في لحظة وُصفت بالتاريخية، شهدت مدينة شرم الشيخ المصرية اليوم الاثنين التوقيع الرسمي على وثيقة وقف إطلاق النار في قطاع غزة، خلال "قمة شرم الشيخ للسلام" التي جمعت قادة وممثلين عن أكثر من عشرين دولة ومنظمة دولية.
الوثيقة، التي تمخضت عن مفاوضات شاقة استمرت على مدار أيام خلف الأبواب المغلقة، تمثل أول اتفاق شامل لوقف الحرب المدمرة التي استمرت عامين بين إسرائيل وحركة حماس، وأسفرت عن كارثة إنسانية غير مسبوقة في القطاع.
وجاء توقيع الوثيقة بعد جهود قطرية وتركية وأمريكية مكثفة لتقريب وجهات النظر، بدعم من الاتحاد الأوروبي.
وبحسب مصادر دبلوماسية، فقد تم الاتفاق على تشكيل لجنة مراقبة مشتركة تضم ممثلين عن الأمم المتحدة والولايات المتحدة ومصر وقطر، لمتابعة تنفيذ بنود الهدنة وإزالة العقبات التي قد تعترضها.
تفاصيل الوثيقة وبنودها الأساسية
تشمل الوثيقة – وفق ما أعلنه وزير الخارجية المصري سامح شكري – ستة بنود رئيسية:
- وقف شامل لإطلاق النار يدخل حيز التنفيذ فوراً في جميع مناطق القطاع.
- انسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق المكتظة بالسكان خلال أسبوعين.
- إطلاق سراح الأسرى والمعتقلين من الجانبين ضمن جدول زمني محدد.
- فتح المعابر الحدودية بإشراف دولي لتسهيل دخول المساعدات الإنسانية وبدء عملية إعادة الإعمار.
- نشر بعثة مراقبة دولية بقيادة الأمم المتحدة لمدة عام.
- استئناف المفاوضات السياسية بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل خلال شهر في القاهرة برعاية مصرية.
ويُعد هذا الاتفاق – الأول من نوعه منذ اندلاع الحرب – خطوة مفصلية نحو تهدئة دائمة، رغم الشكوك التي تحيط بمدى التزام الأطراف بتنفيذه.
كواليس ومفاجآت قبل التوقيع
وراء المشهد الاحتفالي، لم تخل القمة من توترات وكواليس سياسية معقدة. فقد سبقت التوقيع مفاوضات ماراثونية امتدت حتى الساعات الأولى من الصباح، بعد خلافات حول صياغة بعض البنود المتعلقة بآلية الإشراف على وقف النار وضمانات الانسحاب الإسرائيلي.
وكانت مشاركة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في القمة حاسمة في تذليل بعض العقبات، بعد اتصالات مكثفة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي قرر عدم الحضور واكتفى بإرسال وفد رفيع المستوى برئاسة وزير خارجيته.
كما لعب أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني والرئيس التركي رجب طيب أردوغان دوراً مؤثراً في الضغط على حماس للقبول بالبنود النهائية، مقابل تعهدات بتسريع عملية إعادة الإعمار ورفع القيود عن المعابر.
غزة بين الأمل والحذر
في غزة، ساد شعور بالارتياح المشوب بالحذر عقب إعلان الاتفاق. فقد خرجت حشود من السكان إلى الشوارع احتفالاً بوقف القتال، بينما لا تزال مشاهد الدمار الهائل تذكّر الجميع بثمن الحرب.
المؤسسات الإنسانية رحّبت بالاتفاق، لكنها حذّرت من أن نجاحه مرتبط بمدى سرعة وصول المساعدات وإعادة تشغيل البنية التحتية المنهارة.
وقال مسؤول أممي إن "وقف النار خطوة ضرورية لكنها ليست كافية. المهم هو تحويلها إلى مسار سياسي يعالج جذور الأزمة ويضمن حياة كريمة للفلسطينيين".
رهان على ما بعد القمة
القمة، التي اختُتمت بتوقيع الوثيقة وسط تصفيق الحاضرين، فتحت الباب أمام مرحلة جديدة من الدبلوماسية الإقليمية، لكنها لم تُنهِ التحديات. فتنفيذ الاتفاق سيواجه اختباراً قاسياً في ظل انعدام الثقة بين الطرفين، والانقسام الفلسطيني الداخلي، والضغوط الإسرائيلية الداخلية الرافضة لأي تنازل سياسي.
ومع ذلك، يُنظر إلى اتفاق شرم الشيخ بوصفه إنجازاً سياسياً مهماً أعاد الأمل لشعب أنهكته الحرب.
فما بين أنقاض غزة وأروقة القمة، تتشكل معالم مرحلة جديدة قد تحدد مستقبل المنطقة بأسرها — مرحلة عنوانها وقف النار... وبداية سلام حقيقي؟