بدأت القاهرة، وفق رواية يقدّمها الكاتب عمرو إمام، تعزّز اندفاعها نحو الملف اللبناني في لحظة تعيش فيها مصر واحدة من أسوأ مراحلها الاقتصادية منذ عقود؛ تضخم يضغط على الأسر، عملة تتحرك في هوامش ضيقة، وديون تثقل المالية العامة. وتتحرك مصر باعتبارها وسيطًا يسعى إلى خفض الضربات الإسرائيلية في الجنوب، وباعتبارها شريكًا يطمح إلى دور محوري داخل مشاريع إعادة الإعمار التي قد توفر متنفسًا اقتصاديًا لشركاتها.

ذكر العربي الجديد أنّ هذا التوجّه عاد إلى الواجهة خلال انعقاد اللجنة المصرية–اللبنانية العليا المشتركة في القاهرة للمرة الأولى منذ ست سنوات، حيث أكّد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي لنظيره اللبناني نواف سلام استعداد شركات المقاولات المصرية لبدء العمل فور التوصل إلى تفاهم سياسي وتوقف الهجمات الإسرائيلية.

أوضح مدبولي أنّ الشركات المصرية «جاهزة لدفع الإعمار للأمام» بمجرد استقرار الجنوب، بينما أدان في اجتماعات موازية مع وزير الخارجية بدر عبد العاطي الضربات الجوية الإسرائيلية والاعتداء على السيادة اللبنانية واحتلال خمس نقاط استراتيجية على التلال الحدودية، مؤكدًا دعم القاهرة لتثبيت الأمن وفق قرار مجلس الأمن 1701.

تعكس هذه الدفعة السياسية رغبة مصر في توسيع نفوذها الإقليمي، خصوصًا بعد مساهمتها في إنجاز وقف إطلاق النار في غزة في أكتوبر 2025. وتستند القاهرة في ذلك إلى شبكة اتصالات تربطها ببيروت وتل أبيب وواشنطن وطهران، ما يتيح لها موقعًا مناسبًا للوساطة في أزمات متشابكة.

أوفدت القاهرة رئيس جهاز المخابرات، اللواء حسن رشاد، إلى بيروت قبل اجتماعات اللجنة، حيث التقى الرئيس جوزيف عون ورئيس الوزراء سلام ورئيس البرلمان نبيه بري، حاملاً مقاربة تهدف إلى وقف الهجمات وتثبيت الحدود. ويرى محللون أنّ القاهرة تسعى إلى تهدئة لبنان بالتوازي مع تثبيت الهدوء في غزة، بما يحمي أمنها القومي ويخفّف ارتدادات الحرب التي ضغطت على حركة الملاحة في البحر الأحمر وزادت كلفة الواردات على اقتصاد يواجه صعوبات ثقيلة.

تُقابل هذه الجهود تحديات واسعة؛ الهجمات الإسرائيلية المتواصلة تمنع التقدم نحو أي تسوية، بينما يعرقل التوتر السياسي اللبناني قدرة الدولة على اتخاذ خطوات موحدة. ويؤكد محللون أنّ الحكومة الإسرائيلية تراوغ في قبول أي تسوية، بينما يعتمد استقرار الجنوب على توافق دولي يشمل الولايات المتحدة وفرنسا وقوات اليونيفيل.

تعتمد مصر في تحركها على تجربة 2023–2024، حين قادت حرب لبنان إلى نزوح واسع وخسائر بلغت 14 مليار دولار، وفق تقديرات الأمم المتحدة والبنك الدولي. وتربط القاهرة بين التهدئة في لبنان والتهدئة في غزة، باعتبار أنّ الضغوط الأمنية في الجبهتين تنعكس عليها اقتصاديًا، سواء بسبب تراجع السياحة أو ارتفاع كلفة التأمين البحري على السفن العابرة لقناة السويس.

يدفع الوضع الاقتصادي الداخلي القاهرة إلى النظر إلى لبنان كفرصة اقتصادية موازية. وتكشف الأزمة المصرية الحالية—تراجع الاحتياطات، انخفاض القوة الشرائية، ارتفاع الأسعار—عن حاجة الدولة إلى أسواق خارجية تعوّض ضيق القنوات الداخلية. لذلك تضع مصر قطاع إعادة الإعمار في الجنوب ضمن أولوياتها، باعتباره مصدرًا محتملًا للعملات الصعبة ولتشغيل الشركات التي تواجه بيئة اقتصادية خانقة داخل البلاد.

يحمل الملف أبعادًا اقتصادية ملموسة؛ يبلغ حجم التجارة بين البلدين مليار دولار عام 2024 بزيادة 29%، مع فائض كبير لصالح مصر في قطاعات مثل مواد البناء والمنتجات الزراعية والملابس والكيماويات. ويأمل مدبولي رفع مستوى التبادل إلى ملياري دولار عبر مبادرات مشتركة وزيارة مرتقبة إلى بيروت لتوقيع صفقات إضافية. وتتيح اتفاقية التجارة الحرة العربية الكبرى إعفاءات جمركية تجعل دخول السلع المصرية إلى السوق اللبنانية أكثر تنافسية.

تبدو شركات الإنشاء المصرية في موقع مناسب للاستفادة من إعادة الإعمار، خصوصًا بعد مشاركتها في مشروعات قومية واسعة داخل مصر—من المجتمعات العمرانية الجديدة إلى مشروعات الزراعة والصناعة—رغم الضغوط المالية التي تواجهها. وتؤكد وزيرة التعاون الدولي رانيا المشاط أنّ هذه الشركات تملك خبرة فنية تؤهلها للعمل في بيئة معقدة مثل لبنان.

وقّعت مصر ولبنان خمسة عشر مذكرة تفاهم تشمل الطاقة وتكنولوجيا المعلومات والصحة والزراعة والنقل، في خطوة تُظهر رغبة الدولتين في ترسيخ شراكة واسعة. وأوضح مدبولي أنّ هذه الشراكة «تفتح أفقًا لمستقبل أفضل للبلدين وللمنطقة»، بينما يرى خبراء أنّ نجاح القاهرة في الوساطة سيعزّز فرص شركاتها في مشاريع الإعمار.

يراهن محللون مصريون على أنّ لبنان يمكن أن يصبح منفذًا اقتصاديًا مهمًا لمصر في لحظة يعاني فيها الاقتصاد المصري من ضغوط ثقيلة. ويؤكد هؤلاء أنّ التعاون التجاري والاستثماري قد يمنح القاهرة موردًا إضافيًا يساعدها على عبور أزمتها الاقتصادية، بينما يمنح لبنان شركات قادرة على المساهمة في إعادة البناء.

https://www.newarab.com/news/egypt-hopes-major-slice-south-lebanons-reconstruction