شهدت مصر الساعات الماضية موجة جديدة من الغضب الشعبي على خلفية الزيادة الأخيرة في أسعار الوقود، التي جاءت بنسبة تراوحت بين 10% و20%، ورفعت معها تكلفة النقل والمواصلات وأسعار السلع الغذائية والخدمات الأساسية.

ورغم أن مثل هذه القرارات لم تعد غريبة على المصريين الذين اعتادوا خلال السنوات الأخيرة على الزيادات المتكررة، فإن اللافت في هذه المرة هو ردة فعل جيل الشباب الجديد المعروف باسم “جيل زد”، الذي وُلد في أواخر التسعينيات وبداية الألفية، ويُعد الأكثر تفاعلاً مع الأحداث عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
 

جيل لا يخاف.. لكنه لا يتحرك بعد
جيل زد، الذي نشأ في ظل حكم السيسي، لم يعرف سوى واقع اقتصادي خانق وحريات محدودة. وهو الجيل الذي اعتمدت عليه الدولة في مشاريعها الإعلامية لترويج خطاب “الصبر والتحمل من أجل الوطن”، لكنه اليوم يبدو أكثر وعيًا وغضبًا من أي وقت مضى.
فمع كل زيادة في الأسعار، تتزايد منشورات السخرية والغضب على “تيك توك” و”إكس” و”فيسبوك”، حيث يتبادل الشباب لقطات تعكس السخط على الحكومة وتربط ارتفاع الأسعار بسوء الإدارة والفساد والديون الخارجية المتراكمة.

لكن الغضب الافتراضي لم يتحول بعد إلى حراك حقيقي في الشارع. ويُرجع محللون ذلك إلى عدة عوامل؛ أبرزها القبضة الأمنية المشددة، والخوف من الملاحقات، إلى جانب ضعف الثقة في إمكانية التغيير السياسي، بعدما فشلت محاولات احتجاجية سابقة في تحقيق نتائج ملموسة.
 

ارتفاع الأسعار.. الشرارة التي قد تشتعل
الزيادة الجديدة في الوقود ليست حدثًا اقتصاديًا عابرًا، بل تمس مباشرة كل تفاصيل الحياة اليومية. فأسعار المواصلات ارتفعت بنسب متفاوتة في المحافظات، وسائقي التاكسي والميكروباص أعلنوا رفضهم للعمل بالسعر القديم، فيما اشتكى المواطنون من تضاعف تكلفة الذهاب إلى العمل أو الجامعة.

وترافق ذلك مع ارتفاع جديد في أسعار الخبز السياحي والمخبوزات والأغذية المعلبة، وهو ما يعني أن ميزانية الأسرة المصرية، التي تعاني أصلًا من التضخم وتآكل الدخل، تلقت ضربة قاصمة جديدة.

الشباب من جيل زد، الذين يعمل كثير منهم في وظائف حرة أو عبر الإنترنت، بدأوا يشعرون أن كل زيادة جديدة تُبعدهم خطوة إضافية عن الاستقرار والحياة الكريمة. ويقول أحدهم في مقطع متداول: “إحنا مش عايزين نعيش حياة فخمة، إحنا عايزين نقدر نكمل الشهر بس”.

مثل هذه العبارات تعكس حجم الإحباط المتراكم، خاصة في ظل ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب وتراجع فرص الهجرة والتعليم الجيد.
 

من الإحباط إلى التمرد.. هل يحدث التحول؟
خبراء علم الاجتماع يرون أن جيل زد يمتلك أدوات احتجاج جديدة تختلف عن الأجيال السابقة. فهو لا يحتاج إلى الخروج في الشوارع ليعبّر عن رفضه، بل يستخدم المنصات الرقمية لبناء رأي عام مضاد، ونشر السخرية السياسية، وكشف التناقضات بين وعود النظام وواقع الحياة اليومية.

وقد شهدت السنوات الأخيرة بروز محتوى ناقد للنظام على "تيك توك" و"يوتيوب"، يقدمه شباب لا يتجاوزون العشرين من العمر، يتحدثون بلغة بسيطة ومؤثرة، تصل إلى ملايين المتابعين. هذه القدرة على تشكيل وعي جماعي رقمي قد تمهد في المستقبل لظهور حركة احتجاجية مختلفة الشكل عن المألوف.

مع ذلك، يؤكد مراقبون أن التحول من الغضب الإلكتروني إلى الفعل الميداني يحتاج إلى شرارة أكبر من مجرد زيادة أسعار، مثل انهيار اقتصادي شامل أو أزمة سياسية حادة. فالنظام الحالي، رغم اهتزاز صورته، ما زال يمتلك أدوات الردع والسيطرة على المجال العام.
 

الغليان مستمر
الزيادة الأخيرة في أسعار الوقود ليست مجرد إجراء اقتصادي، بل اختبار جديد لعلاقة النظام بجيل الشباب. فبينما يطالب السيسي المصريين دومًا بالصبر والتقشف، يزداد الشعور بين الشباب بأنهم يدفعون ثمن سياسات لا يشاركون في صنعها.
قد لا يثور جيل زد اليوم، لكنه يعيش حالة غليان صامت تتغذى على الإحباط والوعي الرقمي، وقد تنفجر في لحظة غير متوقعة، كما حدث في بلدان أخرى. فكل ارتفاع جديد في الأسعار يضيف وقودًا إلى نار الغضب، وكل محاولة لإسكات الشباب عبر الإعلام الرسمي تزيد من نفورهم.
ومع استمرار الأزمات الاقتصادية وتراجع الأمل في الإصلاح، يبدو أن السؤال لم يعد “هل يثور جيل زد؟” بل “متى؟”