في خطوة وصفها كثيرون بأنها محاولة يائسة لإطفاء غضب الشارع وتمويه الفضيحة، طالب قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي الهيئة الوطنية للانتخابات بـ التدقيق في الطعون المقدمة ضد نتائج المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب 2025، على خلفية خروقات انتخابية موثقة بالصوت والصورة في عدد كبير من الدوائر.
لكن هذا التحرك المتأخر لا يغير حقيقة أن الانتخابات تحولت إلى فضيحة سياسية مكتملة الأركان، كشفت حجم التلاعب والدور الأمني في توجيه النتائج لصالح مرشحين بعينهم محسوبين على النظام، وسط حالة غضب واسعة بين المواطنين والمرشحين المستقلين.
رسالة السيسي على فيسبوك: اعتراف ضمني بالكارثة
كتب السيسي منشورًا على فيسبوك جاء فيه أنه تابع ما حدث في بعض الدوائر الانتخابية، معتبرًا أن الهيئة الوطنية للانتخابات هي الجهة المختصة بالفصل.
وقال: “لا تتردد الهيئة في اتخاذ القرار الصحيح عند تعذر الوصول إلى إرادة الناخبين الحقيقية سواء بالإلغاء الكامل أو الجزئي للانتخابات في بعض الدوائر”
هذا الكلام الذي جاء بعد أيام من الانفجار الشعبي، وصفه مراقبون بأنه إقرار غير مباشر بحدوث تزوير فج وفضائح انتخابية لا يمكن التستر عليها، بعدما انتشرت مقاطع فيديو توثق عمليات فرز مبكر للصناديق، وشراء أصوات، وإخفاء محاضر الفرز، واختطاف مرشح مستقل.
فإذا كان السيسي يزعم احترام إرادة الناخبين، فأين كانت الدولة والأجهزة الأمنية حين كانت الاعتداءات تقع؟
ولماذا لم تتحرك الداخلية ولا القضاء إلا بعد انكشاف الفضيحة أمام الرأي العام؟
خروقات واسعة.. واستبعاد ممنهج للمستقلين
المرحلة الأولى التي أجريت في 14 محافظة لم تكن منافسة انتخابية، بل عملية هندسة سياسية بكل معنى الكلمة.
فقد بدأت الخروقات قبل فتح صناديق الاقتراع، عندما قررت الهيئة الوطنية استبعاد جميع القوائم المستقلة ورفض ترشح عدد كبير من المستقلين على المقاعد الفردية، بما يضمن خلو المشهد الانتخابي من أي صوت معارض.
كما أعلنت النائبة نشوى الديب انسحابها علنًا من السباق، منددة بـ: “انعدام النزاهة وتحول العملية الانتخابية إلى مسرحية هزلية مخجلة”
وتداول المرشحون في محافظات عديدة وثائق مصورة تظهر إضافة أصوات وهمية، وإخفاء محاضر الفرز، وتزوير النتائج داخل اللجان العامة.
اختطاف مرشح وضغوط مالية.. أكبر فضائح الانتخابات
من بين أكثر الأحداث فظاعة، ما نشره المرشح المستشار محمود جويلي في فيديو تحدث فيه عن مضايقات أمنية مباشرة لحملته الانتخابية، واعتقال أعضاء حملته فور نشر مواد دعائية.
ثم كشف عن مطالبات مالية عبر وسطاء قدرها 20 مليون جنيه مقابل ضمان الفوز بالمقعد البرلماني.
بعد ذلك تعرض جويلي لـ اختطاف أمام منزله كما وثقت زوجته، التي قالت في فيديو مؤثر:
“جوزي اتخطف قدام ابنه بأربع عربيات سودا… اتسحب بالقوة وما نعرفش راح فين”
حتى ظهر بعد 24 ساعة ليُخلى سبيله بكفالة 100 ألف جنيه، في محاولة لإسكات القضية وعدم تحويلها إلى فضيحة عامة.
أي انتخابات محترمة يمكن أن يُخطف فيها مرشح على مرأى من الناس؟ وأي هيئة مستقلة يمكن أن تعمل تحت تهديد الأمن واختفاء المحاضر؟
استغاثات من المنيا: الشعب يصور التزوير بنفسه
في محافظة المنيا، نشر أهالي مركز ديرمواس استغاثات مصورة وجّهت إلى السيسي نفسه، أكدوا فيها امتلاكهم مقاطع فيديو توثق تجاوزات صارخة داخل اللجان، قبل أن تعلن الداخلية اعتقال عدد ممن ظهروا في تلك النداءات، بتهمة “ترويج شائعات حول تزوير الانتخابات”.
فبدل التحقيق في المخالفات… اعتُقل المواطنون الذين فضحوها!
إعادة الانتخابات؟ محاولة لتجميل مشهد ملوث
رسالة السيسي التي فتحت الباب أمام إعادة الانتخابات ليست وعدًا بالإصلاح، بل مناورة سياسية تهدف لتقليل الخسائر واحتواء الغضب.
فالنتائج أصبحت فاقدة للثقة تمامًا، والهيئة الوطنية للانتخابات ليست مستقلة كما يدّعي النظام.
السؤال الحقيقي الآن: كيف يمكن لبرلمان جاء بهذه الطريقة أن يمثل الشعب؟ وكيف يمكن لنظام متورط في التزوير والخطف وشراء الأصوات أن يتحدث عن ديمقراطية أو دولة قانون؟
وفي النهاية فالانتخابات الأخيرة لم تفضح فقط هشاشة النظام، بل سقطت ورقة التوت بالكامل عن مشروع سياسي يعيش على القمع والأجهزة لا على الصناديق والإرادة الشعبية.
وأي محاولة لترقيع المشهد بعد الفضيحة لن تغير الحقيقة: لا انتخابات نزيهة في ظل دولة تخطف المرشحين وتزور الأصوات وتكمم الأفواه.
الكرة الآن في ملعب الشعب…فالأنظمة لا تتراجع إلا عندما يدرك الناس قوتهم.

