 3 مرات في الأسبوع، تجمع بين التدريب الهوائي وتدريب القوة، وأظهرت المشاركات انخفاضًا في المتوسط لمدة عامين في العمر فوق الجيني، وهو مقياس للشيخوخة يعتمد على علامات الحمض النووي.
ويُعتقد أن ممارسة التمارين الرياضية تؤثر على ميثلة الحمض النووي، وهي عملية طبيعية تتحكم في ما إذا كانت بعض الجينات تعمل أو لا تعمل.
ومع التقدم في العمر، تبدأ بعض هذه الجينات في التوقف عن العمل، مما يساهم في ظهور التجاعيد، والشعر الرمادي، وغيرها من علامات الشيخوخة.
ويساعد النشاط البدني المنتظم على إبقاء هذه الجينات نشطة، مما يسمح للجسم بالحفاظ على الوظائف الأساسية لفترة أطول.
ويقول الخبراء إن جلسات قصيرة من تمارين القوة والتحمل، 3 إلى 4 مرات أسبوعيًا لمدة لا تتجاوز 23 دقيقة، أثبتت فعاليتها في إبطاء أعراض الشيخوخة بشكل ملحوظ.
وبعيدًا عن العمر البيولوجي، فإن النشاط البدني يرتبط بانخفاض خطر الوفاة من جميع الأسباب، مما يجعل ممارسة التمارين الرياضية أداة قوية لإطالة العمر وكذلك الصحة العامة.
تجنب الأطعمة المصنعة
قد يؤدي اختيار الأطعمة الصحية إلى أكثر من تحسين الصحة العامة، إذ قد يؤدي في الواقع إلى إبطاء عملية الشيخوخة.
توصلت دراسة أجراها باحثون في المعاهد الوطنية للصحة عام 2022 وشملت ما يقرب من 2700 امرأة إلى أن اتباع نظام غذائي متوازن وغني بالعناصر الغذائية لمدة تتراوح بين 6 إلى 12 شهرًا كان مرتبطًا بانخفاض العمر البيولوجي بمعدل 2.4 عامًا.
وأظهرت الأبحاث التي أجراها فريق من المتخصصين في التغذية والشيخوخة أن الفوائد كانت واضحة بشكل خاص لدى المشاركين الذين يعانون من أمراض مزمنة أو السمنة، مما يشير إلى أن التغييرات الغذائية يمكن أن يكون لها تأثير أكبر بالنسبة لأولئك المعرضين لمخاطر صحية أعلى.
وركزت أنماط الأكل الصحية على الفواكه والخضروات والحبوب الكاملة والمكسرات والبقوليات والأسماك والبروتينات الخالية من الدهون والدهون الصحية، مع الحد من اللحوم الحمراء والسكريات المضافة والدهون المشبعة والصوديوم.
وتوفر مثل هذه الأنظمة الغذائية مضادات الأكسدة والفيتامينات والمركبات المضادة للالتهابات التي تساعد في إصلاح الضرر الخلوي وتقليل الضغط على الحمض النووي والتأثير على مثيلة الحمض النووي.
ووفقُا لبلباحثين، تسلط هذه النتائج الضوء على أن التغييرات الغذائية طويلة الأمد يمكن أن تدعم بشكل مفيد الشيخوخة الصحية، مما يعزز الارتباط بين التغذية وطول العمر.
النوم الجيد
يقول الباحثون إن النوم الجيد قد يكون أحد أهم العوامل في الشيخوخة الصحية، إذ يؤثر على كل نظام في الجسم تقريبًا.
يسمح النوم للجسم بإصلاح الحمض النووي، واستعادة التوازن الهرموني، وتقليل الالتهاب، وإزالة النفايات الخلوية، وهي العمليات التي تساعد الجهاز المناعي والأيضي والجهاز العصبي على البقاء قويًا ومرنًا.
توصلت دراسة أجريت عام 2022 ونشرت في مجلة "بلوس ميديسن" إلى وجود رابط قوي بين قلة النوم والشيخوخة البيولوجية المتسارعة.
وحلل باحثون من جامعة لندن كوليدج وجامعة باريس سيتي، بيانات أكثر من 10 آلاف شخص يعملون في مكاتب الخدمة المدنية البريطانية في لندن، مع التركيز على أنماط نومهم.
وكشفت النتائج أنه بعد سن الخمسين، كان الأشخاص الذين ينامون أقل من خمس ساعات في الليلة أكثر عرضة بنسبة 30 بالمائة للإصابة بأمراض مزمنة متعددة، وترتفع هذه النسبة إلى 40 بالمائة بحلول سن السبعين. وشملت الأمراض مرض السكري وأمراض القلب والسرطان والخرف والسكتة الدماغية وأمراض الكلى المزمنة.
في الوقت نفسه، وجدت دراسة واسعة النطاق أجريت في المملكة المتحدة وشارك فيها ما يقرب من 200 ألف مشارك أن العاملين بنظام المناوبات، وبخاصة أولئك الذين يعملون في نوبات ليلية، أظهروا علامات بيولوجية تشير إلى أنهم أكبر سنًا بنحو عام واحد من زملائهم الذين يعملون في النهار.
ويشير باحثون من جامعة صن يات صن في الصين، الذين أجروا الدراسة، إلى أن اضطراب الساعة البيولوجية، واختلال التوازن الهرموني، والإجهاد المزمن الناجم عن جداول النوم غير المنتظمة، قد يؤدي إلى تسريع شيخوخة الخلايا.
ويقول الخبراء إن إعطاء الأولوية للنوم المنتظم والمريح، والذي عادة ما يتراوح بين سبع إلى تسع ساعات في الليلة بالنسبة لمعظم البالغين، قد يكون أحد أكثر الطرق فعالية لحماية الصحة على المدى الطويل وإبطاء عملية الشيخوخة.
التقليل من العادات غير الصحية
تشير الأدلة إلى أن الكحول والتدخين والتدخين الإلكتروني من بين الأسباب الأكثر أهمية للشيخوخة المبكرة.
على سبيل المثال، تبين أن التدخين يؤدي إلى شيخوخة الرئتين بسرعة. وجدت دراسة أجريت عام 2019 ونشرت في مجلة "كلينيكال إيبجيتيكس" أن التدخين يزيد من العمر الجيني لأنسجة الرئة بمعدل 4.3 سنوات في المتوسط وخلايا مجرى الهواء بمعدل 4.9 سنوات في المتوسط.
وفي الوقت نفسه، قدمت دراسة جينية أجريت عام 2022 من جامعة أكسفورد أدلة دامغة على أن شرب الكحول يمكن أن يؤدي أيضًا إلى تسريع الشيخوخة البيولوجية.
وباستخدام بيانات من أكثر من 245 ألف فرد من بنك المملكة المتحدة الحيوي، وجد الباحثون أن تناول كميات أكبر من الكحول، سواء من حيث الحجم أو من خلال اضطراب تعاطي الكحول، كان مرتبطًا بتقصير التيلوميرات، وهي علامات على شيخوخة الخلايا.
السيطرة على التوتر
السيطرة على التوتر أمرٌ بالغ الأهمية لشيخوخة صحية. وجدت دراسة أجرتها جامعة ييل عام 2021 أن عوامل المرونة النفسية، مثل تنظيم المشاعر وضبط النفس، يمكن أن تُخفف من حدة العلاقة بين التوتر التراكمي وتسارع العمر البيولوجي.
وأظهرت الدراسة أنه في حين أن الإجهاد التراكمي يرتبط بالشيخوخة السريعة، فإن القدرة على إدارة التوتر والمشاعر يمكن أن تؤدي إلى إبطاء هذا التأثير.
قالت الدكتور راجيتا سينها، أستاذة الطب النفسي في جامعة ييل والتي عملت على الدراسة، إن التوتر المطول يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والإدمان، واضطرابات المزاج، واضطراب ما بعد الصدمة.
يمكن أن يؤثر التوتر أيضًا على عملية الأيض، مما يُسرّع من ظهور الاضطرابات المرتبطة بالسمنة، مثل السكري. كما يُضعف التوتر قدرتنا على تنظيم مشاعرنا والتفكير بوضوح.
حتى أن إحدى الدراسات التي أجريت عام 2022 وجدت أن العمل لأكثر من 40 ساعة في الأسبوع كان مرتبطًا بزيادة قدرها عامين في العمر البيولوجي، ويرجع ذلك على الأرجح إلى التوتر المزمن.
يُسرّع التوتر الشيخوخة بتعطيل الهرمونات، وإتلاف الحمض النووي، وإضعاف الجهاز المناعي. كما يُمكن أن يُفاقم بشكل غير مباشر عوامل الشيخوخة الأخرى، مثل قلة النوم، والتغذية غير الصحية، وعادات كالتدخين أو شرب الكحول. وهذا يُبرز أهمية تطوير استراتيجيات تأقلم صحية.
تكشف الأبحاث أيضًا أن الوحدة، ودرجات الحرارة المرتفعة، وتلوث الهواء، والعيش في مناطق محرومة، كلها عوامل تؤثر على الشيخوخة. ويختلف تأثير هذه العوامل باختلاف الجينات، ونمط الحياة، ومدة التعرض.

