بقلم: عامر شماخ

التحية واجبة للشعب التركى، الذى رفع عن عينه غشاوة الجهل والتعصب، وضرب المثل فى الوطنية وتقديم مصالح البلد على مصالحه واختياراته؛ إذ فيما لا يزيد على خمسة أشهر أعطى الشعب ما منع، ووافق على ما كان قد رفض، ليس كيدًا لتيار، أو انتقامًا من فصيل، ولكن لأنه أدرك خطورة اختياره الأول على استقرار البلاد وأمنها، فاستدرك الخطأ، وصحح الالتباس، وخرج عن بكرة أبيه لإعطاء صوته -راضيًا- للحزب الذى وضع تركيا فى مصاف الكبار؛ حيث تتحدث الأرقام عن نسبة تصويت زادت على 92%.

المفارقة أن هذا التحول الكبير جاء طوعًا، ودون تأثير من الحزب الحاكم، ودون دعاية، ودون أحداث وطنية جسيمة أو إنجازات ضخمة تصنع هذا التحول، بالعكس فإن الغرب ودول الخليج استغلت تراجع الحزب فى الانتخابات الماضية وصدّرت الأزمات إلى تركيا، بدءًا من نازحى سوريا والعراق، وانتهاء بقضية الأكراد التى طفت على السطح فجأة، وحولت تركيا إلى ساحة قتل وتفجيرات على مدى ساعات اليوم.

ما حدث إذًا هو نتيجة طبيعية لفكر شعب ناضج، يفرق بين الواقع والخيال، ويثق بنفسه، ولا يسلم نفسه لإعلام متحيز، أو دعاية سوداء أو رمادية،، ولا يتورط مع أحزاب سياسية قائمة على مصالح زعمائها، أو على رغبات طائفية مؤججة لنزاعات التقسيم والفرز الشعبى.

وإذا كانت التحية واجبة لهذا الشعب المسلم الذى ذاق -من قبل- ويلات الديكتاتورية العلمانية والعسكرية البغيضة، فإنها أوجب لحكامه، الذين جدد الشعب ثقته بهم؛ لأنهم على مدار سنين حافظوا على هذه الثقة، ونقلوا بلدهم من بلد متخلف، سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، يجاور -فى الوقت ذاته- دول العالم المتحضر فى أوروبا.. إلى بلد صاعد واعد، مستقر على المستويات كافة، يمارس الديمقراطية كأحسن ما تكون الممارسة، فما سمعنا أن هؤلاء الحكام قد تجاوزوا فى هذه المسألة، أو غضّوا الطرف عن مجال من مجالاتها.

وإن ذلك الفوز الذى حققه حزب العدالة والتنمية التركى، يضع المستبدين والفاشلين -فى منطقتنا- فى موقف بئيس، ويهيئ للثورات فى بلدانهم، ويحاصرهم ويصنع لهم نعوش عروشهم وجيوشهم الفاسدة، وهذه بشرى للذين جارت عليهم تلك الأنظمة، سيما فى مصر المحروسة التى تحولت من بلد ديمقراطى إلى بلد قبيح الوجه، يحكمه العسكر، وتسوسه النخبة العلمانية الفاشلة، وبدلا من التطلع إلى التحرر من التبعية وفك الارتباط مع الغرب المحتكر، وجدناه يقيدنا بقيود من حديد مع هؤلاء الأعداء، بل صارت مصر العزة الأبية خادمة لسيدتهم: (إسرائيل)!!

يأمل الأحرار أن يحمى الأتراك إخوانهم المسلمين، على مستوى الدول والأفراد، فهى بعد هذه النتيجة تستكمل دورها التكافلى، فى إيواء المهاجرين المصريين هربًا من النظام الفاشل الدموى الفاشى، وكذلك المهاجرين السوريين والعراقيين وغيرهم. كما يحسبها الأحرار ظهيرًا لهم فى دفع العدوان عن دولنا التى انتهكها الغرب والشيعة الطائفيون، مثل العراق وسوريا واليمن وغيرها، آملين أن يعلو صوت الأتراك للجْم المحتلين الغربيين، ولصد هجمات وكلائهم من العرب الخائنين، الذين خانوا الله ورسوله، وخانوا شعوبهم، فانطلقوا يفرطون فى كل غال ورخيص.
والتحية واجبة -بهذه المناسبة- للشعب المصرى، الذى لقن العسكر -ولا يزال- الدروس القاسية، فهو الذى خرج بالملايين عندما أتيحت له فرصة التغيير وكان واثقًا أن صوته لن يضيع، فلما صار الحكم فى يد العسكر امتنع عن الخروج؛ كى لا يكون شريكًا فى جرائمهم، وكى لا يعطيهم صكّ الاعتراف الشعبى الذى حُرموه، وكلنا ثقة أنه سيأتى يوم يخرج فيه المصريون عن بكرة أبيهم -كما خرجوا من قبل- ليعطوا صوتهم لمن يستحقه، وليُسقطوا من تطاول عليهم وسرق حقوقهم.. ويقولون متى هو؟، قل عسى أن يكون قريبًا.