في تصعيد جديد يعكس فشل نظام قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي في إدارة الملف الاقتصادي وجذب الاستثمارات الحقيقية، أوقفت هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة منح تراخيص تطوير 1000 فدان بمدينة سفنكس الجديدة لصالح شركة “سوديك” المملوكة لمجموعة الدار العقارية الإماراتية، وهو القرار الثاني خلال أقل من شهر ضد استثمارات إماراتية.
القرار، الذي جاء فجائيًا ودون أي تمهيد، يُظهر كيف تتحول الحكومة المصرية من شريك مفترض في الاستثمار إلى خصم يتراجع عن التزاماته، ما يهدد بفقدان الثقة الإقليمية والدولية في بيئة الاستثمار بمصر، ويزيد من عزلة نظام الانقلاب اقتصاديًا.
وقف مفاجئ.. وتهديد لمليارات الجنيهات
أخطرت هيئة المجتمعات العمرانية شركة "سوديك" بوقف تراخيص تطوير الأراضي الواقعة في نطاق مدينة سفنكس الجديدة غرب القاهرة، على الرغم من توقيع اتفاق تطوير واضح بين الشركة وشركة "رُلى لاستصلاح الأراضي"، التي كانت قد سلمت الدولة 50% من الأرض لتغيير نشاطها من زراعي إلى عمراني وفق شروط حكومية.
لكن الهيئة، دون أي احترام لتسلسل الإجراءات القانونية أو الاعتبارات الاستثمارية، أوقفت العمل بالمشروع لحين موافقة جهاز "مستقبل مصر" العسكري على تحويل النشاط من زراعي إلى عمراني، أو رفضه.
هذا التعطيل لمشروع تبلغ قيمته مليارات الجنيهات، يهدد بإهدار مقدم مدفوع من "سوديك" بلغ 580 مليون جنيه، ويؤكد أن دولة السيسي تحولت إلى ساحة للفوضى الإدارية والخضوع لأوامر الأجهزة الأمنية والجهات السيادية دون أي احترام للعقود أو للقانون.
رسائل سلبية للمستثمرين: التخبط سيد الموقف
جاء القرار بعد أقل من شهر على غرامة ضخمة فرضها البنك المركزي على "بنك أبوظبي الأول – مصر"، التابع لإحدى أكبر المؤسسات المالية الإماراتية.
بلغت الغرامة مليار جنيه مصري (ما يعادل 21 مليون دولار)، في سابقة لم يشهدها القطاع المصرفي المصري من قبل.
تعلل البنك المركزي بأن الغرامة جاءت بسبب "استخدام تسهيلات ائتمانية لغرض غير مخصص"، وهو مبرر فضفاض، فتح الباب للتأويلات حول وجود "تصفية حسابات" مع كيانات إماراتية، خصوصًا أن العقوبة شملت نقل رئيس مخاطر الائتمان بالبنك، وكأن السلطة تعاقب المستثمرين لا المخالفين.
استثمار أجنبي على حافة الهاوية
لا يمكن تفسير هذا التوجه سوى بأنه حرب خفية ضد الاستثمار الأجنبي غير الخاضع لسيطرة الأجهزة السيادية.
فعلى الرغم من العلاقات الظاهرة بين القاهرة وأبوظبي، فإن قرارات كهذه تبعث برسائل كارثية عن بيئة الاستثمار في مصر، التي باتت غير آمنة، متقلبة، ومحكومة بأوامر فوقية.
شركة "سوديك"، التي تأسست عام 1996، وتخدم شرائح الدخل فوق المتوسط، كانت قد خضعت لاستحواذ بنسبة 85.5% من قبل مجموعة "الدار" العقارية الإماراتية عام 2021، ضمن خطط طموحة للتوسع في السوق المصرية.
لكن يبدو أن النظام الحالي يرفض أي توسع لا يصب مباشرة في خزانة الدولة أو لا يخدم أولوياتها السياسية، ضاربًا بعرض الحائط ما تبقى من قوانين وتشريعات.
عبث رسمي.. وانعدام رؤية اقتصادية
هذا السلوك يؤكد أن مصر، في عهد قاد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، لا تملك أي رؤية اقتصادية واضحة، بل تدير ملفاتها الاستثمارية بالأوامر والتوجيهات من الأجهزة الأمنية.
يتجلى ذلك في:
- قرارات مفاجئة بإلغاء أو تجميد التراخيص
- رفض تحويل نشاط أراضٍ سبق تقنينها
- فرض غرامات على بنوك عاملة بالسوق المحلية
- تقنين بطرق ملتوية ثم التراجع عنها بعد تحصيل أموال
- كلها مؤشرات على غياب الشفافية، وهيمنة المزاج الأمني على القرار الاقتصادي.
السيسي يهدم ما تبقى من الثقة
في ظل أزمة ديون طاحنة وعجز متصاعد في الموازنة، يفترض بأي حكومة عاقلة أن تحافظ على ما تبقى من ثقة المستثمرين.
لكن نظام السيسي لا يرى في المستثمرين سوى فرص للجباية أو الخصومة، ولا يتردد في التنكيل بأي كيان لا يخضع لمنطق التبعية المطلقة، حتى لو كان هذا على حساب سمعة مصر ومصير اقتصادها.
مصر السيسي ليست آمنة للاستثمار
من غرامات على البنوك، إلى إيقاف مشاريع عقارية ضخمة، تتوالى الإشارات الخطيرة من نظام يحارب القطاع الخاص، ويغلق أبواب الاقتصاد أمام أي جهة لا تحمل ختم الدولة العميقة.
التراجع الفاضح عن الالتزامات، والتخبط في السياسات، يدفع مصر إلى عزلة استثمارية خانقة، سيكون ثمنها باهظًا على المدى القريب والبعيد.
إذا كانت الإمارات، بكل نفوذها المالي والسياسي، تتعرض لمثل هذه الانتهاكات، فماذا عن المستثمرين الصغار؟
الرسالة واضحة: مصر السيسي ليست بيئة استثمار، بل فخ قانوني وسياسي يُراد منه نهب الجميع أو إخضاعهم.

