أثار افتتاح المتحف المصري الكبير، الذي وُصف بأنه "هدية مصر للعالم"، جدلاً واسعًا ونقدًا لاذعًا في الأوساط المصرية، خاصةً في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد. يقدم محمد حمدي عمر، الكاتب والباحث في المذاهب الدينية والفكرية والدين المقارن ومقدم برنامج قهوة سادة على قناة أمجاد، في مقاله تحليلًا نقديًا لاذعًا لهذا المشروع الضخم، متجاوزًا الإبهار المعماري ليضعه في سياق الأولويات الوطنية المهدورة. يرى حمدي أن هذا الافتتاح لا يعكس "مصر الجميلة"، بل "يُخفي مصر الجريحة"، مشيرًا إلى أن المشروع تحول من حلم ثقافي إلى "نصبٍ تذكاري للإسراف والعبث بالأولويات"، مصمم خصيصًا لـ "تلميع صورة نظام فقد شرعيته في الداخل".

 

مليارات الدولارات: الأولوية للحجر لا للإنسان

 

يُعدّ النقد المالي والاقتصادي هو المحور الأساسي في مقال حمدي، حيث يشير إلى أن تكلفة المتحف تجاوزت ملياري دولار، وهو رقم يراه الكاتب "لا يتحدث عن حضارة بل عن غفلة". ويقارن الكاتب بين هذا المبلغ الضخم وبين الاحتياجات الأساسية للمواطنين، مشيرًا إلى أن مصر تعيش وفيها أكثر من ثلث السكان تحت خط الفقر.

 

ويقدم الكاتب تحليلًا رقميًا لتكلفة المتحف، موضحًا أن الملياري دولار كان يمكن أن تساهم في إحداث نقلة نوعية في الاقتصاد المصري لو تم توجيهها نحو التنمية الحقيقية. فبحسب تقديره، كان يمكن لهذا المبلغ أن يؤسس 500 مصنع صغير، توفر فرص عمل مباشرة وغير مباشرة لقرابة 350 ألف أسرة مصرية. ويخلص إلى أن النظام اختار أن يصبّ موارده في "الإسمنت والرُّخام" بدلاً من الاستثمار في الإنسان، في مشهد وصفه بـ "الإنجاز الوهمي".

 

شهادة من "داخل البيت": لا جدوى اقتصادية

 

ما يزيد من قوة النقد الموجه للمشروع هو الاستشهاد برأي شخصية محسوبة على النظام نفسه، وهو عالم الآثار الشهير زاهي حواس. ينقل الكاتب عن حواس قوله الصريح بأنه "لم يكن يرى أي أهمية لإنشاء المتحف المصري الكبير، وكان يمكن الاكتفاء بتطوير متحف التحرير، ولن يعيد ما أُنفق عليه ولو بعد 500 سنة".

 

يرى حمدي أن هذا التصريح، الصادر من "داخل بيت النظام"، هو بمثابة اعتراف ضمني بأن المشروع يفتقر إلى الرؤية العلمية والجدوى الاقتصادية، ويحمل توقيعًا سياسيًا واضحًا هدفه إظهار "العظمة" و"أنا هنا"، مشبهًا المشهد بما فعله الفراعنة حين بنوا الأهرامات، ولكن هذه المرة "بأموال المواطنين".

 

المتحف كأداة للشرعية السياسية

 

يذهب المقال إلى أبعد من النقد الاقتصادي ليضع افتتاح المتحف في إطار الأزمة السياسية التي يواجهها النظام. يؤكد الكاتب أن النظام المصري يعيش "أزمة شرعية حقيقية" منذ أكثر من عقد، وحين تفشل السياسة، يلجأ الحاكم إلى "الحجر" و"الواجهة التي تُبهِر الكاميرات وتخدع العالم".

 

ويصف حمدي المتحف الكبير بأنه "مسرحٍ ضخم لإعادة إنتاج صورة 'الفرعون المعاصر'" الذي يسعى للمجد المصنوع على حساب الفقر العام. ويشير إلى أن هذا الافتتاح يأتي ضمن سلسلة من "الاحتفالات والمؤتمرات الفارغة" التي تلتهم الملايين، مثل احتفالات شرم الشيخ، في وقت يلهث فيه المواطن وراء أبسط مقومات العيش. ويوضح أن النظام "يُطعم ضيوفه كي يصفقوا له" ويختلق "مشاهد براقة تُغطي على العجز والفشل" الاقتصادي.

 

مصر بين المظاهر والواقع المؤلم

 

يختتم الكاتب مقاله بتصوير مؤلم للواقع المصري، حيث يرى أن مصر "تتجمّل وهي تنزف"، وأن هذا الافتتاح "يُخفي مصر الجريحة" التي تعاني من انهيار العملة، وتراجع الإنتاج، وارتفاع الديون والفقر. ويؤكد أن مصر أصبحت "دولة المظاهر"، حيث "كل ما يلمع يُعرض على الشاشات، وكل ما يوجع يُدفن في صمت".

 

ويختتم حمدي بالقول إن المتحف المصري الكبير ليس مشروعًا حضاريًا، بل "مرآة لنظامٍ يرى نفسه فوق الناس"، وسيذكره التاريخ لا بجمال هندسته، بل بكونه "رمزًا لعصرٍ استُبدلت فيه العدالة بالبذخ، والتنمية بالمهرجانات، والكرامة بالصمت المفروض". ويصف افتتاح المتحف بأنه "دفن للأولويات الوطنية تحت الرخام"، و"جريمة في حق الوعي والعدالة والكرامة الإنسانية".